فتِّشوا عن "الإسرائيليين" الذين بيننا

thumbgen (11)
حجم الخط
 

كان ينبغي لأمين معلوف ألاّ يظهر متحدّثاً على قناة إسرائيلية. فقد أخطأ في ذلك، مثلما أخطأ قبله كلّ الكتّاب الذين أجرت معهم صحفٌ وتلفزيونات إسرائيلية مقابلات، أو حوارات. شخصياً، لا أستسيغ أموراً كهذه، لاعتبارات مبدئية تتصل بموقفي الصارم من الكيان الصهيوني.
لكن المسألة ليست هنا. إنها في مكان آخر تماماً. حيث لا يزال بعضنا يمارس الأساليب نفسها التي تجعلنا نحن العرب نكتفي بكوننا "ظاهرة صوتية"، فنعتزّ بذلك، ونختبئ وراء ذلك، لنخفي عجزنا الفكري الفادح، وعدم قدرتنا الثقافية على اجتراح فعلٍ عملانيّ يساهم في الاقتصاص النوعي من العدوّ.
المسألة هي هنا تماماً، وليست في مكان آخر.
ثمة بيننا مَن يعتبرون أنفسهم مناضلين أطهاراً وقدّيسين، ويعتبرون الآخرين عملاء خونة وشياطين. متأكد أنهم مؤمنون بذلك، وصادقون، وهم أحرار بالطبع. لكنْ، لم يعد ثمة معيارٌ أخلاقي وعقلي للكلمة. هؤلاء – ويعزّ عليَّ أن أقول ذلك - تضربهم البارانويا النضالية ضرباً مفجعاً، إلى درجة الاقتناع بأنهم، بطريقتهم هذه، إنما سيستأصلون العدوّ استئصالاً، بحيث لا يتركون له أثراً يُذكَر فوق الأرض العربية، في حين أن هذا العدوّ يقهقه ساخراً منهم ومشفقاً عليهم.
لستُ أدري كيف يحارب هؤلاء إسرائيل! أمن خلال رمي الآخرين بالعمالة والخيانة، أم من خلال توزيع الشهادات في الوطنية على الناس؟ كم يؤلمني أن أرى في هذا التصرف غير الذكي، نوعاً من التنفيس النفسي عن مكبوتات مرضية لا تجد سبيلاً للتعبير عن ذاتها إلاّ بهذه الطريقة. كم يؤلمني أيضاً، بصفتي مؤمناً بلزوم مواجهة الكيان الصهيوني بلا هوادة، باعتباره دولة عنصرية غاصبة، أن يحرف هؤلاء (وغيرهم بالتأكيد) المسألة الوجودية العربية عن مبتغاها وهدفها، وأن ينزلوا بها إلى هذا الدرك المثير للاشمئزاز. فيصير محمود درويش متعاملاً وخائناً، على سبيل المثل و... التذكير.
لن أتمنى في حياتي أن أحوز شهادة في النضال والوطنية من الذين ينصّبون أنفسهم أوصياء على أخلاقيات المسألة الفلسطينية. يجب أن يعرف هؤلاء أنهم يرتكبون خطأ شنيعاً أين منه الخطأ الذي قد يكون ارتكبه أمين معلوف، وسواه، بسبب الظهور في الإعلام الإسرائيلي. أمين معلوف ليس "متعاملاً" ولا "خائناً". عيبٌ أن يصل بنا الاستخفاف بالكلمة إلى هذا الإٍسفاف الأخلاقي والقيمي. محاربة إسرائيل لا تكون بمثل هذا الترهيب اللفظي الذي يؤذي المعنيين فعلاً وحقاً بمحاربة إسرائيل، ولا يؤذي إسرائيل البتة، بل يجعلها تواصل اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، وتجريف أراضيه وبيوته وشجر زيتونه وذكرياته. فتِّشوا عن "الإسرائيليين" الذين بيننا!