باراك ويعلون: تشخيص دقيق لواقع كارثي

1473102-18
حجم الخط
هما محبطان، يناقضان ما قالاه في الماضي، سئمان، يبحثان بيأس عن انتباه وعودة سياسية. هذا، بايجاز، رد فعل نتنياهو على الخطابين اللذين ألقاهما يعلون وباراك في مؤتمر هرتسيليا. لم اسمع على لسانه اي قول يشرح لمواطني اسرائيل لماذا هما مخطئان.
مهما كانت دوافعهما الشخصية فليست هي الاساس. فقد نشأ الخطابان عن احساس ما، احساس طوارئ يثور في اماكن كثيرة في البلاد، من دان وحتى ايلات، يظهر في برلمانات يوم الجمعة، في احاديث الصالون، في احاديث الرواق في اماكن العمل، في المراسلات في الشبكات الاجتماعية. ويبدو أن احساس الطوارئ لا يسود الا في قسم من المجتمع الاسرائيلي. ولكن هذا هو قسم مهم، الذي أدى ويؤدي دورا مركزيا، رئيسا، في جهاز الامن، في الاقتصاد، في الاكاديميا، في الثقافة. وهو ينتج كلمات قاسية ليس فقط على لسان وزيري دفاع سابقين بل وايضا على لسان رئيسي اركان سابقين، اشكنازي وغانتس، وكثيرين آخرين.
نخبة قديمة، سيقول المنتقدون باحتقار. اوكي: نخبة قديمة. ولكن الصرخة صادقة وحقيقية: الكثير مما يحصل هنا في السنة الاخيرة يقربنا، على حد قول باراك، من شفا الهاوية. فقد أحصى باراك، وقد عاد واحصى كل ما يراه كخروج من الحكومة الحالية عن الفكرة الصهيونية: «احساس الضحية البكائي»، «قبلية»، «تخويف»، «حماسة»، «سلبية»، «تشاؤم»، «تهكم»، «شلل»، «هتلرة كل تهديد».
لقد تحدى نتنياهو بانه انطلاقا من ضعف الرأي او ضعف الشخصية، بسبب التماثل مع آسريه او بسبب تأثير عائلته، ينجر وراء اليمين المتطرف. حكومته هي «حكومة مخطوفة». فهي تنكل بقيم الديمقراطية ومؤسسات القضاء؛ تقود اسرائيل نحو مفترق بعده يصبح إما دولة «ابرتهايد» نهايتها الانهيار، أو دولة ثنائية القومية تعيش في حرب أهلية خالدة. ومهما يكن من أمر، فان هذه ستكون نهاية المشروع الصهيوني.
وفي النهاية قال الكلمة التي يصعب جدا على الكثير من الاسرائيليين سماعها: فاشية. «اذا كانت هذه تبدو كمؤشرات فاشية، تسير كمؤشرات فاشية وتنبح كمؤشرات فاشية – بالتالي فإنها مؤشرات فاشية».
باراك هو خطيب مصقع. خطابه كان حادا على نحو خاص، فظا وحشيا. لم يتحدث عن نفسه ولم يمتدح انجازاته: كان هذا خطاب برهان صرفا.
أما يعلون فالقى خطابا أقل شمولا في انتقاده، أقل صراحة، ولكنه لا يقل ايلاما. المشكلة الوجودية لاسرائيل ليست ايران أو حزب الله، المشكلة هي قضم القيم. عندنا قيادة متحمسة، تقوم على اساس الكراهية للعرب، لليساريين او أعضاء الكيبوتسات من أجل حصد الاصوات. بيانه، في أنه يعتزم التنافس على قيادة الدولة في الانتخابات القادمة، لاقت الهتاف بين الحضور.
باراك ويعلون ليسا محصنين من الانتقاد. وليس غنيان عن السؤال أين كانا عندما كان ممكنا وقف السياقات التي يتحدثان عنها. ماذا فعل باراك كوزير دفاع في حكومة نتنياهو، ما الذي عمل عليه وما الذي لم يمنعه: كيف أقام باراك كرئيس وزراء مستوطنات يسعى هو الآن الى تفكيكها؛ ماذا قال يعلون وماذا فعل قبل أن يعلق في صدام في علاقاته مع نتنياهو وقبل أن ينحى عن منصب وزير الدفاع. لكل منهما اسباب وجيهة للندم على الخطيئة.
ولكن كل هذا لا ينفي قيمة شهادتيهما، ولا يشطب الاحرف التي يريانها على الحائط. بعد سنة كلها احتفال نصر متواصل، سكرة احاسيس، تبدأ الحكومة بدفع الثمن على شذوذاتها، حماستها. وهي تدفعه في العالم وتدفعه في البلاد. باراك ويعلون هما مجرد طرف الجبل الجليدي.

