-١-
سأعيد بناء صور الخراب، ذلك الخراب القابع في عمق ذاكرتي عن مقاتلين ومعارك ...
سأخرج من جسد قتيل كان قبل ضجيج يحاول عبور الطريق نحو وردة منسية في الشرفة المقابلة ففاجأته رصاصة القناص ...
وقد أصرخ في وجه العتمة علني أزيح عني ترابي، التراب الذي نما فوقه النسيان كشوك بري فلم يعد يراني أحد في الموت المجهول منذ معركة انتهت، لم تفصح عن قاتلي من المتحاربين ...
-٢-
سأعيد بناء صور الخراب، لا لشيء بل لأتحرر من صمت القتيل الهش، ومن جسد لم يعد يغري ديدان القبر بالمزيد من النهش في بقايا اللحم الممزق ...
سأقول هذا دوري ...
أن أكون روايتي ...
أن أبحث مرة أخرى عن وجه القاتل حين أطلق النار، أن أدون نوع القذيفة وتاريخ الصنع وربما اسم المصنع ودولة التصنيع ... لا لشيء بل ليفصح الخراب عن مفرداته السرية من الجنون اليومي وتفصح الحرب عن صورها المجهولة في الصخب المبعثر ككرات نار ...
تلك الصور التي اشتعلت من دماء على وجوه القتلى وصارت ذاكرة لموت ما زال يتدفق في صنابير الماء دما وصراخا لزجا، يتجدد على مدار الوقت ...
-٣-
سأعيد بناء صور الخراب كي أتعقب ملامح الموت ...
ربما وجدت الموت مقاتلا يستعد للحرب بعد أن ودع صديقته في ليلة سابقة في مقهى منعزل حين تحدث عن البطولة والغد، وافتتانه بصورة محارب في زي عسكري يسحق أعداءه كسرب بعوض على وجه مستنقع، قبل أن يعود من الدخان مزهوا بالانتصار ...
ربما التقيته وهو يدخل حيز السرد، سردي الشخصي بعد طفل ممدد في الخراب ونساء يركضن بحثا عن ملجأ ورجال دون رؤوس أو أجساد ...
سأفتش عن المقاتل- القاتل، عن موت معلق بين يديه كما الانتظار الغامض على وجه صديقته وعائلة تتابع نشرات الأخبار اليومية وأصدقاء يلوحون بصوره قبل حرب عله يعود من الخراب، ذلك الخراب الذي صنعه بخوذة وقذيفة ...
-٤-
سأعيد بناء صور الخراب، كي أطل مجددا على الموت ...
كي أقول لي إن القاتل ما زال قريبا من جثتي الملقاة في حفرة مجهولة، نشطا في الرصاص والقذائف، منذ صار مسخا يتعقب غناء الدوري في الصباح ...
ومنذ تمردت على جسد ممزق كي أصبح قتيلا يتعقب خطاه علني أحشر اسمه بين مزدوجين في النص- السرد ...
تلك هي الصور المبعثرة كموت ...
القابعة في ذاكرتي كدوي متقطع، يعوي فتنفجر ... ويخرج القتلى من الطرق والأسواق والمنازل ...
بحثا عن سرد يضعهم مرة أخرى أمام القاتل ...
سرد يتمرد على السرد كقتيل يبحث عن وجه قاتله في ضجيج المعارك ...
كأسئلة عن بلاد بعيدة وطرق غامضة في رأس مهاجر نجا صدفة من الموت، ليطلق أحلاما عفوية في وجه سمسار يعيد بناء الحرب موتا جديدا على صفحة الماء ...
-٥-
سأعيد بناء صور الخراب
كي يكون موتي هادئا، فلا حاجة للخراب أن يظل معلقا في الذاكرة ...
أحتاج لموتي دون حرب، فظلي يتبعني وأنا أتبع القاتل ...
وكلانا الظل وأنا نكتب، إن نسيت يذكرني وإن نسى أفصحت عن صورة جديدة من صور الخراب في داخلي ...
ذلك الخراب القابع في ذاكرتي عن مقاتلين ومعارك ...
-٦-
سأعيد بناء صور الخراب كي أقول لي تحرر من صورتك الغامضة، ومت كقروي كهل على فراش محاط بالأحفاد، كعجوز أتم مهامه في صخب المدينة وأشعل سيجارته الأخيرة ثم نام تاركا إياها في المنفضة كي تنطفىء بهدوء وسلام ...
مت دون رصاص كي تتحرر الرواية من الدم وتذوب الحرب في ماء البحر ...
عل الغرقى بعد موت، يعودن من الماء إلى أسمائهم المنسية، ينظفون نوافذ الوقت من حرب لاحقتهم بالرصاص والخراب ...
ذلك الخراب الذي صار ذاكرة ضحايا ومحاربين ...