يبدو أن ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية بغزة بدأ يشهد حراكاً من جوانب دولية وإسرائيلية عدة، وفي المجمل فإن المحراك الرئيسي لملف الأسرى ورائه "إسرائيل" التي سعت أخيراً عبر وسطاء أوربيين لفتح الموضوع مع حركة حماس للكشف عن مصير الجنود، وإمكانية التوصل لصفقة تنهي بقاء جنودها في غزة.
وكشفت مصادر دبلوماسية النقاب عن طلب الاحتلال الإسرائيلي من وسطاء أوروبيين التواصل مع حركة حماس والحديث إلى قادة الحركة حول الجنود الإسرائيليين الأسرى في قطاع غزة، الذين تمكّنت المقاومة من أسرهم خلال العدوان الأخير على القطاع صيف العام الماضي.
وذكرت المصادر أنّ مسؤولين أمنيين مقربين من رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أجروا اتصالات مع وسطاء ألمان وأوروبيين آخرين، قبل شهر من الآن، للتوسط في عملية تبادل متوقعة، على الرغم من عدم اعتراف "إسرائيل" الرسمية بأسراها في غزة وإعلان أنهم متوفون.
يذكر أنه خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، أعلنت كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة "حماس" في 20 من يوليو الماضي، عن خطفها للجندي الإسرائيلي شاؤول آرون خلال تصديها لتوغل بري للجيش الإسرائيلي شرق مدينة غزة، وبعد يومين، اعترف الجيش الإسرائيلي بفقدان آرون، لكنـه رجح مقتـله في المعارك التي دارت على تخوم غزة.
المشهد الإسرائيلي الداخلي بدأ يشهد حراكاً من أهالي الأسرى الإسرائيليين وذلك للضغط على الحكومة الإسرائيلية لبذل جهودها لإعادة أبنائهم عبر صفقة تجريها مع حركة حماس التي تتمسك بورقة الأسرى الجنود.
ونظمت عائلة الجندي الإسرائيلي "شاؤول آرون" الذي أعلنت حماس أسره خلال العدوان الأخير على غزة اليوم تظاهرة للمطالبة باستعادته من القطاع.
ودعا المشاركون في التظاهرة التي انطلقت قرب بحيرة طبريا في فلسطين المحتلة إلى "ضرورة العمل على تحريره من قبضة القسام وتفعيل قضيته أكثر من ذلك".
ويُعتبر الجندي الإسرائيلي الأسير شاؤول ارون الوحيد الذي أعترفت كتائب القسام عن أسره، لكنها أشارت في محافل كبيرة أن لديها أكثر من جندي وأن "غزة على موعد مع الصندوق الأسود" والذي أشارت مصادر أن "الصندوق الأسود" الذي يتحدث حوله قادة حماس البارزين متعلق بأسر جنود إسرائيليين آخرين، كما ونشر في السابق على مفارق الطرق يافطة حملت صوراً للجنود المأسورين هدار جولدين وشاؤول ارون وعلامة أستفاهم تشير الى إمكانية وجود آخرين.
وضمن الحراك الداخلي الإسرائيلي الذي سيجبر الحكومة الإسرائيلية القادمة على فتح الملف بقوة مع حركة حماس عبر طرق تفاوضية تحريك عائلة شاؤول لقضية ابنها أمام الرأي العام الصهيوني وذلك بعد أكثر من 8 أشهر دون حراك والتي وعدت -عائلته- بالبدء بحملة شعبية للمطالبة "بإعادته من القطاع كما أرسلته الحكومة إلى هناك".
كما ونشرت صحيفة /هآرتس/ العبرية كشفت امس الأربعاء (1|4) النقاب عن أن الجيش الإسرائيلي يحتجز 19جثة تعود لفلسطينيين من قطاع غزة استشهدوا خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة قبل تسعة أشهر، وذلك حسب بيانات وزارة الأمن الإسرائيلية، والغريب أن الذي أصدر المعلومة وزارة الأمن الإسرائيلية والتي على ما يبدو لها مأرب في النشر.
خبير ومختص في شؤون الأسرى يميل إلى ان كشف الدولة العبرية عن دفنها لتسعة عشرة جثة لفلسطينيين قضوا خلال الحرب الأخيرة على غزة مبادرة من تل أبيب لفتح ملف التفاوض حول جنودها المفقودين في غزة.
وأوضح عبد الناصر فروانة المختص في شؤون الأسرى أن إعلان الاحتلال دفنه 19 جثة لفلسطينيين قضوا خلال الحرب الأخيرة على غزة يأتي بعد أيام من طلب تل أبيب رسميًا من تركيا وبعض الأطراف الأوروبية التدخل لدى حركة "حماس" من اجل بدء مفاوضات حول مصير جنودها المفقودين في غزة.
وأشار فروانة أن تشدد حركة "حماس"، حول عدم بدء أي حراك في هذا الملف قبل أن يتم الإفراج عن الأسرى الذين أفرج عنهم في صفقة شاليط قد يعيق التحرك في هذا الملف.