حملة عابثة لتهدئة الضمير
الرافعات والجرافات تعمل على طول حدود القطاع بكل النشاط. وهي تصب السور الاسمنتي الذي سيصبح خط الدفاع الجديد امام غزة. نشرت هنا جوهر الخطة: أساس السور سيكون تحت الارض، بعمق عشرات الامتار. والفرضية هي ان الاسمنت، ومنظومات اخرى ترافقه، ستمنع أنفاق «حماس».
يتبين أنه في اثناء حملة الجرف الصامد سألت تسيبي ليفني، التي كانت في حينه عضو في «الكابنيت»، اذا كان هناك طريق مادي لمنع الانفاق، طريق يوفر الحاجة لادخال المقاتلين الى غزة. فقالوا لها انه لا يوجد، وفي كل الاحوال، هذا باهظ جدا. واستدعت الى بيتها خبيرين في الحفريات والانفاق. فاقترحا بناء سور تحت أرضي، شيء ما مشابه جدا لما يبنى الآن. عادت ليفني الى «الكابنيت». باهظ جدا، اجابوها. هذا سيكلف مليارات.
يوسي لنغوتسكي، الذي كان مستشار رئيس الاركان لشؤون الانفاق في الماضي، كتب لي الجمل التالية: «سجل رجاء امامك بان كل حاجز مادي قابل للالتفاف. في جهاز الامن مرة اخرى يستخفون بالطرف الآخر. وكمن هو خبير في شؤون الانفاق اعلن لك بانه حتى لو جاء الحاجز (...) فانهم سينزلون من تحته. حلم!!! يوئيل من فورات، رجل الاستخبارات العسكرية الراحل، كان يسمي مثل هذه الحلول بالكلمة المختصرة «مسلام» - حملة عابثة لتهدئة الضمير».
وأنا اصغر من أن احكم من هو المحق.

الخطاب تغير فقط
وبالنسبة لـ»مسلام»، يوم الاربعاء الماضي كانت عملية في  نطاق شارونا في تل أبيب. اجتمع «الكابنيت» وفرض على الفلسطينيين عقابا شديدا: الغي تصريح الدخول الى اسرائيل لـ 30 الف عامل. كل من يفهم في عقيدة الاحتلال يعرف بان هذا قرار غبي: بدلا من 30 الف عامل قانوني، الذين باستثناء حالة واحدة لم يكونوا مشاركين في العمليات، سيأخذ ارباب العمل عمالا غير قانونيين، مقيمين بلا تصريح، نصيبهم في العمليات كبير، بمن فيهم القاتلان في شارونا. إذ أن احدا ما ينبغي له أن يغسل الاواني في المطاعم.
استوضحت، وهدئت. «الكابنيت» انعقد في عشية عيد الاسابيع، وفي اثناء ايام العيد بقي العمال الفلسطينيون على اي حال في بيوتهم. وغداة العيد، في يوم الاثنين، الغي الالغاء، وكل العمال دخلوا الى اسرائيل كالمعتاد. وهو الحكم بالنسبة لقرية يطا، التي جاء منها القاتلان: الطوق الذي فرض عليها كان معياريا، مثلما يفعلون بعد كل عملية.
ليست السياسة هي التي تغيرت بل الخطاب. الخطاب حماسي، الاعلام ينجر، والعالم يتصرف كعادته. العملية في شارونا ولدت بالاجمال حملة عابثة لتهدئة الضمير (ضمير الناخبين).