تقرير «مراقب الدولة» يفضح «الضعف البنيوي» الإسرائيلي في حرب غزة

حرب غزة_0
حجم الخط

تظهر القراءة العميقة لمسودة تقرير مراقب الدولة حول الحرب الاخيرة في غزة صورة مقلقة. فالجهاز السياسي ينشغل في السؤال حول من الذي سيتضرر من النخبة السياسية الأمنية من هذا التقرير، وكيف ستؤثر النتائج على مستقبله؟ ولكن من يهتم ايضا باتخاذ القرارات وطبيعة القرارات نفسها سيقلق من هذا التقرير. ليس فقط لأن المسودة تشير الى الضعف البنيوي في طريقة بلورة السياسة الاسرائيلية بشكل عام وفي غزة بشكل خاص، بل هي تتنبأ بالطريقة التي ستدخل فيها اسرائيل الى جولة الحرب القادمة مع «حماس». ومثلما تؤكد الاحداث في حدود القطاع، الاسبوع الماضي، فان هذه النتيجة ليست بعيدة. مراقب الدولة، يوسف شبيرا، ورئيس القسم الامني في مكتبه، العقيد احتياط يوسي باينهورن، يستغلان اطلاعهما على تلخيصات النقاش في مكتب رئيس الحكومة والكابنت والاذرع الامنية من اجل تحليل سلوك اسرائيل تجاه سلطة «حماس» في القطاع. ويتبين من المسودة أن القيادة الاسرائيلية لم تناقش بشكل جدي امكانية القيام بالتسهيل الاقتصادي في غزة، الامر الذي كان سيعمل على تأجيل اندلاع المواجهة، وأن اسرائيل لم تضع لنفسها أبدا استراتيجية وأهدافاً فيما يتعلق بالقطاع، وأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون ورئيس الاركان في حينه بني غانتس، عملوا على اخفاء المعلومات عن الكابنت وحولوه الى جسم لا قيمة له، وأن الاستخبارات حول تحضيرات «حماس» ونواياها كانت جزئية ومتناقضة وأن مجلس الامن القومي لم ينجح في أن يكون موازيا للجيش الذي يحظى بالمعلومات الكاملة والتخطيط وايجاد البدائل المحتملة. الكثير من هذه الاستخلاصات لن تسقط القارئ عن كرسيه اذا كان قرأ تحقيقات «هآرتس» بعد الحرب حول أداء الاجهزة الاستخبارية والاستعداد لعلاج الانفاق الهجومية أو المقابلة التي نُشرت هنا في نيسان 2015 مع عضو الكنيست عوفر شيلح، العضو في لجنة الخارجية والأمن. إن ميزة مراقب الدولة هي قدرته على الوصول الى الوثائق المصنفة أمنيا وامكانية اجراء المقابلات مع جميع الاطراف. المسودة المتعلقة بالكابنت والتي أعطيت للمعنيين، الاسبوع الماضي، هي فقط النبضة الثانية من بين أربع نبضات تتمحور حول الحرب. النبضة السابقة، وهي المسودة التي تم تقديمها في كانون الثاني الماضي، ركزت على تهديد الانفاق. وما زال مكتب مراقب الدولة يعمل على صياغة الاجزاء المتعلقة بمتابعة الجبهة الداخلية والقانون الدولي. وفي جميع الاحوال، يتوقع حدوث صراع شديد على الصيغة النهائية للتقرير بخصوص الكابنت، حيث عارض موشيه يعلون وقادة الجيش الاسرائيلي الانتقادات، وقاموا بتقديم وثائق اخرى وتفسيرات بديلة من أجل نفي موقف المراقب. المسودة الحالية تتنقل طول الوقت بين موضوعين يتطوران كخطين مستقيمين لا يلتقيان. فمن ناحية، نتنياهو ويعلون وغانتس ومعهم الاجهزة الامنية يفهمون الوضع على حقيقته حتى قبل اندلاع الحرب، حيث إن خطر الانفاق كان معروفا وقام «الشاباك» في نيسان 2014 بالتحذير من امكانية أن تحاول «حماس» القيام بعملية استراتيجية كبيرة عبر الانفاق في تموز. ومن ناحية ثانية، هناك الكابنت الذي لا يعرف. فأعضاء الكابنت استُبعدوا بشكل متعمد من قبل رئيس الحكومة. وقد سمعوا عن خطر الانفاق في نقاش واحد في آذار 2014، أي قبل اربعة اشهر من بدء العملية. ولم يعرفوا عن «القنبلة المتكتكة» الغزية أو تأثير قطاع غزة على الجيش في تعاطيه مع «حماس» في الضفة الغربية، فبعد اختطاف الفتيان الثلاثة في غوش عصيون تم ابلاغهم عن بحث الجيش عن نفق «حماس» في كرم أبو سالم قبل بضعة ايام من اندلاع الحرب في القطاع. ونظرا لأن الكابنت غير مطلع على التفاصيل، فان اعضاءه ايضا لم يعرفوا