وقال: "يجب على حركة "حماس" أن تتعلم من أخطائها السابقة إن كان هناك ثغرات في صفقة شاليط، وستخلص العبر في كل ما له علاقة بأي صفقة مقبلة، بحيث تكون هناك ضمانات واضحة بان من يتم الإفراج عنه لا يتم اعتقاله لاحقا كما حصل مع عدد كبير ممن أفرج عنه في صفقة شاليط".
وتُصر حركة "حماس" أنها لن تعطي أية معلومات للجانب الإسرائيلي عن أعداد الأسرى أو صحتهم دون مقابل مقنع لها.
ويرفض –بشكلٍ مطلق- المتحدثون الرسميون وقادة حركة حماس الحديث إعلامياً في ملف الجنود الأسرى الإسرائيليين، وطبيعة الحراك الدائر في الملف والوساطة والاتصالات والعروض التي تُقدم للحركة، وذلك لدواعٍ أمنية بحتة.
وتتبع حركة حماس في ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى سياسة "الصمت الإيجابي"، و"التصريح الموزون" بميزان الذهب بل بميزان الأمن والحيطة والحذر، ولا يتحدث في الملف –حتى على سبيل التصريحات والشعارات الاستهلاكية- إلا قلة من أعضاء المكتب السياسي للحركة والذين تحدثوا في الملف في فعاليات لها وزنها وليس على هوامش احتفالات أو ورش عمل أو تصريحات صحفية.
عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" محمود الزهار أكد أن هناك قرار لديهم بعدم الحديث بملف الأسرى الإسرائيليين، لكنه قال إنه عندما تتهيأ الظروف وتصبح الأمور ناضجة ستتحدث الحركة بشأنه.
وأضاف : "مع بداية العدوان أعلنا عن أسر جندي واحد وذكرنا هويته واسمه، ولن نصرح بأكثر من ذلك إلا في الظروف المواتية لذلك".
كما وصرح في هذا الشأن القيادي في حركة حماس في تصريحات له :"أن المقاومة لن تعطي اي معلومات مهما كانت قليلة حول مصير الجندي الاسير لديها شاؤول آرون الا بثمن"
كما وتُصر حركة حماس أن تكون ورقة الأسرى الجنود بعيدة كل البعد عن باقي الاتفاقيات او أية مقايضات ضعيفة لا تلبي طموحها، وكانت حماس رفضت التعاطي في ملف الأسرى الإسرائيليين خلال مفاوضات وقف إطلاق النار مع إسرائيل الغير مباشرة برعاية مصرية.
عضو رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق قال "إن ملف تبادل الأسرى مع الاحتلال الإسرائيلي مغلق بسبب عدم التزام "إسرائيل تعهداتها في صفقة وفاء الأحرار» التي جرت في 18 أكتوبر 2011".
وأضاف أبو مرزوق " أن إسرائيل خالفت اتفاق الصفقة التي رعتها مصر وأعادت اعتقال أعداد كبيرة من الأسرى الذين تم الإفراج عنهم بموجبها، كما أنها أعادت الأحكام السابقة في حق الكثير من هؤلاء الأسرى المحررين، ولم تسمح بعودة أعداد منهم إلى بيوتهم في الضفة الغربية، كما ورد في بنود الصفقة.
ولفت "كيف إذن يمكننا أن نفتح حواراً معهم (الإسرائيليين) في إطلاق سراح أسرى جدد؟». وتابع أن «موقفنا باختصار أنه لا يوجد شيء. فليست هناك معلومات أو حديث عن هذا الملف (تبادل الأسرى) إلا عندما تلتزم إسرائيل أولاً البنود التي وقّعتها في صفقة الأحرار، وتتراجع عن كل الإجراءات المخالفة لبنود الصفقة التي قامت بها في حق الأسرى المحررين».
واشترطت حماس في وقت سابق عدة خطوات لتنفيذ أي صفقة تبادل مع "إسرائيل"، من بينها إطلاق سراح جميع محرري صفقة "وفاء الأحرار" التي أفرجت بموجبها عن الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" برعاية مصرية، والذين أعاد الاحتلال اعتقالهم في الضفة الغربية المحتلة، وعددهم يقارب الستين أسيراً.
ويبدو أن القيادات "الإسرائيلية" هي الأخرى لا تود فتح الموضوع أو إثارته إعلامياً عبر التصريحات لعدم إثارة الرأي العام الإسرائيلي ضدها، حيث لا توجد تصريحات لأيٍ من القيادات العسكرية او السياسية الإسرائيلية حول ملف الاسرى.
محلل أمني قال "إن هذا الحراك يأتي في سياقه الطبيعي خاصة بعد الانتخابات الصهيونية الأخيرة، وأن الضغوطات ستزيد على نتنياهو في الفترات القادمة من قبل المعارضة تارة، ومن قبل عائلات الجنود المأسورين تارة أخرى".
