لم يثمر الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في الاحتفال الرسمي في ذكرى "يوم القدس"، الأحد الماضي، عن عناوين خاصة، فالجزء الأكبر منه مزيج من الرسائل المعتادة لنتنياهو ومزيج من شعارات بالية بأن القدس لن تكون بعد اليوم مدينة جريحة ومقسمة. إنه خطاب أثار تساؤلات تتعلق بمدى معرفة نتنياهو بالواقع اليومي في عاصمة إسرائيل.
إن المقطع الأكثر أهمية في الخطاب هو المخصص تحديداً للعلاقات مع روسيا. قال نتنياهو: "عشية حرب الأيام الستة، الجيوش التي من حولنا سلحها ودربها ودعمها الاتحاد السوفياتي. انظروا إلى الفارق الكبير الذي حدث مع مرور الزمن. روسيا هي قوة عظمى دولية، والعلاقات بيننا وبينها تتوثق أكثر فأكثر. إنني أعمل على توثيق هذه العلاقة التي تخدمنا وتخدم أمننا الوطني في هذه الأيام، وأيضاً حالت دون اشتباكات لا لزوم لها وخطرة على حدودنا الشمالية".
لقد وصف نتنياهو، الذي يصل إلى موسكو في زيارة رسمية للاحتفال بمرور 25 عاماً على إقامة العلاقات بصورة جيدة بين الدولتين، بأنه قصة حب. وليس من قبيل المبالغة القول إن العلاقات بين إسرائيل وروسيا لم تكن قط جيدة كما هي اليوم. هذا واقع، فأحجام التجارة والسياحة والتعاون الأمني والسياسي في ذروتها.
اللقاء بين نتنياهو والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هو الرابع خلال عام. وعلى سبيل المقارنة، في هذه الفترة التقى نتنياهو الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مرة واحدة فقط. لكن هذا المعطى يعكس جيداً روح الفترة. فالعلاقات مع روسيا تتجه نحو الأحسن منذ 2009، وجزء من الفضل يعود إلى وزير الخارجية آنذاك وزير الدفاع اليوم أفيغدور ليبرمان. لكن خلال السنة الماضية، وعلى خلفية التدخل الروسي الفعال في الحرب الأهلية في سورية وإرسال قوات عسكرية روسية إلى هذه الدولة، تحوّل توثيق العلاقة بين الدولتين إلى ضرورة للطرفين يفرضها الواقع. وقال موظف إسرائيلي رفيع يهتم بالعلاقات بين الدولتين: "تحولنا نحن والروس إلى جيران بكل معنى الكلمة".
إذا كانت هناك قضية سياسية- أمنية يستحق نتنياهو الثناء على سلوكه واتخاذ قراراته في ما يتعلق بشأنها، فإنها السياسة المدروسة والمتوازنة التي انتهجها حيال الأزمة في سورية. كما أن سلوكه حيال روسيا في الأشهر الأخيرة منذ إرسال قواتها إلى سورية خدم جيداً مصالح إسرائيل الأمنية، وهذا السلوك هو المسؤول عن الهدوء النسبي الذي يسود الجبهة الشمالية. لكن على الرغم من ذلك، فمقابل نصف الكأس المملوءة هناك نصف الكأس الفارغة. فعلى خلفية التحسن الكبير في العلاقات تبرز حقيقة أن روسيا تعمل أيضاً على الساحتين السياسية والأمنية ضد إسرائيل. يُكثر بوتين جداً من مديح نتنياهو، ويفرش له السجاد الأحمر، ويعيد إليه دبابة إسرائيلية من متحف موسكو، أو الشمعدانات العائدة إلى بولا بن غوريون، لكنه في قضايا أساسية يتخذ خطوات تؤذي بصورة خطيرة مصالح إسرائيلية حيوية. على سبيل المثال، زوّد الروس إيران ببطاريات صواريخ متطورة من طرازS-300 ، وينوون أن يبيعوا الجمهورية الإسلامية سلاحاً كثيراً، ويقاتلون في سورية إلى جانب "حزب الله"، وهم في أحسن الأحوال لا يتابعون انتقال السلاح من الجيش السوري إلى التنظيم الإرهابي الشيعي، وفي أسوئها يغضون النظر. وخلال الأشهر التسعة الأخيرة فقط صوّت الروس ضد إسرائيل في سلسلة عمليات تصويت مهمة في الأمم المتحدة. في أيلول 2015 صوتوا إلى جانب الاقتراح المصري في الوكالة الدولية للطاقة النووية الذي دعا إلى فرض رقابة على منشآت إسرائيل النووية؛ وفي آذار من هذه السنة صوتوا ضد إسرائيل في مجلس الدفاع عن حقوق الإنسان ودعموا اقتراح القرار الفلسطيني الداعي إلى وضع قائمة سوداء بأسماء شركات تتاجر مع المستوطنات؛ وفي نيسان كانت روسيا إحدى الدول التي دعمت اقتراح القرار الفلسطيني في منظمة التعليم والثقافة في الأمم المتحدة (الأونيسكو)، الذي حذف ذكر وجود أي علاقة بين الشعب اليهودي و"جبل الهيكل".
