شباب يطا ومشروعية الفعل

طلال عوكل
حجم الخط

لا يفترض أن تكون عملية تل أبيب التي وقعت الأربعاء الماضي، خارج السياق الطبيعي للأحداث. العملية ليست مفاجئة إلاّ لمن لا يعرفون الحدّ الأدنى من قواعد العمل السياسي.
فيديريكا موغريني، المسؤولة عن السياسة والأمن في الاتحاد الأوروبي كانت قد حذّرت بوضوح من أن انعدام فرص السلام، سيؤدي إلى حرب. جاءت أقوالها خلال اجتماع لمجلس الأمن، يناقش التعاون بين هذه المؤسسة الدولية وبين الاتحاد الأوروبي. موغريني التي تعتمد على الكثير من العيون المفتوحة داخل فلسطين التاريخية تعرف أكثر مما يعرف بعض الفلسطينيين أن الانتفاضة لم تهدأ كما يعتقد البعض، ذلك أنها تعرف يقيناً أن السياسات والإجراءات الإسرائيلية الاحتلالية تتكفل كل لحظة باستفزاز فلسطينيين سيبادرون إلى العمل من موقع رد الفعل على ما ترتكبه قوات الاحتلال ومستوطنوها.
صحيح أن الانتفاضة تفتقر حتى الآن إلى الغطاء السياسي، أو الجهد الفصائلي الواسع، لكن مسألة الرد على الإجراءات الاحتلالية لا تقتصر على الفصائل والسياسيين، لأن الفعل الإسرائيلي لا يقتصر على مواجهة الفصائل، وإنما يتقصد إهانة كل فلسطيني ومصادرة أحلام كل الفلسطينيين. وحين تتخلف الفصائل لأسباب لا تتعلق بالتزامها الوطني بقدر تعلق الأمر بالحسابات السياسية والفصائلية الخاصة في ظل استمرار الانقسام. حين تتخلف هذه الفصائل فإن الشعب الذي يشكو العدو ويشكو الصديق والشقيق، سيبادر إلى الفعل دفاعاً عن كرامته الشخصية والوطنية ودفاعاً عن مصالحه وحقوقه التي يستهدفها الاحتلال.
يبدو أن المجتمع الدولي بدأ يقترب من فهم الحقائق، أو بالأحرى، تفهم ما يقوم به الشباب الفلسطيني، خاصة وأن إسرائيل لم تدع فرصة لصديق لها، أو حليف لكي يدافع عن سياساتها وممارساتها التي تزداد عنصرية وفاشية، وتتجاهل نصائح من تكفلوا بتقويتها وحمايتها.
وزير الخارجية الفرنسي، حذر من أن ردود الفعل الإسرائيلية على عملية تل أبيب من شأنها أن تؤدي إلى تصاعد العنف أما المفوض السامي لحقوق الإنسان في المؤسسة الدولية فقد وصف الإجراءات الإسرائيلية بأنها ربما تنطوي على عقوبات جماعية مخالفة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
إذا كان هذا هو النموذج الذي تقدمه بعض المؤسسات الدولية للحكم على العملية وعلى ردود الفعل الإسرائيلية، فإنه لا يجوز لأي فلسطيني أن يستنكر العملية إمعاناً في تأكيد مصداقية خطاب السلام.
إن خطاب السلام، والالتزام الحقيقي به وبوسائل النضال السلمي في مقاومة الاحتلال، هذا الخطاب قد استنفذ محتواه ورسائله إذ لم يعد أحد في هذا العالم يشكك في خطاب السلام الفلسطيني، أو يتشكك من أن إسرائيل هي المسؤولة عن استمرار وتصاعد العنف وتواصل الانتهاكات بحق القوانين والمواثيق الدولية، وأنها المسؤولة الحصرية عن تدمير عملية السلام.
إذا كان الباحثون عن ذرائع لتبرئة الاحتلال من مسؤوليته عن إفشال عملية السلام، فإن الموقف الإسرائيلي الرافض للمبادرة الفرنسية، كفيل بأن يقنع هؤلاء بضرورة التزام الصمت في أسوأ الأحوال. ولكن إذا كانت قد تزايدت في الأشهر الأخيرة لهجة التحذير لإسرائيل من قبل مسؤولين ومؤسسات دولية بما في ذلك مؤسسة "هيومان رايتس ووتش" الأميركية التي طالبت المدعية العامة للجنائية الدولية بالتحقيق في جرائم حرب قالت إن إسرائيليين وفلسطينيين قد ارتكبوها، فإن كل هذه التصريحات لا تزال مقصّرة عن أداء الواجب المطلوب.
الواجب المطلوب هو أن يبادر المجتمع الدولي إلى استخدام الضغط الفعال على إسرائيل سواء من باب معاقبتها على ما ارتكبت وترتكب من جرائم حرب ومن انتهاكات فظة للقوانين والشرائع الدولية، خصوصاً وأن غياب هذا الواجب هو السبب الأهم الذي يولد مشاعر الإحباط وتوقع فشل المبادرة الفرنسية.
في الأصل كان من المفروض على حلفاء إسرائيل الحريصين عليها وعلى مصالحهم في المنطقة، أن يغادروا كلياً معاييرهم للحكم على ما يقوم به الشباب والفصائل الفلسطينية، بما أنه فعل لا علاقة له البتة بالإرهاب. الفعل الفلسطيني حتى لو وقع داخل أراضي 1948، هو فعل وطني من أجل التحرر والانعتاق من الاحتلال، وهو فعل يطابق المعايير التي أقرتها الأمم المتحدة سواء في ميثاق جنيف وملحقاته أو عَبر عدد كبير من القرارات الدولية.
ما يرتكبه الاحتلال هو الإرهاب بعينه، وهو أسوأ أشكال الإرهاب لأنه إرهاب دولة محتلة ترفض أن يتم ترسيم حدودها وتعتبر أن حدودها تشمل القدس، وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية التي يسمونها يهودا والسامرة.
وبالمعنى التاريخي فإن الفعل الاستيطاني الاحتلالي هو الأسبق في ارتكاب الإرهاب وجرائم الحرب، بما أنه يصادر أرض وحقوق الشعب الفلسطيني وينكر عليه الحدّ الأدنى من الحقوق التي يتمتع بها شعب يعترف العالم  بوجوده وحقوقه. هكذا يكون الفعل الفلسطيني من موقع رد الفعل، ومن موقع الضرورة لاسترجاع الحقوق، وهذا هو المعيار الملزم للفلسطينيين حتى لو تنكر له حلفاء إسرائيل التي تحظى بدعمهم كل الوقت وهم على وعي بأنها ظالمة وتستحق العزل.