وأضاف أن هذه المسيرات ستدفع نتنياهو إلى عدة خيارات، ستكون على سلم أولوياته كلما زادت الضغوطات عليه، أحد هذه الخيارات استنفاذ الوسائل الأمنية والإستخبارية والعسكرية في المحاولات التي سيجريها للإفراج عن جنوده المأسورين نتيجة حربه الأخيرة على غزة.
الخيار الآخر هو عقد صفقة تبادل مع المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي سيدخله في مواجهة قرار برلماني صهيوني يقضي بعدم عقد أي صفقات تبادل، إضافة إلى مزايدات متواصلة من المعارضة التي تعتبره رجل الصفقات الخاسرة بالنسبة للكيان.
ورجح المحلل أن نتنياهو لن يستمر طويلا في خياراته الأمنية أو العسكرية، خاصة بعد التجربة المريرة التي عاشتها أجهزة مخابراته مع قضية الجندي جلعاد شاليط الذي تمكنت المقاومة من الإحتفاظ به لأكثر من 5 سنوات دون أن يتمكنوا من معرفة مكانه.
الحراك للضغط على نتنياهو سيتزايد بشكل كبير في الفترة القادمة بخصوص العديد من القضايا، وقضية تحرير الجنود جزء مهم منها، وهذا قد يفتح المجال للأطراف الوسيطة في قضايا الجنود المأسورين للتحرك بوساطة تفضي إلى إتمام صفقة تبادل مع المقاومة الآسرة لشاؤول أو غيره.
بدوره، الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف كتب على صفحته في فيس بوك فور الحديث عن طلب اسرائيل من وساطات أوروبية لإطلاق جنودها في غزة :"يبدو ان البشريات في موضوع الأسرى ستسبق يوم الأسير الفلسطيني بإمكانية الحديث عن صفقة تبادل جديدة خاصة وان الأمر استقر لنتنياهو الذي بدأ بتحريك المياه الراكدة ودفع بوسطاء ألمان حسب بعض المصادر الإعلامية وهذا من وجهة نظري هو من حرك المخابرات المصرية واللواء رأفت شحادة بالتواصل مع حركة حماس على أمل أن يقود هو عملية التبادل الجديدة".
وتقدم الصواف بالنصح لحركة حماس وكتائب القسام فيما لو كان هناك حراك في هذا الملف أن يعملوا على عدم تقديم اي معلومة مجانية وأي معلومة سيدفع العدو ثمنها لابد أن يسبقها الإفراج عن المحررين في صفقة وفاء الأحرار وان لا ينسوا أن المطلب الأول يجب ان يكون الإفراج عن الأسيرات.
وأضاف :"نتعلم من صفقة وفاء الأحرار بمعنى أن لا نبقى في تفاوض مفتوح مع الاحتلال يستمر لأربعة او خمسة سنوات فهذه المرحلة تم تجاوزها في ظل الثبات الذي ابداه فريق التفاوض في صفقة شاليط" .
وتابع :"تجربة التفاوض الأولى والتي شكلت مدرسة جديدة في التفاوض مع العدو كانت أكثر من رائعة رغم ما شابها من بعض الثغرات التي يمكن تلاشيها في هذه الصفقة والعمل وفق قاعدة وفقه الموازنات والاولويات وفقه المصالح مع امكانية التفاوض على الاليات والتفاصيل مع الثبات على الاستراتيجية والاهداف التي رسمت".
وزاد :"أنا على ثقة أن الكتائب وحماس لديهم فريق رائع من المفاوضين الذي يعملون بحرفية ومهنية عالية ومرونة توصلهم في نهاية الامر الى تحقيق هدف رسم مسبقا وكما حدث في صفقة وفاء الاحرار نتمنى أن يحصل في الصفقة القادمة وبشكل افضل بما يحقق الأمل بالافراج عن احرار الوطن الذين قدموا زهرة سبابهم وهم داخل".
وتعرض قطاع غزة في السابع من تموز (يوليو) الماضي لعملية عسكرية إسرائيلية كبيرة استمرت لمدة 51 يوما، وذلك بشن آلاف الغارات الجوية والبرية والبحرية عليه، حيث استشهد جراء ذلك 2311 فلسطينيًا وأصيب الآلاف، وتم تدمير آلاف المنازل، والمنشآت الصناعية، وارتكاب مجازر مروعة.
وأبرمت في السادس والعشرين من آب (أغسطس) الماضي اتفاق تهدئة مع المقاومة الفلسطينية والإحتلال برعاية مصرية يقضي برفع الحصار عن قطاع غزة وبدء الاعمار وإدخال مواد البناء مقابل وقف المقاومة لإطلاق الصواريخ، ووقف الاحتلال لعملياته العسكرية والاغتيالات.
وكان من المقرر أن يتم بعد شهر من توقيع اتفاق التهدئة الجلوس من اجل مناقشة إنشاء الميناء والمطار وقضية الجنود المفقودين لدى الاحتلال إلا أن ذلك لم يتم.