لم تعد حكومة نتنياهو ـ ليبرمان احتمالاً، بل صارت أمراً واقعاً. وانتقلت حكومة بنيامين نتنياهو من الاستناد إلى أصوات 61 نائباً إلى الاستناد إلى أصوات 66 نائبا في الكنيست.
لكن قوتها الحقيقية، على الصعيد الداخلي، لا تستند إلى الزيادة في ركيزتها البرلمانية، بقدر ما تستند إلى واقع أنها باتت حقاً وفعلاً تضم كل أحزاب اليمين الديني والقومي في اسرائيل. وخلافاً لكل الحكومات الإسرائيلية السابقة، لم تحاول حكومة نتنياهو الحالية التظاهر باحتوائها على أي من مظاهر الاعتدال الشكلي: إنها حكومة اليمين المتشدد. وهذا ما أثار رد فعل أميركيا غير اعتيادي نبّه إلى أن التركيبة الجديدة للحكومة الإسرائيلية «تثير تساؤلات» حول وجهتها السياسية.
لكن قوة يمين هذه الحكومة لا تنفي التصدعات، التي كانت ولا تزال قائمة، وربما اتسعت، بين مكوّناتها. فزعيم «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، كان ولا يزال «الأخ العدو» لنتنياهو، وكذا الحال مع زعيم «البيت اليهودي»، نفتالي بينت. وليس زعيم حزب «كلنا»، وزير المالية موشي كحلون، استثناءً عن القاعدة. والعلاقة بين اليمين الديني واليمين القومي مرت بخيبات وخيبات تدفع الطرفين إلى التعامل بمنطق «احترام مشوب بالارتياب».
وقد بدا هذا الارتياب في حفل التوقيع على الشراكة الجديدة ـ القديمة بين ليبرمان ونتنياهو، إذ قال ليبرمان لشريكه: «نحن مرة أخرى شريكان جديدان ـ قديمان. اشكرك لقدرتك على التغلب على كل رواسب الماضي». وتناول ليبرمان صداماته السابقة مع نتنياهو، فقال: «اعترف أني في هذه الاثناء اجتزت عملية جراحية لإطالة الفتيل القصير الذي لديّ، وآمل أن يجدي هذا في المستقبل». اما نتنياهو فعقّب بمزحةٍ من جانبه، قائلاً: «ما هذا، الجميع يجتازون هنا عمليات جراحية». وأضاف: «إسرائيل بحاجة إلى استقرار سلطوي لمواجهة التحديات التي أمامنا ولاستغلال الفرص التي أمامنا. ولهذا فإني أرحب اليوم بأفيغدور ليبرمان وأعضاء كتلته كشركاء جدد وهامين في الائتلاف».
وفي كل حال، عمد ليبرمان لزعزعة المخاوف من تعيينه، فقال: «أعتزم العمل بتعاون وثيق مع رئيس الوزراء ومع وزير المالية، وابتداء من الأسبوع المقبل مع هيئة الأركان ورئيس الأركان أيضاً، ولكن في نهاية المطاف مسؤوليتي هي عن سياسة متوازنة تجلب الاستقرار إلى المنطقة ولدولتنا، وأنا واثق من أنه ابتداء من الأسبوع المقبل سيكون هذا ائتلافاً أكثر نجاعة واستقراراً. الموضوع الأهم هو أمن مواطني إسرائيل، ومن أجل هذا الهدف بذلنا الجهد. أؤمن بأن كل الجمهور سيربح من هذا الاتفاق».
ويحوي اتفاق الشراكة بين نتنياهو وليبرمان انضمام «إسرائيل بيتنا» إلى الحكومة يوم الإثنين المقبل بوزيرَين: ليبرمان وزيراً للدفاع وصوفا لاندبر وزيرة للهجرة. وكما سلف، فإن الائتلاف الحكومي الجديد سيضم 66 نائباً بدل 61 كانوا له قبل إبرام الاتفاق مع ليبرمان.
