بعد عام: حكومة نتنياهو تعود للمربع الأول !

thumb (20)
حجم الخط

 

 

   

بعد نحو أربعة عشر شهرا، نجح بنيامين نتنياهو في إعادة عقارب الساعة للوراء، اي إلى لحظة ما بعد إعلان نتائج انتخابات الكنيست العشرين، التي كان قد فاز فيها، بشكل غير متوقع حزب الليكود بثلاثين مقعدا، وكذلك اليمين الإسرائيلي بأغلبية مقاعد البرلمان الإسرائيلي، بما خوله الحصول على التكليف بتشكيل الحكومة، حيث كانت المفاجأة، قد تمثلت برفض مفاجئ لأفيغدور ليبرمان المشاركة في تلك الحكومة، وهو الذي كان قد شارك نتيناهو في أكثر من حكومة سابقة.
كان متوقعا ان يشكل نتنياهو في ذلك الوقت، حكومة تضم احزاب اليمين واليمين المتطرف، والأحزاب الدينية، بما فيهم حزب ليبرمان _ إسرائيل بيتنا _ إضافة الى حزب "كولانو" بزعامة الليكودي السابق موشيه كحلون، ليضمن قاعدة برلمانية من 67 نائبا في الكنيست، لكن رفض ليبرمان المشاركة، جعل من حكومة نتنياهو حكومة ضيقة بأغلبية نائب واحد فقط. 
أما لماذا رفض ليبرمان في ذلك الوقت المشاركة في حكومة صديقه السابق، وفضل الجلوس على مقاعد المعارضة، مع فريق يناصبه العداء السياسي، فذلك لعدم قدرة نتنياهو على قبول كل مطالب ليبرمان في ذلك الوقت، والتي تمثلت في الحصول على حقيبة الجيش، والأهم ان يتعهد نتنياهو باسقاط حكم حماس في غزة.
التوصل لاتفاق الآن بعد مرور اربعة عشر شهرا، على تلك اللحظة، يثير عددا من الأسئلة، في مقدمتها، ما الذي تغير، هل قبل نتنياهو بشروط ليبرمان تلك، ام ان ليبرمان قد تراجع عنها، وهل هناك خطر قادم يهدد مكانة اليمين، من اليسار مثلا، او ان هناك ترتيبات إقليمية أو حتى دولية قادمة، دفعت الرجلين والحزبين، الى العودة للشراكة مجددا حفاظا على مكانة إسرائيل وموقع اليمين في صنع القرار الرسمي فيها؟!
أولاً وقبل كل شيء، لا بد من القول، بأن نجاح الخبير والذي صار محنكا، سياسيا، وفي إدارة الدولة، نقصد بنيامين نتنياهو في البقاء بأغلبية صوت واحد، اكثر من عام، ومواجهة شبه انتفاضة شعبية فلسطينية، طوال اكثر من ستة أشهر، دون ان يسقط، بل دون ان يلحظ أحد قوة المعارضة، سواء تلك اليسارية بقيادة اسحق هيرتسوغ، وتسيبي ليفني، او الأكثر يمينية بقيادة ليبرمان نفسه، كان سبباً او أحد أسباب مراجعة ليس ليبرمان وحسب لحساباته بل حتى هيرتسوغ، الذي دخل في الوقت ذاته في "مفاوضات ائتلافية " مع نتنياهو، فشلت بسبب رفض أغلب نواب المعسكر الصهيوني ( 19 من اصل 24 ) الشراكة الحكومية مع اليمين، دون تعديل برنامج الحكومة. 
كان يمكن لنتنياهو ان "يحتوي" المشكلة التي حدثت مع قادة الجيش، والتي أشرنا لها في مقالنا السابق _ هنا_ لكن يبدو ان النخبة السياسية في إسرائيل، واليمين على وجه التحديد، قرأت في مواقف وتصريحات قادة الجيش "تحديا غير مسبوق" فسارعت للتحصن لإجهاضه، ومنع دخول الجيش كمؤسسة دائرة اتخاذ القرار او احداث انقلاب، او التقدم باتجاه مقدمة المسرح السياسي الإسرائيلي. 
السؤال هنا، مفاده، ماذا بعد دخول ليبرمان كوزير للحرب، هل سيقبل موشيه كحلون قرار "الإقالة" وهو الذي يتزعم حزب "كولانو" المكون من عشرة نواب، حزبا هو اهم من حزب ليبرمان ذي الستة نواب، ام ان نتنياهو والليكود سيقومان بتعويض كحلون، وحزبه الذي ظهر في الانتخابات كحزب وسط اكثر منه حزباً يمينياً، وأبقى على أبوابه مشرعةً لمشاركة من يفوز بتكليف التشكيل الحكومي : نتنياهو او هيرتسوغ، وذلك على حساب وزارات الليكود _ المالية مثلا، أم ان نتنياهو سيجد نفسه كما يقول المثل "جاء ليكحلها فعماها" اي انه بدلا من ترميم وتقوية وتعزيز اليمين بضم "اسرائيل بيتنا" أضعفه بخروج "كولانو" مع ملاحظة ان خروج "كولانو" سيعني فقدان اليمين للأغلبية وبالتالي سقوط الحكومة.
هناك أكثر من سبب يدعونا للقول بانه مع الأخذ بعين الاعتبار محاولة اليمين منع سقوطه أو إضعافه، بعد ظهور الجيش "كمعارض" فان هناك تحولات سياسية تلوح في أفق المنطقة، يبدو انها هي التي دفعت بشكل اكبر الى هذا المستجد الداخلي في السياسة الإسرائيلية، فمعروف للملأ بان الفراغ الذي حدث مع فشل الإدارة الأميركية رعاية التفاوض مع الجانب الفلسطيني، قد دفع عدة أطراف لمحاولة ملء ذلك الفراغ، لذا جاءت المبادرة الفرنسية، التي رفضتها إسرائيل لسببين _ بتقديرنا، اولهما ان المبادرة تنقل معالجة ملف الصراع، الى محفل دولي، وإسرائيل كانت قبلت مدريد على مضض وتحت ضغوط أميركية قبل ربع قرن، ثم نقلت الملف للتفاوض الثنائي وبالرعاية الأميركية فقط، والثاني ان المبادرة تتحدث عن سقف وجدول وآليات إنهاء الاحتلال وفرض الحل على الطرفين!
هذا العام هو عام انتخابات أميركية، أي عام فراغ سياسي، لكن مع العام الجديد سيكون هناك رئيس مندفع في اول ولايته، فان كانت كلينتون فانها ستعيد تفعيل الملف، وان كان ترامب، فقد تتوتر الأجواء أكثر، لذا فان الملف سينتقل عمليا الى القاهرة التي كانت لها سابقة رعاية المفاوضات مع واشنطن طوال عشرين عاما مضت.
ولأن العملية باتت متزامنة مع الاقتراب من حل ملفات الإقليم الساخنة في اليمن وسورية، فان الاهتمام بالملف الفلسطيني / الإسرائيلي سيزداد، وربما يشهد العام القادم حلا للملف الفلسطيني بشقيه، بالاتفاق على وضع حل لاحتلال الضفة، وبما يتضمن ترتيب أوضاع غزة أيضا، لذا فإن إعادة ترتيب الحدود بين مصر وإسرائيل _ حدود العلاقة السياسية، تدفع بان تأخذ القاهرة زمام المبادرة، وبعد زيارة الرئيس محمود عباس، تجيء زيارة نتنياهو للقاهرة، لتضع النقاط على حروف ما زالت تبدو غامضة !