وعلى الرغم من هذا كله، لا تجرؤ إسرائيل على التلفظ ولو بكلمة نقد علنية واحدة ضد الروس. ونتنياهو الذي يستمتع بتوجيه الركلات إلى الفرنسيين بسبب دعمهم للقرار بشأن "جبل الهيكل" في اليونسكو، أو بالوقوف علناً ضد الإدارة الأميركية في الموضوع الإيراني، يبدو وكأنه ابتلع لسانه عندما يكون المقصود روسيا. إنه لا يجرؤ على إلقاء خطاب انتقادي في الدوما، أو الطلب من زعماء الجالية اليهودية في موسكو نشر إعلانات ضد الكرملين في الصحف.
صحيح أن روسيا ليست الولايات المتحدة أو فرنسا. أولاً لأنها غير ديمقراطية؛ وثانياً بسبب المصالح الإسرائيلية المتعلقة بها. لكن الحلف بين الولايات المتحدة وإسرائيل والحلف بين فرنسا وإسرائيل عميق ومتجذر وحافل بالمصالح. فالولايات المتحدة هي التي تمنح إسرائيل كل سنة مساعدة عسكرية مقدارها ثلاثة مليارات دولار، وتقدم لها دعماً سياسياً في الأمم المتحدة. وفرنسا هي التي بفضلها أصبح لدى إسرائيل مفاعل ديمونا وهي التي عملت من أجل جعل الاتفاق مع إيران أكثر تشدداً. وعلى الرغم من ذلك، ليس لدى نتنياهو مشكلة في الدخول في مواجهات مغطاة إعلامياً مع قصر الإليزيه أو البيت الأبيض بسبب أي انتقاد يوجهانه إلى المستوطنات. هو بطل على أوباما في واشنطن، لكنه لا يظهر النزر القليل من هذه الشجاعة في مواجهة بوتين.
يدّعي موظفون إسرائيليون كبار أنهم يطرحون جميع المسائل في محادثات دبلوماسية هادئة، وأن نتنياهو يجري في غرف مغلقة حواراً نقدياً مع بوتين. من المحتمل أن يكون هذا صحيحاً، لكن كما قال نتنياهو نفسه، أحياناً من المهم قول الحقيقة علناً. وفي كل ما يتعلق بروسيا، فإن هذه الحقيقة لم نسمعها قط من فم رئيس الحكومة. ومن الصعب ألا نستغرب كيف أن نتنياهو، كما هو في السياسة فإنه أيضاً على المستوى الدبلوماسي، يستخف بحلفائه والمحسنين إليه، ويحترم ويسترضي الذين يشكلون تهديداً عليه.
إن المقطع الأكثر أهمية في الخطاب هو المخصص تحديداً للعلاقات مع روسيا. قال نتنياهو: "عشية حرب الأيام الستة، الجيوش التي من حولنا سلحها ودربها ودعمها الاتحاد السوفياتي. انظروا إلى الفارق الكبير الذي حدث مع مرور الزمن. روسيا هي قوة عظمى دولية، والعلاقات بيننا وبينها تتوثق أكثر فأكثر. إنني أعمل على توثيق هذه العلاقة التي تخدمنا وتخدم أمننا الوطني في هذه الأيام، وأيضاً حالت دون اشتباكات لا لزوم لها وخطرة على حدودنا الشمالية".
لقد وصف نتنياهو، الذي يصل إلى موسكو في زيارة رسمية للاحتفال بمرور 25 عاماً على إقامة العلاقات بصورة جيدة بين الدولتين، بأنه قصة حب. وليس من قبيل المبالغة القول إن العلاقات بين إسرائيل وروسيا لم تكن قط جيدة كما هي اليوم. هذا واقع، فأحجام التجارة والسياحة والتعاون الأمني والسياسي في ذروتها.
اللقاء بين نتنياهو والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هو الرابع خلال عام. وعلى سبيل المقارنة، في هذه الفترة التقى نتنياهو الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مرة واحدة فقط. لكن هذا المعطى يعكس جيداً روح الفترة. فالعلاقات مع روسيا تتجه نحو الأحسن منذ 2009، وجزء من الفضل يعود إلى وزير الخارجية آنذاك وزير الدفاع اليوم أفيغدور ليبرمان. لكن خلال السنة الماضية، وعلى خلفية التدخل الروسي الفعال في الحرب الأهلية في سورية وإرسال قوات عسكرية روسية إلى هذه الدولة، تحوّل توثيق العلاقة بين الدولتين إلى ضرورة للطرفين يفرضها الواقع. وقال موظف إسرائيلي رفيع يهتم بالعلاقات بين الدولتين: "تحولنا نحن والروس إلى جيران بكل معنى الكلمة".
