فى الأسابيع والأيام الأخيرة، جاءتنا من بعض الأشقاء العرب إشارات مهمة، تتعلق بسؤال الساعة، وسؤال المستقبل لشعوب المنطقة، تحديداً فيما يتعلق بقضية الجماعات والفرق المتأسلمة، أتحدث عن المملكة الأردنية الهاشمية، وعن الجمهورية التونسية.
المملكة اتخذت إجراءات مهمة تجاه جماعة الإخوان، حيث تم إغلاق مقرها، والواضح أن الأمور وصلت هناك إلى حد استدعى تدخل جلالة الملك عبدالله الثانى؛ وفى تونس، قرأنا حواراً وتصريحات لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشى، عن اتجاه الحركة لفصل ما هو دينى عما هو سياسى، بهدف أن تعمل الحركة تماماً بالسياسة «نريد أن يكون النشاط الدينى مستقلاً تماماً عن النشاط السياسى»، وغير ذلك مما ورد فى حديث الغنوشى مؤخراً مع صحيفة «لوموند»؛ وتناقلته عدة صحف عربية.
ما جرى فى المملكة الأردنية الهاشمية، يؤكد الخبرة المصرية من أنه لا أمل فى جماعة الإخوان نهائياً، الأصل فاسد والفروع كلها كذلك، تأمل أيضاً ما جرى ويجرى من هذه الجماعة بكل روافدها فى سوريا الشقيقة، كانت الأردن تُضرب مثلاً فى إمكانية التعايش مع تلك الجماعة ومنحها الشرعية شرعية الوجود وشرعية القانون، ويثبت يومياً أنها تستعصى على التعايش والتواجد وسط الآخرين، إنها جماعة «إما.. أو..»، جماعة التهديد والوعيد.. الإقصاء والإلغاء، لذا أندهش كثيراً من الأحاديث التى تترى فى مصر، بين حين وآخر، حول إمكانية التصالح مع تلك الجماعة، وإمكانية إصلاحها وتطويرها، وأظن أن تجربتنا كمصريين معهم، منذ منتصف الأربعينيات، حين اغتالوا أحمد ماهر رئيس وزراء مصر تؤكد ذلك، ويزداد اليقين منذ 11 فبراير 2011 وحتى 3 يوليو 2013، باستحالة إصلاح تلك الجماعة أو تطويرها، الجماعة منشغلة بأفكار العنف والإقصاء والإرهاب منذ مؤسسها الأول، الذى يقدسون تعليماته وأفكاره، ثم جاء سيد قطب، واستنسخها على نحو أشد عنفاً؛ وهى كذلك جماعة مغلقة تماماً، ماسونية الملامح والإجراءات، فضلاً عن الأفكار.
حين تناقلت بعض الصحف العربية تصريحات الغنوشى مع «لوموند»، وجدت استقبالاً إيجابياً لدى فريق من المعلقين والمحللين، لا يجب أن نغفلهم، وذهبوا إلى مدى بعيد فى تفهمهم لتلك التصريحات، وترحيبهم أو تفاؤلهم بها، وبالتأكيد لا يسع الباحث الذى يود للمنطقة أن تعبر عتبة التطرف والإرهاب وأن تتجاوز أثقال الإسلام السياسى، إلا أن يسعد بمثل تلك التصريحات، لكن المثل المصرى يقول «من لسعته الشربة ينفخ فى الزبادى»، لذا فإن هذه التصريحات وجدت عندنا البعض منا يشكك فى جديتها، ورآها الآخرون من باب تصدر التقية أو التجمل، وذهب البعض أنها تمثل حرصاً على مخاطبة الغرب بالحديث الذى يستهوى الأفكار الغربية، وبالتأكيد هذا الفهم مرتبط بخبرتنا مع جماعة الإخوان «الإرهابية»، التى كانت تصدر بيانات باللغة الإنجليزية متناقضة تماماً فى نفس الموضوع لبياناتها باللغة العربية، ليس ذلك فقط، بل إن أقطاب الجماعة الذين تفاوضوا مع المسؤولين الأمريكيين قبل 25 يناير، قدموا أنفسهم باعتبارهم ليبراليين وديمقراطيين، وفيما نشر بعد ذلك أن د. عصام العريان قال فى إحدى تلك الجلسات «السرية» لهم «لا تحاسبونا على اسمنا.. نحن جماعة علمانية»، ونقل هذا التصريح إلى الرئيس أوباما، أيام ثورة 25 يناير، وبناء عليه، وعلى أمور أخرى، حدد أوباما موقفه النهائى من حسنى مبارك وقرر الانحياز إلى جماعة الإخوان واعتبارها البديل لمبارك ونظامه، هذه الوقائع نُشرت كثيراً وباتت فى نطاق العلم العام.
وأضيف أنا إلى هؤلاء أننى، قبل 30 يونيو 2013 بأيام، تابعت لقاء مع الغنوشى على قناة «فرنسا 24»، كان شديد الصلف والعدوانية فى حديثه عن خصومة السياسيين فى تونس، وقال عنهم يومها، كلمات لا تختلف كثيراً عن كلمات د. محمد مرسى فى خطاب «أنا الرئيس الشرعى»، وكنت مندهشاً يومها مما يقول، فقد كان يتناقض تماماً مع ما ذكره هو فى أحاديثه السابقة، وفى كتاباته، خاصة كتابه المهم الذى كانت «دار الشروق» أصدرته له، قبل شهور، فى جزأين.
ومع ذلك، فإننى أتصور أن الغنوشى لا يكذب ولا يموه، لكنه يدرك حقائق الواقع، سواء فى تونس أو فى بلاد المنطقة وفى العالم كله، ويدرك أن الإسلام السياسى لا مستقبل له، ولذا يسعى إلى الخروج منه، وهنا تكون القضية كيف ولماذا يُعلن الغنوشى أنه وجماعته بصدد الخروج إلى الفضاء المدنى والسياسى ويترك خلفه الفضاء الدينى؟.