فيما يلي أجزاء واسعة من تحقيق للصحفي الأمريكي روبرت بيري (من موقع غلوبال ريسيرتش)، ذي الرأي المناهض لحكومته وحليفاتها، والذي سبق أن عمل في وسائل إعلامية بارزة منها وكالة اسوشيتيد-برس ومجلة نيوزويك الامريكيتين. وهو يلقي الضوء هنا على العلاقات الضخمة، في المصالح والسياسة والمال، بين حكومات اسرائيلي اليمينية خصوصا وبين نظام ال سعود، بما يشمل الاستراتيجية المشتركة في قضايا ايران وسوريا.
لأكثر من نصف قرن، حاول النظام السعودي استخدام ثروته النفطية الهائلة لبناء لوبي خاص به في الولايات المتحدة يمكن أن ينافس به اللوبي الإسرائيلي.
خلال ارتفاع الدولار، استغلت السعودية قانون الشركات وتخصصت في العلاقات العامة لاستغلال العلاقات الشخصية للأسر مثل عائلة بوش الأب والابن - ولكن السعوديين لا يمكنهم بناء أي تنظيم سياسي شعبي يمنحهم النفوذ الاستثنائي مثل النفوذ الذي يمنحه المؤيدون الأميركيون لإسرائيل.
في الواقع، الأميركيون الذين يأخذون المال من السعودية –مؤسسات أكاديمية أو منظمات غير حكومية - في كثير من الأحيان هم مصدر سخرية باعتبارهم "أدوات للعرب"، فاللوبي الإسرائيلي رفع التكلفة السياسية إلى أعلى المستويات.
لكن النظام السعودي وجد طريقة أخرى لشراء النفوذ داخل الولايات المتحدة - عن طريق إعطاء المال لإسرائيل وجذب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لصفه. على مدى السنوات العديدة الماضية، صنّف النظام السعودي وإسرائيل إيران بأنها "الهلال الشيعي" وإنها العدو الرئيسي للطرفين في المنطقة، هذا التحالف غير المتوقع أصبح ممكنا فالسعوديون، دفعوا الكثير من المال في الصفقة.
ووفقا لمحلل استخباراتي أميركي، منح النظام السعودي إسرائيل 16 مليار دولار خلال سنتين ونصف السنة، وقد تم تحويل الأموال من خلال دولة عربية ثالثة وأرسل من اجل "تنمية" الحسابات الإسرائيلية في أوروبا للمساعدة في دعم البنية التحتية الإسرائيلية، ولكن في وقت لاحق استخدمت هذه الأموال لمشاريع عامة مثل بناء المستوطنات في الضفة الغربية.
وبعبارة أخرى، ووفقا لهذه المعلومات، وجد النظام السعودي أنه إذا لم يستطع الفوز على اللوبي الإسرائيلي، فسيحاول شراءه. وإذا كان هذا هو الحال، فقد وجد السعوديون من خلال التعاون مع إسرائيل منفعة كبيرة تصب في صالحهم، فقد لعب نتنياهو دورا رئيسيا في اصطفاف الكونغرس الأميركي وراء محاربة الاتفاق الدولي لحل النزاع المستمر منذ فترة طويلة بشأن البرنامج النووي الإيراني.
حث نتنياهو غالبية الجمهوريين والعديد من الديمقراطيين للالتزام بتدمير الاتفاق الإطاري الذي تم التوصل إليه في 2 نيسان بين إيران والقوى العالمية الست، بما فيها الولايات المتحدة. الاتفاق فرض على إيران ضرورة الخضوع لعمليات تفتيش صارمة لضمان أن برنامج إيران النووي لا يزال سلميا.
وفي حال إفشال الصفقة، إسرائيل والنظام السعودي سيفتحان الباب أمام المزيد من العقوبات على إيران، وربما ستستهدف الطائرات الإسرائيلية والسعودية المرافق الإيرانية وستدمرها تدميرا كاملا.
واللافت ان الحكومات الإسرائيلية والسعودية لم تستجب لطلبات التوضيح حول المدفوعات السعودية لإسرائيل.
