هل أدركت إسرائيل أن مكانة حكومتها لم تعد تحظى بالاحترام على المستوى الدولي؟ هل اكتشفت أن العالم اكتشف أن الزمن الذي كان باستطاعتها خداعه قد انتهى؟ هل عرفت أن زمن قادتها الذين كان يتعاطى معهم العالم بقدر من الخوف والخجل قد تغير؟ وهل اكتشفت أن العالم اكتشف أن حكومتها هي عبارة عن مجموعة من هواة السياسة المتطرفين والذين لم يعد يرغب أحد باستقبالهم أو تصديقهم أو التعاطي معهم وبدلاً من ذلك ينظر بعين الريبة لتجمع المتطرفين هذا؟.
حتى بنيامين نتنياهو الذي كان ذات يوم وجه إسرائيل في الأمم المتحدة ووزير خارجيتها، لم يعد ضيف أي من المحافل الدولية أو الدول الأوروبية، من كان يتوقع أن يذهب لمسيرة تضامن «شارلي ايبدو» فتتركه حافلات الزعماء على الرصيف دون اكتراث؟ من يذكر متى كان وزير خارجيتها خارج إسرائيل؟ أو من زار إسرائيل في الأشهر وحتى السنوات الأخيرة بدرجة وزير أو رئيس وزراء لأية دولة؟ باستثناء الفرنسيين لم نعد نرى طائرات دبلوماسية تهبط في مطار اللد كما السابق.
في تسعينيات القرن الماضي سألت الرئيس ياسر عرفات في مكتبه الصغير على شاطئ غزة: لماذا قبلت بأوسلو؟ أسند الرجل ظهره للمقعد بحركة مقصودة فهمتها بعد الإجابة عندما قال: كان لي حليف في موسكو، كان يؤمن لي قرارا وأنا في مكتبي في تونس، لقد انهار هذا الحليف، فهمت حينها أنه أسند ظهره ليقول: لم يبق لي ظهر سوى ظهر هذا الكرسي، كانت إسرائيل بالنسبة لواشنطن أكثر من حليف وظلت تؤمن لها القرار لكن الدولة العبرية الآن تخشى أكثر شيء ان هذا الحليف يتركها وحدها بعد أن بقيت وحيدة وستزداد هذه الوحدة، فقد كانت تساؤلات الولايات المتحدة عن الحكومة بعد ضم ليبرمان تساؤلات جدية تعبر عن غضب أميركي وقلق إسرائيلي.
لدى إسرائيل خشية حقيقية من الرئيس أوباما مما تبقى في فترة ولايته والفترة الأكثر قلقاً ما بعد الانتخابات الأميركية حين لم يعد للحزب الديمقراطي ما يخشاه وينتقم الرئيس أوباما لكرامته في مجلس الأمن إذا ما سمح له باتخاذ قرار بدون «الفيتو» الأميركي بعد كل هذه الركلات التي وجهها نتنياهو وحكومته للرئيس ووزير خارجيته جون كيري.
في العقود الماضية كان هناك زعماء كبار يقودون إسرائيل تمكنوا ببراعة من تأجيل انكشافها، كانت مناوراتهم أكثر ذكاء في مواجهة الفلسطينيين مثل اسحق رابين وشمعون بيريس وايهود باراك وأرئيل شارون وايهود أولمرت مسلحين بوزراء من العيار الثقيل وليس كالحكومة الحالية التي تبدو كمجموعة من الهواة حديثي التجربة مثل نفتالي بينيت وايليت شاكيد وميري ريغيف بينما أصحاب التجربة هم أكثر بؤسا مثل أوري أرئيل وأفيغدور ليبرمان.
تعاطت إسرائيل باستخفاف مع المبادرة الفرنسية كعادتها في التعاطي مع ما سبقها لكنها لم تعرف أنها باتت أكثر عزلة وأكثر كراهية وأن مياه كثيرة جرت في نهر السياسة الدولية، وافترضت أن المسألة ستنتهي عند الرفض الإسرائيلي لكنها اكتشفت أن الأمر هذه المرة مختلف وأن العالم أصيب بالضجر من ألاعيبها وقد تداعى بدوله الكبرى والمؤثرة لبحث المسألة في غيابها وأن رفضها لم يعد له وزن في الساحة الدولية.
يتنامى الإحساس في تل أبيب بأن العالم لم يعد يضبط ساعته على عقارب السياسة الإسرائيلية وأن المسألة مختلفة وأن العالم هذه المرة تعاطى معها باستخفاف، بدأ نتنياهو وليبرمان يوزعان تصريحات كرجلي سلام أو كأنهما ولدا من جديد في محاولة لتعطيل المسار المتنامي، مرة بالتعلق بمؤتمر إقليمي واستدعاء المبادرة العربية التي غطاها الغبار فجأة اكتشفتها إسرائيل والأسوأ أنه كان هناك صوت عربي ينزلق في المتاهة الإسرائيلية معلناً أن موقف إسرائيل أصبح أكثر مقبولاً.