عن نتائج وقف التدريبات في الجيش الاسرائيلي كجزء من الصراع على الميزانية، قبل اندلاع الحرب بفترة قصيرة (هذه المسألة لم يتطرق اليها مراقب الدولة)، وتم اطلاعهم في وقت متأخر عن الوضع الخطير  في مخزون الجيش بسبب الاستخدام غير المراقب للذخيرة في غزة. اعترف الوزير جلعاد أردان لمراقب الدولة بأن اعضاء الكابنت لم تكن لديهم المعلومات الكافية أو الوقت الكافي لمتابعة المعلومات التي حصلوا عليها وفحصها أو التوجه للخبراء من اجل تحليل الوضع. اثناء النقاشات في الكابنت حول الحرب كان وزير الدفاع ورئيس الاركان ورئيس قسم الاستخبارات في هيئة الاركان، الجنرال افيف كوخافي، يقللون من احتمال اندلاع الحرب. والكابنت الذي لم يدرك الفجوة بين الاستخبارات وبين استعدادات «حماس» وجهاز اتخاذ القرارات كان يتعاطى مع هذه التقديرات بثقة عالية. وعندما سأل الوزراء عن الخطط العسكرية لعلاج الانفاق كان يتم التملص والتأجيل. وفي شهاداتهم أمام المراقب ادعى قادة الاجهزة الامنية أن المعلومات قُدمت للكابنت في الموعد، الامر الذي شكك فيه المراقب. وقد وصف عدم نقل المعلومات على أنه شيء صعب ومقلق. لكن بشكل غير مفهوم يخرج المراقب عن أطواره دفاعا عن نتنياهو في موضوع استبعاد وزراء الكابنت عن المعلومات والقرارات. ومن يتلقى النار بسبب ذلك هم وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان ورئيس الاستخبارات العسكرية ورئيس قسم البحث في الاستخبارات العسكرية، العقيد ايتي بارون. رئيس الحكومة، الذي هو الشخص الاكثر تأثيرا على الكابنت، لم يتم تحميله المسؤولية عن ذلك. لهذا فان هجوم مكتب نتنياهو على شبيرا بعد نشر المسودة هو شيء مفاجئ. ويتبين من المسودة ايضا أن الثلاثة والكابنت لم يناقشوا بشكل معمق المخرج الذي من شأنه منع المواجهة. لقد مرت «حماس» قبل الحرب بأزمة الرواتب مع السلطة الفلسطينية، وتم اغلاق معبر رفح وبدأت مصر في تدمير الانفاق. إن الموافقة الاسرائيلية على نقل الاموال لموظفي «حماس» أو توسيع استيراد البضائع للقطاع عن طريق اسرائيل في معبر كرم أبو سالم كان يمكن أن يعمل على تأجيل الحرب. هذه نقطة للتفكير الآن، لا سيما حول ما يمكن أن يكون تكرارا، اذا قررت «حماس» التوجه لمواجهة اخرى بناء على الوضع الاقتصادي المتدهور في القطاع. ترفض الأجهزة الامنية ادعاءات المراقب وتقول إن التقرير لا يفهم دور الكابنت وهو يحاول اعطائه صلاحية ادارة الحرب، الامر الذي هو من مسؤولية رئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزير الخارجية مع رؤساء الاجهزة الامنية. لقد اختار مراقب الدولة التركيز على الانفاق، وأشار الى أنه لم يكن في استطاعتنا توقع كل التطورات، لكننا كنا نعرف ماذا نريد وعملنا على تحقيقه: وقف اطلاق نار حسب شروطنا دون منح «حماس» أي انجاز ودون احتلال غزة واسقاط حكم «حماس». الاجهزة الامنية ايضا تتهم اعضاء الكابنت بعدم رغبتهم في التعمق في المواد. الامر لم يكن هكذا في عهد اعضاء الكابنت مثل دان مريدور وبني بيغن. صحيح أن التقرير يتطرق لشهادة رئيس قسم التخطيط السابق في هيئة الاركان، الجنرال نمرود شيفر، عن دورة تعليمية قام بالتخطيط لها لاعضاء الكابنت الجدد، التي لم يأت أحد منهم اليها. ولكن حسب مراقب الدولة فان المشكلات لا تقتصر على الكابنت، حيث يتبين من المسودة أنه لم يتم اتخاذ أي قرار حول ماذا تريد اسرائيل من قطاع غزة، ولم يتم وضع هدف استراتيجي. اغلبية النقاشات كانت على المستوى التكتيكي وكذلك الحرب ايضا. والانطباع هو أن القيادة تريد انهاء هذه القصة بأقل قدر ممكن من الضحايا وبأقل قدر من الضرر السياسي. بعد مرور عامين، فان تقرير مراقب الدولة يضع علامة استفهام حول تعاطي نتنياهو مع الحرب، الامر الذي قد يضر به من ناحية سياسية.