إذا كانت هناك قضية سياسية- أمنية يستحق نتنياهو الثناء على سلوكه واتخاذ قراراته في ما يتعلق بشأنها، فإنها السياسة المدروسة والمتوازنة التي انتهجها حيال الأزمة في سورية. كما أن سلوكه حيال روسيا في الأشهر الأخيرة منذ إرسال قواتها إلى سورية خدم جيداً مصالح إسرائيل الأمنية، وهذا السلوك هو المسؤول عن الهدوء النسبي الذي يسود الجبهة الشمالية. لكن على الرغم من ذلك، فمقابل نصف الكأس المملوءة هناك نصف الكأس الفارغة. فعلى خلفية التحسن الكبير في العلاقات تبرز حقيقة أن روسيا تعمل أيضاً على الساحتين السياسية والأمنية ضد إسرائيل. يُكثر بوتين جداً من مديح نتنياهو، ويفرش له السجاد الأحمر، ويعيد إليه دبابة إسرائيلية من متحف موسكو، أو الشمعدانات العائدة إلى بولا بن غوريون، لكنه في قضايا أساسية يتخذ خطوات تؤذي بصورة خطيرة مصالح إسرائيلية حيوية. على سبيل المثال، زوّد الروس إيران ببطاريات صواريخ متطورة من طرازS-300 ، وينوون أن يبيعوا الجمهورية الإسلامية سلاحاً كثيراً، ويقاتلون في سورية إلى جانب "حزب الله"، وهم في أحسن الأحوال لا يتابعون انتقال السلاح من الجيش السوري إلى التنظيم الإرهابي الشيعي، وفي أسوئها يغضون النظر. وخلال الأشهر التسعة الأخيرة فقط صوّت الروس ضد إسرائيل في سلسلة عمليات تصويت مهمة في الأمم المتحدة. في أيلول 2015 صوتوا إلى جانب الاقتراح المصري في الوكالة الدولية للطاقة النووية الذي دعا إلى فرض رقابة على منشآت إسرائيل النووية؛ وفي آذار من هذه السنة صوتوا ضد إسرائيل في مجلس الدفاع عن حقوق الإنسان ودعموا اقتراح القرار الفلسطيني الداعي إلى وضع قائمة سوداء بأسماء شركات تتاجر مع المستوطنات؛ وفي نيسان كانت روسيا إحدى الدول التي دعمت اقتراح القرار الفلسطيني في منظمة التعليم والثقافة في الأمم المتحدة (الأونيسكو)، الذي حذف ذكر وجود أي علاقة بين الشعب اليهودي و"جبل الهيكل".
وعلى الرغم من هذا كله، لا تجرؤ إسرائيل على التلفظ ولو بكلمة نقد علنية واحدة ضد الروس. ونتنياهو الذي يستمتع بتوجيه الركلات إلى الفرنسيين بسبب دعمهم للقرار بشأن "جبل الهيكل" في اليونسكو، أو بالوقوف علناً ضد الإدارة الأميركية في الموضوع الإيراني، يبدو وكأنه ابتلع لسانه عندما يكون المقصود روسيا. إنه لا يجرؤ على إلقاء خطاب انتقادي في الدوما، أو الطلب من زعماء الجالية اليهودية في موسكو نشر إعلانات ضد الكرملين في الصحف.
صحيح أن روسيا ليست الولايات المتحدة أو فرنسا. أولاً لأنها غير ديمقراطية؛ وثانياً بسبب المصالح الإسرائيلية المتعلقة بها. لكن الحلف بين الولايات المتحدة وإسرائيل والحلف بين فرنسا وإسرائيل عميق ومتجذر وحافل بالمصالح. فالولايات المتحدة هي التي تمنح إسرائيل كل سنة مساعدة عسكرية مقدارها ثلاثة مليارات دولار، وتقدم لها دعماً سياسياً في الأمم المتحدة. وفرنسا هي التي بفضلها أصبح لدى إسرائيل مفاعل ديمونا وهي التي عملت من أجل جعل الاتفاق مع إيران أكثر تشدداً. وعلى الرغم من ذلك، ليس لدى نتنياهو مشكلة في الدخول في مواجهات مغطاة إعلامياً مع قصر الإليزيه أو البيت الأبيض بسبب أي انتقاد يوجهانه إلى المستوطنات. هو بطل على أوباما في واشنطن، لكنه لا يظهر النزر القليل من هذه الشجاعة في مواجهة بوتين.
يدّعي موظفون إسرائيليون كبار أنهم يطرحون جميع المسائل في محادثات دبلوماسية هادئة، وأن نتنياهو يجري في غرف مغلقة حواراً نقدياً مع بوتين. من المحتمل أن يكون هذا صحيحاً، لكن كما قال نتنياهو نفسه، أحياناً من المهم قول الحقيقة علناً. وفي كل ما يتعلق بروسيا، فإن هذه الحقيقة لم نسمعها قط من فم رئيس الحكومة. ومن الصعب ألا نستغرب كيف أن نتنياهو، كما هو في السياسة فإنه أيضاً على المستوى الدبلوماسي، يستخف بحلفائه والمحسنين إليه، ويحترم ويسترضي الذين يشكلون تهديداً عليه.