الخسارة الأفدح لـ«حزب الله» في سورية

thumb (2)
حجم الخط

 

 

اعلان "حزب الله"، أول من أمس، صباحاً، حيث اعتبر موت القائد مصطفى بدر الدين بالقرب من دمشق نتيجة لقصف منظمات التكفيريين السنة في سورية، يلغي امكانية التصعيد بين المنظمة الشيعية وبين اسرائيل في أعقاب القتل. في حالات سابقة تم فيها قتل قادة الذراع العسكرية لـ"حزب الله" (عماد وبعده جهاد مغنية وبعد ذلك حسن لقيس) أو قتل "مخربين" يرتبطون بـ"حزب الله" (سمير قنطار)، وجهت المنظمة إصبع الاتهام نحو اسرائيل خلال فترة قصيرة وهددت بالانتقام.
اعلان "حزب الله" في هذه المرة يناسب العلامات الاولية التي توجد في الطرف الاسرائيلي. ويبدو أن الطرفين يعرفان بأن المتهم هو طرف ثالث. وفي جميع الحالات هما غير معنيين بالتصعيد والمواجهة فيما بينهما. رغم أن وصف الحادثة يترك الكثير من التساؤلات – أي تنظيم من تنظيمات المتمردين قادر على القصف المدفعي مع امتلاك المعلومات الدقيقة، حيث إن بدر الدين هو الوحيد الذي أصيب من بين المتواجدين معه؟ وأي تنظيم ينفذ عملية كهذه ولا يتفاخر بها؟ "حزب الله" واسرائيل تعتبران هذا الامر محسوما. المنظمة ستستمر في دعم نظام الاسد، أما اسرائيل فتحافظ على انخفاض اللهب في الحرب الاهلية في سورية.
رغم أن هذا السيناريو قد يبدو مبالغا فيه، إلا أن تقديرات أول من أمس، تشير إلى أن بدر الدين قد قُتل بسبب ازمة داخلية وكجزء من تصفية حساب داخل "حزب الله" أو داخل المعسكر الشيعي. تعتمد هذه التقديرات على الاصابة "النظيفة" لقائد "حزب الله" دون مصابين آخرين، وعلى المعلومات الداخلية التي ساعدت في التنفيذ السهل للقتل، وعلى التوتر الداخلي بين بدر الدين وقادة آخرين في "حزب الله" في أعقاب التحفظ على سلوكه، وعلى الفترة الزمنية الفاصلة، أكثر من 24 ساعة، التي احتيج اليها كي ينشر "حزب الله" إعلانا يلقي فيه بالمسؤولية، بشكل غريب، على المتمردين.
يبدو أنه لن يأسف أحد من خارج المعسكر الشيعي على بدر الدين. خلال عشرات السنين من العمل في صفوف "حزب الله" نشأ اعداء لبدر الدين، ليس فقط في اسرائيل والغرب، بل ايضا في العالم العربي. وبشكل عام، الرسالة الرادعة هي أن معظم هؤلاء الاشخاص – مغنية وابنه جهاد ولقيس وقبلهم أمين عام "حزب الله" السابق عباس موسوي – الذين عملوا طوال حياتهم على تخطيط العمليات ضد المدنيين، لا يموتون في أسرتهم. حسن نصر الله بقي وحيدا الى حد ما في قيادة المنظمة، حيث بقي عدد قليل من المجموعة التي شكلت التنظيم في بداية الثمانينيات.
إن موت بدر الدين، الذي هو صهر عماد مغنية والذي أخذ بعض صلاحياته بعد تصفيته في دمشق في شباط 2008، يعتبر الخسارة الاصعب بالنسبة لـ"حزب الله" في الحرب الاهلية السورية حتى الآن. لقد زادت المنظمة تدخلها في الحرب السورية في صيف 2012 بناء على طلب من الاسد وتوجيهات من ايران. ومنذ ذلك الحين قتل عدد من القادة الميدانيين رفيعي المستوى في "حزب الله"، ولكنهم ليسوا بمستوى بدر الدين. وتقول الاجهزة الامنية الاسرائيلية إن خسائر "حزب الله" في سورية بلغت الى الآن 1600 قتيل وأكثر من 5 آلاف جريح. وقد كان بدر الدين مسؤولا في السنوات الاخيرة عن جهود "حزب الله" في سورية في الوقت الذي كان فيه القائد العسكري، طلال حامية، مسؤولا عن العمليات الخارجية لـ"حزب الله".
في الوقت الحالي يشارك في الحرب السورية حوالي 5 آلاف مقاتل، وهذا ربع قوة "حزب الله" النظامية. لكن المنظمة ايضا تسجل مرابح نتيجة لهذه الحرب. يتحدث الجيش الاسرائيلي عن تحسن حقيقي في قدرة "حزب الله" على تشغيل أطر عسكرية كبيرة تعتمد على التكنولوجيا والاستخبارات وتجربة كبيرة من العمليات العسكرية وزيادة مهارات القادة العسكريين. اذا اعتبرت اسرائيل في الماضي أن "حزب الله" منظمة ارهابية تستخدم حرب العصابات، فهي تتعامل معه اليوم كجيش صغير، حيث إن قدراته وسلاحه يفوقان ما يوجد في كثير من دول الشرق الاوسط.
إن التعرض لحياة بدر الدين هو استمرار لفترة سيئة بالنسبة لـ"حزب الله" في سورية، رغم أن تواجد روسيا العسكري، اضافة الى وقف اطلاق النار الضعيف، تخدم الرئيس السوري، وقد نجحت في وقف فقدان الاراضي لصالح المتمردين، الامر الذي وصل الى الذروة في الصيف الماضي. إن استمرار الحرب يتسبب لايران و"حزب الله" بدفع الثمن الباهظ. نشرت في الشهر الماضي تقارير حول موت ضباط ايرانيين رفيعي المستوى في حلب، وفي المعارك في المناطق المحيطة بقرية خان طومان جنوب حلب قتل وأُسر العشرات من حرس الثورة الايراني على أيدي المتمردين السنة، وقد تم طرح طلب في البرلمان الايراني وهو اقامة لجنة تحقيق لفحص الفشل العسكري.
النشاط الجوي الروسي الذي تم تقليصه، ولكنه لم يتوقف تماما والذي ساهم في استقرار النظام وخطوط الدفاع، لم يضع حدا للمعارك أو لوقف نزف الاسد ومؤيديه. تظهر ايران حساسية تجاه الضحايا العسكريين في سورية، وقد قلصت قبل اشهر عدد قواتها بسبب انتقاد الجمهور في الداخل من زيادة عدد المصابين في الحرب.
لا يوجد أمام نصر الله أي خيار سوى الاستمرار في دعم الاسد، وهذا ما يطلبه منه الايرانيون. لكن موت بدر الدين الذي هو من أكبر القادة في "حزب الله" وأقدمهم، يُذكر بالثمن الذي يدفعه "حزب الله" والذي سيستمر في دفعه مقابل مشاركته في الحرب خارج لبنان، حيث الدولة التي يقول نصر الله إنه المدافع الفعال الوحيد عنها.

عن "هآرتس"