لكن تلك الحيل لم تمر، أدركت إسرائيل أن هناك معركة سياسية قادمة تحتاج إلى مناورات لكنها اكتشفت أنها بلا ذخيرة هذه المرة، فلا الزعماء الكبار بقوا ولا العالم قابل للخديعة أكثر ولا غربال حكومة اليمين قادرة على تغطية عورة الاحتلال والاستيطان الذي كان له الفضل بإحداث هزة في السياسة الدولية بمبالغة إسرائيل بسرقة الأراضي إلى هذا الحد، أحدث إفاقة باتت واضحة في الأشهر الأخيرة عندما حذر الجميع من نهاية حل الدولتين لكن إسرائيل ظلت تتعامى.
صحيح أن البيان الختامي لاجتماع باريس كان أقل من توقعات الفلسطينيين، وصحيح أن إسرائيل عبرت عن رضا ما لهذا البيان وذلك لأن الفلسطينيين توقعوا موقفاً أكثر حاسماً وخصوصاً بوجود الدول العربية، وإسرائيل كذلك كان لديها خشية من لغة حاسمة أيضاً لكن ما جاء في البيان يشكل إشارة مهمة حيث التأكيد على أن الوضع القائم لا يمكن أن يستمر، هذا يصطدم مع حكومة اليمين التي لا هدف لها سوى استمرار الوضع القائم.
الرضا الإسرائيلي هو نتاج قلق كانت تتحسب له الدوائر الإسرائيلية ولا يعبر بالقطع عن انتصار لأن إسرائيل أرادت وقف المبادرة الفرنسية أصلاً، وها هي المبادرة تتدحرج على الطريق الدولي السريع وأن هذا الاجتماع هو مقدمة لمؤتمر دولي سيعقد هذا العام وهو ما كانت تخشاه إسرائيل من تدويل للملف وهو أيضاً ما كان يريده الرئيس الفلسطيني بعد يأسه من المفاوضات المباشرة مع إسرائيل وها هو الملف يتم تدويله بلا اهتمام للموقف الإسرائيلي، والأهم أن إسرائيل باتت تدرك أن هذا الاجتماع الدولي بهذه الكثافة لا يمكن أن يتم إلا بضوء أخضر من واشنطن.
لا يتوقع الفلسطينيون أن المسألة بتلك السهولة أو تلك السرعة فالمشوار مع إسرائيل طويل جدا، هذه واحدة من معارك العلاقات العامة وحشر إسرائيل في ظل انعدام الخيارات لكن هذا الجهد الدولي يتطلب أولاً سحب المبادرات العربية التي يتعلق بها نتنياهو ووقف الحديث عن مؤتمر إقليمي يبشر به موشيه كحلون لأنه ليس هناك قوة في الإقليم قادرة على إلزام حكومة اليمين أو معاقبتها، وأن المؤتمر الإقليمي يشكل مخرجاً لنتنياهو بل ويعطيه أكثر مما يحلم، علاقات علنية مع دول عربية مقابل مفاوضات.
حتى بنيامين نتنياهو الذي كان ذات يوم وجه إسرائيل في الأمم المتحدة ووزير خارجيتها، لم يعد ضيف أي من المحافل الدولية أو الدول الأوروبية، من كان يتوقع أن يذهب لمسيرة تضامن «شارلي ايبدو» فتتركه حافلات الزعماء على الرصيف دون اكتراث؟ من يذكر متى كان وزير خارجيتها خارج إسرائيل؟ أو من زار إسرائيل في الأشهر وحتى السنوات الأخيرة بدرجة وزير أو رئيس وزراء لأية دولة؟ باستثناء الفرنسيين لم نعد نرى طائرات دبلوماسية تهبط في مطار اللد كما السابق.
في تسعينيات القرن الماضي سألت الرئيس ياسر عرفات في مكتبه الصغير على شاطئ غزة: لماذا قبلت بأوسلو؟ أسند الرجل ظهره للمقعد بحركة مقصودة فهمتها بعد الإجابة عندما قال: كان لي حليف في موسكو، كان يؤمن لي قرارا وأنا في مكتبي في تونس، لقد انهار هذا الحليف، فهمت حينها أنه أسند ظهره ليقول: لم يبق لي ظهر سوى ظهر هذا الكرسي، كانت إسرائيل بالنسبة لواشنطن أكثر من حليف وظلت تؤمن لها القرار لكن الدولة العبرية الآن تخشى أكثر شيء ان هذا الحليف يتركها وحدها بعد أن بقيت وحيدة وستزداد هذه الوحدة، فقد كانت تساؤلات الولايات المتحدة عن الحكومة بعد ضم ليبرمان تساؤلات جدية تعبر عن غضب أميركي وقلق إسرائيلي.
لدى إسرائيل خشية حقيقية من الرئيس أوباما مما تبقى في فترة ولايته والفترة الأكثر قلقاً ما بعد الانتخابات الأميركية حين لم يعد للحزب الديمقراطي ما يخشاه وينتقم الرئيس أوباما لكرامته في مجلس الأمن إذا ما سمح له باتخاذ قرار بدون «الفيتو» الأميركي بعد كل هذه الركلات التي وجهها نتنياهو وحكومته للرئيس ووزير خارجيته جون كيري.