ولم تبد الفرحة كبيرة في إسرائيل جراء اتفاق الشراكة القديمة - الجديدة، إذ بقي الخلاف بين الليكود و «البيت اليهودي» على حاله بعدما اشترط هذا الحزب اليميني تأييد توسيع الحكومة بتعديل أداء المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية (الكابينت). وواصل زعيم الحزب، نفتالي بينت، التهديد بالتصويت ضد تعيين ليبرمان وزيراً للدفاع إذا لم تُعيّن الحكومة سكرتيراً عسكرياً لأعضاء الكابينت بغرض إبقائهم على تواصل مع الجيش والمقتضيات الأمنية. وحتى الآن يرفض الليكود الخضوع للإنذار. وهدد مقرب من نتنياهو أمس رئيس «البيت اليهودي» نفتالي بينت من أنه إذا صوت نواب الحزب الثمانية ضد التعيين فإن وزراء «البيت اليهودي» سيقالون فوراً. ومع ذلك، فإن هناك فسحة من الوقت لحل هذه المسألة قبيل يوم الإثنين المقبل.
وأياً يكن الحال، فإن المعارضة حملت على الاتفاق بشدة. وأعلن رئيس المعسكر الصهيوني، إسحق هرتسوغ، أن «على مواطني إسرائيل أن يكونوا قلقين من ائتلاف يميني يقود إسرائيل إلى أماكن خطيرة جداً. لقد غدا نتنياهو رهينة بينت، ليبرمان، سموتريتش ورفاقهم».
أما في «هناك مستقبل»، فقالوا إن «التوقيع على الاتفاق الائتلافي ليس إنجازاً بل استسلاماً معيباً، خيانة لثقة الجمهور وتركه لمصيره. لقد تنازل ليبرمان بلا معركة عن كل المبادئ والقيم التي تباهى بها جدا في الماضي».
وعلى الصعيد الخارجي، كان لافتاً الموقف الرسمي الأميركي البارد كما عبَّرت عنه الخارجية الأميركية. فمقابل محاولة نتنياهو الإيحاء بأن توسيع الحكومة لن يغير مسارها وربما يفتح آفاقاً نحو التسوية، أعلن المتحدث بلسان الخارجية الأميركية أن تشكيلة الائتلاف الحكومي في إسرائيل تثير تساؤلات بشأن وجهتها. وأضاف أن الولايات المتحدة ستفحص الحكومة الإسرائيلية الجديدة وفق أفعالها لا أقوالها. وأشار المتحدث إلى «أننا رأينا تقارير من إسرائيل تصف الائتلاف الجديد بأنه الأشد يمينية في تاريخ إسرائيل.
ونحن أيضاً نعرف أن الكثير من أعضاء الحكومة قالوا إنهم يعارضون حل الدولتَين. كل هذا يثير تساؤلات مشروعة بشأن الوجهة التي يمكن لهذه الحكومة أن تتجه إليها».
وبحسب معلقين إسرائيليين، فإن كلام الخارجية الأميركية يشهد على أن أميركا ليست مقتنعة برسائل التهدئة التي أطلقها نتنياهو وليبرمان. ويرى هؤلاء أن الرسالة الأميركية السلبية تجاه الحكومة الجديدة تتسم بأهمية فائقة في ضوء حقيقة أن الرباعية الدولية ستصدر في الأسبوع المقبل تقريرها بشأن الجمود السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين والوضع في الأراضي المحتلة. ويعتقد أن التقرير سيحوي انتقادات حادة جداً لسياسة إسرائيل، خصوصاً في مجال المستوطنات ومصادرة إمكانيات تطور الفلسطينيين في المنطقة ج.
من جهته، كشف المعلق العسكري لصحيفة «يديعوت» أليكس فيشمان عن أن مصر أبدت تحفظات على تعيين ليبرمان وزيراً للدفاع في مكالمة أجراها نتنياهو مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الجمعة الماضي. وكانت المكالمة قد تمت بمبادرة من نتنياهو بهدف طمأنة المصريين إلى استمرار رغبته في تسيير المبادرة السياسية التي وقف خلفها رئيس الحكومة البريطانية السابق طوني بلير. ونقل المعلق عن مصادر مصرية قولها إن نتنياهو كرر في المكالمة الالتزامات الإسرائيلية التي قطعت للرئيس المصري عشية كلمته العلنية في 17 أيار، والتي دعا فيها إسرائيل والفلسطينيين إلى اللقاء في مؤتمر يبحث في التسوية السلمية، بل وتعهد بأنه فور أداء الوزراء الجدد في حكومته الموسعة اليمين القانونية سيعود ويصرح علناً عن تأييده للخطوة التي يقودها السيسي
ليبرمان يُجدد هجومه على نتنياهو
19 سبتمبر 2023