إنهاء الانقسام ... بالنقاط

thumb
حجم الخط

أثارت فجيعة موت أبناء عائلة الهندي في مخيم الشاطئ بمدينة غزة أسى شعبيا عميقا، لفداحة الواقعة ولطبيعة الموت حرقا لثلاثة أطفال في عمر الزهور، فجع فيهم الأب والأم والأهل الثاكلون، وما زاد في غصة المواطنين أن هذه الواقعة أعادت إلى الأذهان صور استشهاد كل من محمد أبو خضير وعائلة دوابشة، الذين قضوا بنفس الطريقة، أي الحرق، مع فارق هو أن المسؤول عن موت الأطفال هذه المرة لم يكن مستوطنا صهيونيا مأفونا، أو مهووسا بداء الحقد والكراهية ضد الآخرين. كان السبب هذه المرة يعود الى الانقطاع المتواصل للطاقة الكهربائية في قطاع غزة، والذي ما زال مستمرا معظم فترات اليوم، ملازما لحالة الانقسام، وأحد أهم مظاهرها، مع إغلاق المعابر التي يعني إغلاقها حصارا وسجنا جماعيا لنحو مليوني مواطن، يعيشون في أضيق بقعة جغرافية في العالم. بصمت اعتمل الغضب بداخل النفوس، فها هي آثار الانقسام تصل ذروتها، وربما أن الصدفة التي جعلت من وقوع تلك الحادثة، خلال تصعيد إسرائيلي، اربك حسابات حماس، التي لم يكن بمقدورها أن تفعل شيئا تجاه ما تراه بأم عينها من تدمير إسرائيلي لأنفاقها التي صرفت عليها عشرات الملايين، بدلا من دفع رواتب الموظفين أو ما يلزم من فاتورة الكهرباء وما إلى ذلك، هي التي زادت من توتر حماس لدرجة التنصل من المسؤولية وإلقائها على غيرها ! تدافع أكثر من ناطق باسم حماس لتحميل السلطة المركزية، ممثلة بكل من رئيس الحكومة والرئيس شخصيا، مسؤولية قضاء أطفال الهندي الثلاثة حرقا، لدرجة أن ترفع حماس "يافطة" معدنية على جدار السرايا بوسط مدينة غزة، تقول: دماؤنا في أعناقكم، مترافقة مع صورة الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة رامي الحمد الله ! لماذا ذهبت حماس إلى هذا المستوى وإلى تلك الدرجة من الصفاقة، مع أن معظم الفصائل، حمّلت الانقسام المسؤولية، وحتى بعضها حمّل الطرفين، وإن بنسب متفاوتة، ترتبط بنسبة مسؤوليتهما عن عدم إنهاء الانقسام حتى اللحظة، الجواب باختصار نجده في المثل الذي يقول: "اللي على راسه بطحه بيحسس عليها"، "واللي في بطنه عظام، بتقرقع"، لقد قرأت حماس جيدا أن الكارثة تحولت إلى أداة ضغط من أجل انهاء الانقسام، تماما كما بدأت تظهر إشارات التمرد على حكمها في غزة، من خلال عدة شواهد، لعل منها قيام خمسة عشر شابا جامعيا عاطلين عن العمل بالاعتصام المفتوح، فما كان من حماس إلا أن قامت باعتقال أحدهم وفض الاعتصام ؟ ! لماذا، مع أن الاعتصام لم يرفع شعارا ضدها ؟! لأن الناس بدأت تطالب بتوفير الخدمات الواجبة على حماس أن تقدمها للناس، ولا تفعل. حماس واصلت القيام بالدور الأثير لديها وهو "دور" السلطة المعارضة، مع أنها هي السلطة كلها في غزة، بدرجة من الوقاحة الغريبة، فهي حكمت غزة بعد انقلاب عسكري، وما زالت تحكمها بالحديد والنار، وفي نفس الوقت تطالب السلطة بأن توفر الخدمات لغزة من الكهرباء، للرواتب، للطرق والمستشفيات والمدارس! المهم أن طرفي الانقسام، تراشقا الاتهامات بالمسؤولية غير المباشرة بالطبع عما وقع لأطفال عائلة الهندي، وبعد سيل الاتهامات، الذي ترافق مع مكرمات أو هبات سعت لتخفيف وطأة ما حدث للعائلة المكلومة، من خلال توفير شقة ومصاريف علاج الطفل المصاب، من قبل الحكومة، ومن خلال قيام إسماعيل هنية نائب رئيس حركة حماس بتعزية الأب المكلوم، جاء دور المعركة السياسية، حيث قام الناطق باسم حماس سامي أبو زهري بالإعلان عن أن الحكومة رفضت - سابقا - تحمل مسؤولية شركة الكهرباء بغزة، ليرد عليه الناطق باسم الحكومة يوسف المحمود بالقول إن الحكومة مستعدة لتحمل مسؤولياتها كاملة في غزة! إعلان أبو زهري مراوغ لأنه قال إن الحكومة رفضت - أي سابقا - ولم يدع الحكومة مثلا للتفضل فورا باستلام شركة الكهرباء، كذلك كان رد المحمود غير موفق، لأنه بدلا من أن يعلن قبول الحكومة بتسلم الشركة فورا، قام بتعميم الأمر من خلال المطالبة بتسلم كل السلطة في غزة! واضح منذ زمن بعيد أن العقبة في طريق انهاء الانقسام، تكمن في استعداد كلامي أو شكلي لحماس بالسماح للسلطة بتولي الحكم في غزة، كما هي الحال الآن، وفي رفض للسلطة المركزية، لا لتولي مسؤولية شكلية ولا تولي مسؤولية غزة بالتقسيط، فإما تمكينها دفعة واحدة أو لا، وحماس لا تثق بأن حكومة تتمكن من غزة دفعة واحدة يمكن أن تفي بالتزاماتها تجاه ملفاتها من الخدمات للموظفين، والأهم أن كلا الطرفين عاجزان عن فرض ما يتفقان عليه على الأرض بسبب وجود سلطة القسام ميدانيا وعدم سماح إسرائيل للسلطة بفرض سلطتها على غزة بالقوة! لنفترض جدلا أن حماس هي الابن المشاكس للشعب الفلسطيني، المنطق العقلاني هنا يقول إن الرأس القيادي أو الحكومة المسؤولة عليها أن تتحلى بالحكمة والحنكة والتعقل السياسي، وأن تقبل فورا، بل وحتى أن تتبع تكتيك إنهاء الانقسام بالتدرج، وبندا بندا، لأنه يستحيل إنهاؤه دفعة واحدة، وعليها أن تسهّل على قيادة حماس السياسية الأمر، وأن تقول فورا وبوضوح إنها مستعدة لتولي مسؤولية شركة الكهرباء، والصحة والتعليم والبلديات فورا، حتى لو كانت هذه القطاعات تعاني من ديون مالية، وأن تعلن السلطة أيضا أنها مستعدة لاستلام المعابر فورا، وأنها تقبل أن تفاوض من أجل ميناء غزة، وأنها على استعداد فوري لإعادة بناء المطار، فقد قبلت إقامة سلطة حكم ذاتي في ظل الوجود الأمني الإسرائيلي، فلم لا تقبل أن تمارس مسؤولياتها مع وجود سلطة القسام!