عندما تصبح إيران جارة الإسرائيليين

thumbgen (26)
حجم الخط
 

لطالما ادعت الحكومات الإسرائيلية، خصوصا حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، أنّ طهران تشكل خطرا كبيرا، وأنّها تسعى إلى امتلاك سلاح نووي يهدد أمن الإسرائيليين. وكثيراً ما رفض نتنياهو، وغيره من السياسيين الإسرائيليين، مناقشة قضايا أخرى، خصوصاً التسوية مع الفلسطينيين، مشددين على أولوية الخطر الإيراني. وإذا كانت هناك فرضية أنّ هذا التهويل الإسرائيلي هدفه حرف الأنظار والبوصلة عن القضايا الحقيقية، فإنّ ما يحدث في سورية يدعم هذه الفرضية؛ فالإيرانيون وجيشهم أصبحوا على مرمى بصر الجيش الإسرائيلي، ولكن الاسترخاء الإسرائيلي، وحتى تسهيل مهمة الإيرانيين، جَليّان.
انتقال البندقية الإيرانية قرب الإسرائيليين، لا يثير قلقا؛ تماماً كما انتقلت البندقية الفلسطينية إلى فلسطين العام 1994. إذ يبدو أن للجغرافيا السياسية منطقاً معقداً، يجعل اقتراب وبُعد البندقية المعادية أمراً نسبيّاً.
شكل حزب الله تحدياً كبيراً للإسرائيليين، واستطاع أن يكون فاعلا ومؤثراً باستخدام الأداة العسكرية، وإرغام إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان، العام 2000، ما شكل نكسة في تاريخ العسكرية الإسرائيلية، لا تستطيع ابتلاعها حتى الآن، ولسان حال الحزب وتصريحاته، أنّ هذا ما كان ليكون لولا دعم طهران. لكن شبكة العلاقات الإيرانية-الإسرائيلية، كما في كل العلاقات السياسية تقريباً، معقدة وفيها نقاط التقاء وتوظيف متناقضة. وإذ يتضح من الوضع في سورية الآن، فإنّه قديم.
في منتصف الثمانينيات، كان هناك سبع رهائن أميركيين لدى حزب الله في لبنان، وكانت إيران منشغلة بحربها مع العراق، وكان هناك حظر أميركي على بيع السلاح لها، وكانت الإدارة الأميركية تريد دعم حلفائها في نيكاراغوا "الكونترا" (المليشيات المعادية للشيوعية حينها)، ولكن الكونغرس يمنع ذلك. وبحسب القصة الموثقة جيداً الآن، وتعرف باسم "إيران غيت"، اتفقت الحكومة الإيرانية التي كانت بحاجة ماسة للسلاح، مع مسؤولين أميركيين، على تزويدها به، على أن يفعل الإيرانيون كل ما بيدهم لإطلاق سراح الرهائن. وكان المسؤولون الأميركيون يأملون أن تكون الصفقات بداية تغير في العلاقة مع طهران، ودعم تيار "معتدل" في النظام الإيراني. وكان الإسرائيليون على صلة مع وسطاء إيرانيين، وتم بالفعل بدء شحن السلاح العام 1985، من قبل الإسرائيليين، وبدأ إطلاق سراح الرهائن لدى الحزب. وبحسب الخطة، تقوم واشنطن بتعويض السلاح للإسرائيليين مع مكاسب مالية، وجزء من ثمن السلاح سيذهب إلى "الكونترا". وقد كشفت القصة من قبل مسؤول إيراني، عارض الصفقة، هو مهدي هاشمي في تقرير نشر نهاية العام 1986، في صحيفة "الشراع" اللبنانية، وأعدم النظام الإيراني هاشمي لاحقاً.
إنّ النظام الإيراني الذي مدّته "إسرائيل" بالسلاح قبل ثلاثين عاماً، ليس أقل "ثورية" من النظام الحالي. والآن، ربما لا يوجد شيء شبيه بما حدث حينها. ويعارض الإسرائيليون الاتفاقية الأميركية الإيرانية، لأنهم ببساطة يريدون بقاء إيران فزاعة للتذرع بها واختلاق خطر خارجي، ولأن إيران بالفعل دعمت خصوما للإسرائيليين مثل حزب الله، ولأنهم يخشون أن يزداد هذا الدعم. ولكن الأمر بمجمله ليس مطلقا: إما كل شيء أو لا شيء، وترتيب الأولويات يتغير دائماً، لدى الجميع. فانشغال إيران بالحرب مع العراق، كان مصلحة وسياسة أميركية إسرائيلية، وكان وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد يعطي السلاح لصدام حسين، وشيمون بيريس، الإسرائيلي، يعطيه للإيرانيين، ليقتتلا. والآن، يجلس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نتنياهو، وينسقان كيف سيعمل الجيش الروسي، في سورية، جنباً إلى جنب مع الإيرانيين وحزب الله، للحفاظ على النظام السوري، وبوتين نفسه ينسّق مع الأميركيين.
بالمثل، لا يمانع مسؤولون عرب خليجيون أن يقولوا إنّ هنا التقاء مصالح مع الإسرائيليين في معارضة الاتفاق النووي الإيراني ومعارضة إيران عموما. 
في اغتيال مصطفى بدر الدين، القائد العسكري في حزب الله، قبل أيام، في سورية، أعلن الحزب مسؤولية "التكفيريين" عن الاغتيال. وبغض النظر عن التحليلات التي ترى أنّ الإسرائيليين هم المسؤولون، فإنّ "إسرائيل" مستفيدة في الحالتين، سواء أكان الحزب يُهاجَم على يد طرف آخر، أو من الإسرائيليين، وبوصلته منشغلة بمكان آخر، وقادته يقتلون واحداً تلو الآخر، على يد الإسرائيليين وغيرهم. وبالتالي لا بأس من رؤية البندقية الإيرانية بالجوار، ما دامت منشغلة بأولوية أخرى، وما دام هناك تدمير ذاتي وخارجي لحزب الله.
عن الغد الاردنية