زوبعة في البيت الأميركي

8_1391668042_1275
حجم الخط
العالم كلّه، دون أيّ استثناء، يتأثر بما يجري في البيت الأميركي من تطورات وأحداث وتغيرات لاعتبارات كثيرة أكثرها معروف للعامة والخاصة على حدٍّ سواء.
أما عندما تحدث تحولات كبيرة في حالة الدولة والمجتمع فإن مثل هذا التأثر لا يعود عادياً ولا يمكن أن يظلّ كذلك مع تعمّق هذه التحولات.
أقصد أن تحولات من هذا القبيل تجد تعبيراتها في البلدان المختلفة والأقاليم المختلفة في المجالات كافة، وذلك ارتباطاً بدور الزعامة الذي تلعبه الولايات المتحدة على الصعيد الكوني، وارتباطاً بحالة التسيّد التي تفرضها هذه الدولة الأقوى في العالم اليوم.
هذه مسألة يطول شرحها وتتشابك آليات تجلّيها وتتفاوت أهميتها وفق درجة التحكم الأميركي، ودرجة السيطرة والهيمنة التي تمثلها الولايات المتحدة في كل الاتجاهات والمجالات.
إسرائيل واحدة من أكثر دول العالم تأثراً بسبب العلاقة العضوية التي تربطها بالولايات المتحدة، وبسبب كون إسرائيل هي الدولة الوحيدة الواحدة في هذا العالم التي تتغلغل في الجسد السياسي الأميركي وتفرض نفسها عبر آليات مركبة للغاية كطرف داخلي وعضوي في المعادلة السياسية الأميركية.
والآن ما هي هذه الزوبعة؟
الزوبعة في البيت الأميركي هي انتخابات الحزب الديمقراطي الأميركي أولاً، ثم الانتخابات في الحزب الجمهوري ثانياً، وإن بدرجة أقل أهمية في هذه المرحلة.
وطبعاً عندما نتحدث عن انتخابات الحزب الديمقراطي فلا نقصد نجاح السيدة كلينتون كمرشحة عن الحزب لسباق الرئاسة الأميركية، وعندما نتحدث عن انتخابات الحزب الجمهوري فإننا نقصد بصورة خاصة فوز السيد ترامب في هذه الانتخابات.
بالنسبة لانتخابات الحزب الديمقراطي فإن فوز السيدة كلينتون جاء صعباً وبعد معاناة مع المرشح الآخر وهو السيد ساندرز. الذي جرى فعلاً هو أن السيد ساندرز وهو يهودي يعتبر نفسه ديمقراطياً اشتراكياً ويعلن يساريته، وبهذا المعنى لم يتردد في «انتهاك» المحرمات حين وجّه انتقادات غير مسبوقة لإسرائيل من شخصية سياسية على هذه الدرجة من الأهمية، والتيار الذي يمثله لم يخف من المجاهرة بهذه الانتقادات، بل ووصلت الأمور إلى درجة احتمال أن يتم في المؤتمر القادم للحزب مناقشة «وثيقة» تمثل هذا التيار، يقوم جوهرها ومضمونها، على حد سواء، على آراء تجاهر في انتقاد السياسة الإسرائيلية وتتبنى للمرة الأولى في التاريخ الحديث للولايات المتحدة رؤى سياسية هي غاية في الجرأة والشجاعة والإقدام بالمقارنة مع ما كان معهوداً من تودد لإسرائيل يصل إلى درجة الاستحذاء بل والاستخذاء في بعض الأحيان.
ونحن هنا لا نتحدث (أرجو الملاحظة) عن حوار في ندوة سياسية، ولا نتحدث عن نزوة مثقف أو مجموعة أكاديمية، وإنما عن تيار قوي نافس على الانتخابات التمهيدية بقوة شديدة، كان من نتائجها فوز السيدة كلينتون بصعوبة بالغة على الرغم من دعم راوول ستريت لها، وعلى الرغم من دعم رئيسين سابقين لها بكل قوة، وهما: السيد بل كلينتون والسيد أوباما، وهما من الرؤساء المحبوبين في الولايات المتحدة.
هذا تحول كبير وعلى أعلى درجات الخطورة والأهمية، وهو تحول غير مسبوق وسيكون له ما بعده في المستقبل.
الأسئلة التي يطرحها هذا التحول الهائل كثيرة وعلى درجة عالية من الحساسية.
ماذا لو أن هذا التيار فرض نفسه على سياسات السيدة كلينتون؟ أو ماذا لو أن السيدة كلينتون تجاهلت بالكامل مثل هذا التيار؟
هل هناك من ضمانةٍ بألا يتسيّد هذا التيار الحزب كاملاً في المستقبل؟ وهل هناك من ضمانة بأن يبقى الحزب الديمقراطي موحداً دون أن يصبح لهذا التيار ثقله المباشر في سياسة الدولة الأميركية؟
ألا يعني هذا الأمر أن إسرائيل بدأت تفقد «القدرة» الخاصة في اللعب والتلاعب بالمعادلة الأميركية الداخلية؟!
أما الحزب الجمهوري فعلى الرغم من تأييد الائتلاف الحاكم في إسرائيل لهذا الحزب ومجاهرة نتنياهو بهذا التأييد فإن للأمر وجهه الآخر.
إن فوز ترامب بالانتخابات التمهيدية يعني عدم وجود منافسين في مواجهته، كما يعني أن هذا الحزب قد انحاز إلى القوى والتيار الأكثر محافظة وتخلفاً ورجعية فيه، إضافة إلى أن هذا الانحياز سيؤدي إلى تهديد وحدة الحزب مستقبلاً بسبب هيمنة هذه القوى على مقاليد الحزب الجمهوري.
حالة الحزب الجمهوري الحالية تصب في مصلحة إسرائيل مؤقتاً لكن المسألة ما زالت متحركة وقابلة للتغير في أي لحظة يصبح فيها موقف الحزب من إسرائيل وموقف إسرائيل من الحزب عبئاً على وحدة الحزب وتماسكه.
في مطلق الأحوال هناك زوبعة في البيت الأميركي، وهناك تحولات كبيرة في هذا البيت وهذه التحولات الكبيرة لا تبدو أنها في المصلحة الإسرائيلية تماماً كما كانت عليه الأمور دائماً وكما تعودنا عليها دائماً.
بين الحالة والظاهرة والاتجاه هناك يجري ما هو ليس في مصلحة إسرائيل العدوانية والتوسعية.
أما ما هو في مصلحة إسرائيل فهو أن الحالة الفلسطينية والعربية ليست مؤهلة مع الأسف الشديد لاستثمار هذا التحول، هذا إذا كان أحد ما يعرف عنه ويتابعه، ناهيك عن التخطيط لاستثماره حتى لو أن ما يجري في البيت الأميركي هو عاصفة كبيرة وليس مجرد زوبعة ما زالت في البداية.