*هتاف الكونغرس*
الأموال السعودية إلى إسرائيل جعلت خطاب نتنياهو في 3 آذار في جلسة الكونغرس الأميركي مختلفة، فتحرُّك الكونغرس الآن لإفشال الاتفاق النووي الإيراني، يعود بالفائدة على السعودية ويعني أن الأموال التي استثمرت في إسرائيل أنفقت بشكل جيد. فالسعوديون قلقون من ان يدفع الاتفاق النووي المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات المفروضة على إيران، ويسمح بنمو اقتصادها ونفوذها.
لمنع ذلك، يريد السعوديون إدخال الولايات المتحدة في "الصراع السني الشيعي". فنتنياهو تحدى الرئيس باراك أوباما وجلب القوة الكاملة لإسرائيل للتأثير على الكونغرس وعلى دوائر الرأي الرسمية في واشنطن.
وقد أصبح هذا هاجس السعودية خلال العقود القليلة الماضية، على الأقل منذ أن أطاحت الثورة الإيرانية بشاه إيران في العام 1979 وجلبت إلى السلطة الحكومة الإسلامية وآية الله الخميني. الخوف هو في انتشار النموذج الخميني بين أفراد العائلة المالكة السعودية التي استدعت الدكتاتور العراقي صدام حسين، إلى الرياض في 5 آب 1980، لتشجيعه لغزو إيران.
وفقا لسرية "نقاط الحوار" قال وزير الخارجية الامريكي الاسبق الكسندر هيج الذي أعد لرحلة الرئيس رونالد ريغان في نيسان 1981 إلى الشرق الأوسط، أن الأمير السعودي فهد (فيما بعد الملك) قال انه ابلغ العراقيين أن غزو إيران سيكون مدعومًا من الولايات المتحدة.
للتأكيد أن الرئيس جيمي كارتر أعطى العراقيين الضوء الأخضر لشن الحرب ضد إيران من خلال فهد، كتب هيج في الوثيقة التي اكتشفتها في ملفات الكونغرس في العام 1994، انه "على الرغم من ان كارتر نفى تشجيعه للغزو العراقي، الذي جاء بعد احتجاز إيران 52 دبلوماسيا أميركيا كرهائن إلا ان العراقيين قادوا الحرب بمباركة الولايات المتحدة".
وأشار هيج أيضا إلى أنه حتى بعد الإطاحة بالشاه وتأسيس الجمهورية الإسلامية تحت قيادة الخميني، سعت إسرائيل للحفاظ على علاقات سرية مع إيران من خلال خدمة تزويدها بالأسلحة. وذكر هيج أن المصري أنور السادات والسعودي الأمير فهد قالا ان "إيران تلقت قطع الغيار للمعدات العسكرية الأميركية من إسرائيل".
*صعود المحافظين الجدد*
في العام 1990 بعد - الحرب الإيرانية العراقية – ظهر المحافظون الجدد الذي قدموا المشورة من اجل توظيف "تغيير النظام" لتغيير ديناميكية الشرق الأوسط. أوجز المحافظون الجدد البارزون بمن فيهم ريتشارد بيرل ودوغلاس فيث ورقة سياسية بعنوان "استراحة نظيفة: استراتيجية جديدة لتأمين المملكة" أوضحت الوثيقة أن "إسرائيل يمكن ان تشكل بيئتها الاستراتيجية... عن طريق إضعاف، واحتواء، بل ضرب سورية. وركز الجهد على إزالة صدام حسين من السلطة في العراق - وهو هدف استراتيجي إسرائيلي مهم في حد ذاته - ووسيلة لإحباط طموحات سوريا الإقليمية".
وكانت النقطة الأساسية لاستراتيجية المحافظين الجدد هي "تغيير النظام" في الدول التي اعتبرت معادية لإسرائيل، مما يترك إسرائيل قريبة من الأعداء - حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان - دون رعاة خارجيين. وإذا حرم هؤلاء من المال، سيضطرون للقبول بشروط إسرائيل.