في العقود الماضية كان هناك زعماء كبار يقودون إسرائيل تمكنوا ببراعة من تأجيل انكشافها، كانت مناوراتهم أكثر ذكاء في مواجهة الفلسطينيين مثل اسحق رابين وشمعون بيريس وايهود باراك وأرئيل شارون وايهود أولمرت مسلحين بوزراء من العيار الثقيل وليس كالحكومة الحالية التي تبدو كمجموعة من الهواة حديثي التجربة مثل نفتالي بينيت وايليت شاكيد وميري ريغيف بينما أصحاب التجربة هم أكثر بؤسا مثل أوري أرئيل وأفيغدور ليبرمان.
تعاطت إسرائيل باستخفاف مع المبادرة الفرنسية كعادتها في التعاطي مع ما سبقها لكنها لم تعرف أنها باتت أكثر عزلة وأكثر كراهية وأن مياه كثيرة جرت في نهر السياسة الدولية، وافترضت أن المسألة ستنتهي عند الرفض الإسرائيلي لكنها اكتشفت أن الأمر هذه المرة مختلف وأن العالم أصيب بالضجر من ألاعيبها وقد تداعى بدوله الكبرى والمؤثرة لبحث المسألة في غيابها وأن رفضها لم يعد له وزن في الساحة الدولية.
يتنامى الإحساس في تل أبيب بأن العالم لم يعد يضبط ساعته على عقارب السياسة الإسرائيلية وأن المسألة مختلفة وأن العالم هذه المرة تعاطى معها باستخفاف، بدأ نتنياهو وليبرمان يوزعان تصريحات كرجلي سلام أو كأنهما ولدا من جديد في محاولة لتعطيل المسار المتنامي، مرة بالتعلق بمؤتمر إقليمي واستدعاء المبادرة العربية التي غطاها الغبار فجأة اكتشفتها إسرائيل والأسوأ أنه كان هناك صوت عربي ينزلق في المتاهة الإسرائيلية معلناً أن موقف إسرائيل أصبح أكثر مقبولاً.
لكن تلك الحيل لم تمر، أدركت إسرائيل أن هناك معركة سياسية قادمة تحتاج إلى مناورات لكنها اكتشفت أنها بلا ذخيرة هذه المرة، فلا الزعماء الكبار بقوا ولا العالم قابل للخديعة أكثر ولا غربال حكومة اليمين قادرة على تغطية عورة الاحتلال والاستيطان الذي كان له الفضل بإحداث هزة في السياسة الدولية بمبالغة إسرائيل بسرقة الأراضي إلى هذا الحد، أحدث إفاقة باتت واضحة في الأشهر الأخيرة عندما حذر الجميع من نهاية حل الدولتين لكن إسرائيل ظلت تتعامى.
صحيح أن البيان الختامي لاجتماع باريس كان أقل من توقعات الفلسطينيين، وصحيح أن إسرائيل عبرت عن رضا ما لهذا البيان وذلك لأن الفلسطينيين توقعوا موقفاً أكثر حاسماً وخصوصاً بوجود الدول العربية، وإسرائيل كذلك كان لديها خشية من لغة حاسمة أيضاً لكن ما جاء في البيان يشكل إشارة مهمة حيث التأكيد على أن الوضع القائم لا يمكن أن يستمر، هذا يصطدم مع حكومة اليمين التي لا هدف لها سوى استمرار الوضع القائم.
الرضا الإسرائيلي هو نتاج قلق كانت تتحسب له الدوائر الإسرائيلية ولا يعبر بالقطع عن انتصار لأن إسرائيل أرادت وقف المبادرة الفرنسية أصلاً، وها هي المبادرة تتدحرج على الطريق الدولي السريع وأن هذا الاجتماع هو مقدمة لمؤتمر دولي سيعقد هذا العام وهو ما كانت تخشاه إسرائيل من تدويل للملف وهو أيضاً ما كان يريده الرئيس الفلسطيني بعد يأسه من المفاوضات المباشرة مع إسرائيل وها هو الملف يتم تدويله بلا اهتمام للموقف الإسرائيلي، والأهم أن إسرائيل باتت تدرك أن هذا الاجتماع الدولي بهذه الكثافة لا يمكن أن يتم إلا بضوء أخضر من واشنطن.
لا يتوقع الفلسطينيون أن المسألة بتلك السهولة أو تلك السرعة فالمشوار مع إسرائيل طويل جدا، هذه واحدة من معارك العلاقات العامة وحشر إسرائيل في ظل انعدام الخيارات لكن هذا الجهد الدولي يتطلب أولاً سحب المبادرات العربية التي يتعلق بها نتنياهو ووقف الحديث عن مؤتمر إقليمي يبشر به موشيه كحلون لأنه ليس هناك قوة في الإقليم قادرة على إلزام حكومة اليمين أو معاقبتها، وأن المؤتمر الإقليمي يشكل مخرجاً لنتنياهو بل ويعطيه أكثر مما يحلم، علاقات علنية مع دول عربية مقابل مفاوضات.