52 عاماً على منظمة التحرير.. ماذا فعلنا وماذا لم نفعل؟!

almaghribtoday-هاني-حبيب
حجم الخط
أول ما يجب أن يتبادر لقيادتنا الوطنية، في ذكرى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، الوطن الرمزي للشعب الفلسطيني وممثلته الوحيدة، تقييم دور هذه المنظمة خلال 52 عاماً على تأسيسها، بهدف الوقوف على مدى الإنجاز ومستويات الفشل في هذه المسيرة النضالية، من المفترض أن هذه القيادة قد قامت فعلاً بعملية التقييم هذه، من خلال انعقاد مؤتمرات المجالس الوطنية، والمركزي واللجنة التنفيذية، وعموم هياكل منظمة التحرير الفلسطينية، غير أن الواقع يشير إلى أن مثل هذا التقييم لم يحدث بشكل جدي وحقيقي ومسؤول، الدليل على ذلك تكرار العثرات والفشل وما وصلت إليه الحالة الفلسطينية المتأزمة والكارثية، لدليل ولا أوضح على عقم تلك المراجعات والتقييمات، وإذا كان من الصحيح أن تداعيات الأحداث على الصعيد العربي والإقليمي والدولي، خلال ما يزيد على خمسة عقود، لعبت دوراً لا مجال لإنكاره في وصول القضية إلى وضعها المتأزم الحالي، إلاّ أن ذلك لا يعفي قيادتنا الوطنية من المسؤولية الأساسية عن هذا الوضع، لذلك، فإن التحدي الأساسي الذي يواجه قضيتنا الوطنية يتمثل في ضرورة إخضاع التجربة النضالية لثورتنا الفلسطينية خلال المراحل السابقة للدراسة والتقييم والتدقيق والوقوف على أسباب الخلل، من دون تجاوز جملة الإنجازات التي تمت خلال تلك الفترة، على أن لا تستحوذ ـ هذه الأخيرة ـ على نتائج التقييم، لأن في ذلك زيادة الهُوّة بين المواطن الفلسطيني وبين قيادته، كما أن وضع اللوم، كل اللوم على الخارج العربي والإقليمي والدولي، وتحميله مسؤولية مبالغاً بها، بما آلت إليه الأمور، يدفع إلى الشك بجدية هذه المراجعة وهذا التقييم.
وفي اطار هذه المراجعة، يتوجب الإجابة بوضوح ومسؤولية، عن الأسباب وراء اخفاق قيادتنا في إدارة شؤون السلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا يفترض سلفاً، الاعتراف بهذا الفشل، ولا أشير في هذا السياق إلى الانقسام وتوابعه وتداعياته، بل إلى ما قبل ذلك، اذ لم تقم هذه القيادة بوضع الخطط الرامية إلى الاعتماد على الذات الفلسطينية في المجال التنموي والاقتصادي، وظلت السلطة أسيرة مخططات الدول المانحة والخضوع لبروتوكول باريس الاقتصادي الملحق لاتفاق اوسلو، ما ربط الاقتصاد الفلسطيني بالرؤية الإسرائيلية، هذا إلى جانب الاخفاق في تعميم التجربة الديمقراطية بالانتخابات التشريعية والرئاسية، وانتخابات البلديات والجمعيات والاتحاد النقابية، سواء من خلال التمديد لها بشكل آلي أوتوماتيكي نتيجة للنزاعات والتحالفات المرهونة لأسباب شخصية وفئوية في الغالب، ناهيك عن تغييب معيار الشراكة في الحكم تحت دعاوى الأغلبية العددية، وهذه أمثلة على هذا الاخفاق، لا حصر لها، وهو ما أدى إلى الانقسام الذي لا تزال ترزح القضية الوطنية تحت وطأته.
إن أحد أسباب الانقسام السياسي في الشارع الفلسطيني، يعود إلى غياب الديمقراطية في مؤسسات وهياكل منظمة التحرير الفلسطينية، والتفرد في اتخاذ القرارات المصيرية، خاصة في سياق العملية التفاوضية، وهنا لا بد من الإقرار بأن المفاوضات من حيث المبدأ هي أحد أوجه الصراع مع العدو، وسلاح إن استحسن استخدامه بمهارة يؤتي بثمار طيبة، شرط توفير كل عناصره المطلوبة وفي الأهم منها، تحسين ميزان القوى وتوافق وطني يشكل حاملاً ومحيطاً ومدافعاً عن هذه المفاوضات التي لا بد لها من أن تعتمد على كافة وسائل النضال المتاحة بما فيها الكفاح المسلح، الذي يشكل داعماً أساسياً للاخلال بميزان القوى مع العدو، لذلك، فإن إعادة الحياة إلى القيم الديمقراطية في ظل شراكة حقيقية وإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية، يشكل تحدياً لا بدّ من مواجهته، إذا أردنا أن نقوم بعملية مراجعة جدية، خاصة ونحن نواجه المزيد من المبادرات والضغوط!
ويبقى إنهاء الانقسام، أحد المهام والتحديات الأكثر خطورة على قضية الشعب الفلسطيني، وفي هذا السياق، لا بد من مواجهة الحقائق التي أدت إليه من ناحية، والحقائق التي أدت إلى فشل كل المبادرات والوساطات الداعية إلى إنهاء الانقسام والتوصل إلى قواسم مشتركة من شأنها إعادة اللحمة إلى الوضع الفلسطيني المنقسم، ولعلّ أهمّ هذه الحقائق، أن قرابة عقد على هذا الانقسام، أدى إلى ظهور قوى وفئات سياسية ومجتمعية وأمنية، باتت لها مصلحة في استمرار الوضع القائم، وما لا يجب تجنب ملاحظته، أن هناك وقائعَ على الأرض تؤكد أن الانقسام تحول إلى «فصل» بين شطري السلطة الوطنية، في ظل تزايد الأزمات الطاحنة للأفراد والجماعات، والاقتصادية منها على وجه الخصوص، الأمر الذي أدى إلى غياب دور الرأي العام الفلسطيني عن القيام بدوره المناط به بالوقوف في وجه كل المحاولات الرامية إلى جعل هذا الفصل أمراً لا فكاك منه.
وفي هذه العجالة، قد غاب الكثير مما يمكن قوله، ليس أقل أهمية مما ذكر، لكن المراد هنا، ضرورة القيام بعملية مراجعة مسؤولة بكل جدية ومسؤولية!!