حكومة الملفات في الأردن

50285_3_1356089106
حجم الخط
على الرغم من وجود وزراء من مناطق وعائلات لها حضور في الريف والبادية وأبناء عشائر معتبرة، ومن محافظات متعددة، فهي عوامل إسناد تقليدية توفر لحكومة هاني الملقي الغطاء المطلوب والقوة التعويضية عن غياب ثقة مجلس النواب المفقودة، ومع ذلك فالصفة الأكثر واقعية التي تنطبق على الحكومة الأردنية الجديدة أنها حكومة بيروقراطية بامتياز، وغالبية وزرائه ا يغلب عليهم طابع التكنوقراط المهني والخبرات الإدارية، سيواجهون تحديات سبق وأن تعاملوا معها، وكانت ضمن مهامهم ووظائفهم واختصاصاتهم السابقة، ولا شك في أنهم سيواصلون التصدي لآثارها وتبعاتها مع رئيسهم المتحفز.
حكومة الملقي سيسجل لها أنها ليست جهوية على الرغم من وجود وزراء ينتمون لعائلات لها جذور وامتدادات عشائرية، بل حكومة تتوسل الاستجابة للقيم الملكية الأقرب إلى العصرنة والمواطنة والمهنية والتنوع، من أصول فلسطينية، ومسيحيين، ونساء وشركس، دون الإخلال بالقيم التقليدية للحكومات المتعاقبة التي حافظت عليها بالامتداد الجهوي لأبناء المحافظات والريف والبادية، وأضافت لها بشكل فاقع التعددية وأصحاب الاختصاص، وخازني الخبرات من تجاربهم العملية لدى مؤسسات ووزارات الدولة، وبذلك وفرت رهانات لقطاع من الأردنيين يتطلعون للأيام المقبلة لعلها تكون أقل قسوة وغلاء، وأقل مشاكل وجرائم وآثاراً نفسية ومادية أضعف.
سلامة حماد العائد بقوة المهمة التي سبق وأنجزها في الفترة الواقعة ما بين أيار 2015 ونيسان 2016، بمطاردة 160 مطلوباً مصنفاً «خطر وخطر جداً» ورحل بعد ألقى القبض على 128 منهم وقتل ثلاثة وبقي 29 مطلوباً مطارداً ممن ارتكبوا جرائم جنائية وتهريب والاعتداء على مواطنين وعلى ممتلكات ومؤسسات مختلفة، أعاد الاعتبار للأمن الداخلي وللقانون، وسيواصل مهمته التي لا تقل أهمية عن فريق معالجة الاختلالات الافتصادية إن لم تكن أهم منها أو رافعة للاستثمار الافتصادي وداعماً له في الحفاظ على الأمن ومتطلبات الاستقرار والطمأنينة، ولذلك يمكن اعتبار الأمن الداخلي غير السياسي، هو المهمة الرابعة لحكومة الملقي، بعد الإقرار بالمهام الثلاثة: 1- استكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي للتوصل إلى اتفاق. 2- تشكيل مجلس الاستثمار الأردني السعودي المشترك. 3- إجراء الانتخابات النيابية. 4- معالجة الاختلالات الأمنية الداخلية ذات الطابع الجنائي غير السياسي، وهي مهمة مناطة بأجهزة الأمن والشرطة والدرك، بخلاف 1- معالجة محاولات التسلل من خارج الحدود المناطة بالجيش والقوات المسلحة وحرس الحدود. 2- الخلايا النائمة والتطرف السياسي من امتدادات داعش والقاعدة وأمثالهما وهي مناطة بجهاز المخابرات، ولهذا لم يكن صدفة ولا مناكفة للرئيس المنتهي ولايته، بقدر ما هو قرار سياسي أمني يرى بعودة الوزير سلامة حماد كونه القادر على معالجة الاختلالات الداخلية ذات الطابع الجنائي بحزم وعقلانية وتجربة متراكمة أهلته للتعاطي مع هذا الملف باقتدار، كما هو جواد العناني نائب الرئيس للشؤون الافتصادية، ومحمد الذنيبات لملف التعليم، وناصر جودة لملف السياسة الخارجية. حكومة كفاءات وخبرات، محمية من المناكفات البرلمانية، نجاحها مكسب لنا، وإخفاقها أيضاً خسارة لنا.
يتطلع قطاع من الأردنيين لما هو أرقى من حقوقهم الأساسية: الأمن والاستقرار وتحسين الخدمات التعليمية والصحية والسكنية وضمانات اجتماعية لائقة، يتطلعون لانتخابات نزيهة، وحكومات برلمانية جدية وحقيقية تعتمد على نتائج صناديق الاقتراع مثل البلدان المتقدمة والشعوب المتحضرة وأحزاب لها مصداقية وتأثير في الشارع، ولكنها آمال عريضة قد لا تكون قريبة المنال في المدى المنظور، حيث لا تتوفر الأرضية الدستورية والقانونية الملزمة، وتغيب الإرادة السياسية عن كل هذا، ولأن قوى الشد العكسي ما زالت هي المهيمنة، ما سيدفع القطاع الأوسع من الأردنيين لتناول الأولوية نحو الأمن وتحسين الخدمات وتوسيع قاعدة الشراكة في مؤسسات صنع القرار أكثر من آمالهم البعيدة، وهو ما يتوسلونه من الحكومة الحالية وما بعدها لعل المستقبل الحزبي والبرلماني والجماهيري يتحسن تأثيره وأفعاله، فتكون تطلعاتنا نحوها ورهاناتنا عليها أكثر واقعية من الرهان عليها الآن، وهي ما أبعد ما تكون عن الواقع الملموس.