نحو استراتيجية إسرائيلية لمواجهة التهديد الدبلوماسي الفلسطيني

اسرائيل
حجم الخط
سادت في اجتماع الجامعة العربية الـ 26 في شرم الشيخ حرب بقاء تخوضها الأنظمة العربية. فعندما تتعاون مصر والسعودية في الحرب على أراضي دولة عربية اخرى – اليمن، لا يعود أي شيء مقدسا في الشرق الاوسط.
لقد عبر الرئيس المصري عن إحساس الحاجة بتعابير غير مسبوقة. فقد قال الجنرال السياسي، ان «هذه القمة تنعقد في ظل تحديات هائلة للامن القومي العربي. فهناك جهات اجنبية تستغل الوضع في الدول العربية المختلفة، وتزرع الشقاق والانقسام بين السكان. وهي تهدد هوية واستقرار وطابع الامة العربية». ودعا السيسي إلى تشكيل جيش عربي موحد يواجه التحديات الجديدة.
من وجد صعوبة في ايجاد مكان في الشرق الاوسط الجديد كان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس. ففي محاولة لإعادة انتباه باقي الزعماء الى الشأن الفلسطيني ألقى أبو مازن الخطاب الاطول في القمة، ثلاثة اضعاف الملك السعودي أو الرئيس المصري. وخرج عباس عن النص مرات عديدة، وعزز تحذيراته بتهديدات عن نوايا اسرائيل.
ضمن أمور اخرى، روى ابو مازن للزعماء العرب عن خطة اسرائيلية سرية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة في غزة، وإلى جانبها حكم ذاتي في الضفة الغربية (الفكرة التي عزاها لكلمة ألقاها اللواء غيورا آيلاند). كما ادعى بأنه «في كل يوم تهدم مساجد وكنائس في فلسطين». اتهم اسرائيل بوقف أموال الضرائب رغم الوعود بتحريرها، بل اشتكى من عمولة بمستوى 3 في المئة تأخذها اسرائيل من السلطة. كما دعا عباس مواطني العالم العربي إلى زيارة الاماكن المقدسة في شرقي القدس وأراضي السلطة. وهذا خروج عن سياسة المقاطعة، شرحه ابو مازن على النحو التالي: «زيارة السجين في السجن لا تعني التطبيع مع السجان».
وبين الـ 29 صفحة في الخطاب (وهذه لا تتضمن الارتجالات التي اضيفت شفويا) لم يكن الكثير من الاحاديث السياسية ذات المعنى، باستثناء جملة قصيرة واحدة دعا فيها عباس الى ترجمة «التصريحات والقرارات ضد الاحتلال» الى عقوبات. وهكذا كشف عمليا مدى دور السلطة الفلسطينية في الخطوة الأوروبية المخطط لها ضد إسرائيل، ولكنه في الوقت ذاته كان حذرا من أن يبوح بتفاصيل تضر بالائتلاف المتبلور.
يمكن ان نتوقع بأنه في الوقت القريب ستواصل القيادة الفلسطينية محاولة التصدي لدحرها الى الهوامش في العالم العربي من خلال علاقاتها مع دبلوماسيين غربيين والنجاحات التي تحققها في المحافل الدولية. وما قاله ابو مازن الآن بصوت عال، قاله موظفو السلطة ومبعوثوها على مسامع دبلوماسيين اوروبيين على مدى سنوات طويلة. وفشل المفاوضات في السنة الماضية وفر لهم الفرصة لعزل اسرائيل بل وللمطالبة بفرض العقوبات عليها.
يبدو أن حكومة اسرائيل لم تبلور بعد استراتيجية فاعلة للتهديد الدبلوماسي الفلسطيني. فوقف اموال الضرائب تبين كخطوة اشكالية ومحدودة، تستهدف الرأي العام في اسرائيل اكثر مما تستهدف اصحاب القرار في رام الله. وهذه مشكلة دائمة للعقوبات التي يصعب عليها تحقيق هدفها عندما لا ترافقها خطوات اخرى، اجراءات سياسية وحتى تهديدات عسكرية. من المعقول الافتراض بأن افكارا اخرى تبحث في اسرائيل، مثل وقف حرية حركة المسؤولين الفلسطينيين، لن تحقق هدفها.
ان التطورات في العالم العربي تخدم اسرائيل، ولكن بالذات في اوروبا وفي الولايات المتحدة ينجح الفلسطينيون في تسجيل النجاحات. وفقط خطوة متداخلة – تهديد مهم وجدي حيال السلطة، الى جانب مبادرة سياسية ذات مصداقية، يمكنها أن تمنع الانحدار نحو العزلة الدولية.

عن «معاريف»