كان هدف المحافظين الجدد "تسليم الحكم في العراق إلى السنة" ومشروعهم بدا واضحا في العام 1998 حيث كانت سوريا وإيران على القائمة المستهدفة. فسوريا حسب تعريفهم "يحكمها العلويون بقيادة الرئيس الأسد، و إيران تخضع لحكم الشيعة".
خطة المحافظين الجدد هي استخدام القوة العسكرية الأميركية أو غيرها من وسائل التخريب لإخراج الأنظمة الثلاثة.
ومع ذلك، عندما حصل المحافظون الجدد على فرصتهم لغزو العراق في العام 2003، رجحوا عن غير قصد الكفة في الشرق الأوسط لصالح اعدائهم، بالإضافة إلى ذلك، الحرب الأميركية الكارثية منعت المحافظين الجدد من إكمال جدول أعمالهم القسري "لتغيير النظام" في سوريا وإيران.
الحكومة العراقية الجديدة أصبحت صديقة لقادة إيران، ما أصاب النظام السعودي بانزعاج شديد. وإسرائيل بدورها اعتبرت ان ما يسمى بـ "الهلال الشيعي" الممتد من طهران عبر بغداد ودمشق إلى بيروت يشكل تهديدا استراتيجيا للمنطقة.
النظام السعودي، ومن خلال تعاونه مع تركيا، يهدف إلى دعم المعارضة ضد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، وقادت الاحتجاجات التي تصاعدت بسرعة لتصبح الهجمات الإرهابية دامية.
وبحلول العام 2013، كان واضحا أن المقاتلين الرئيسيين ضد حكومة الرئيس الأسد لم يكونوا من "المعتدلين" الذين تحدثت عنهم وسائل الإعلام الأمريكية إنما من جبهة النصرة وتنظيم القاعدة، وتنظيم القاعدة من المتوحشين الذين أنشأهم الاحتلال الأميركي في العراق وتطوروا ليصبحوا "الدولة الإسلامية في العراق وسوريا" أو ببساطة "داعش".
*التفضيلات الإسرائيلية*
وقد دهش بعض المراقبين بعدما أعربت إسرائيل عن تفضيلها لمسلحي القاعدة على حكومة الرئيس الأسد العلمانية، التي ينظر إليها باعتبارها حامية للأقليات السورية التي تشعر بالقلق من المتطرفين الذين تدعمهم السعودية.
في ايلول 2013، في واحدة من التعبيرات الأكثر وضوحا لوجهات النظر الإسرائيلية، قال السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة مايكل أورين، والمستشار المقرب من نتنياهو لصحيفة "جيروزاليم بوست" ان إسرائيل فضلت المتطرفين السنة على الأسد.
و"إن أكبر خطر على إسرائيل هو القوس الاستراتيجي الذي يمتد من طهران إلى دمشق إلى بيروت" وقال أورين نرى نظام الأسد باعتباره "حجر الزاوية في هذا القوس"، "لقد أردنا دائما رحيل بشار الأسد، ونفضل دائما الأشرار الذين لم تدعمهم إيران على الأشرار الذين تدعمهم إيران".
وفي حزيران العام 2014 قال أورين في مؤتمر معهد آسبن بصفته السفير السابق لإسرائيل: "ان إسرائيل تفضل نصر داعش، التي ذبحت الجنود العراقيين وأسرت وقطعت رؤوس الغربيين، على بقاء الأسد المدعوم من إيران في سوريا".
وأضاف: "من وجهة نظر إسرائيل، إذا لا بد أن يسود الشر فليسد الشر السني".
يوم 1 تشرين الاول 2013، ألمح رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى العلاقة الإسرائيلية-السعودية الجديدة في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي خصص إلى حد كبير لانتقاد إيران بسبب برنامجها النووي وتهديدها بضربة عسكرية إسرائيلية من جانب واحد.
في منتصف ايلول، تحدث نتنياهو إلى حد كبير عن علاقات القوة المتطورة في الشرق الأوسط، قائلا: "لقد دفعت المخاطر التي تشكلها إيران النووية على المنطقة العديد من جيراننا العرب إلى الاعتراف، أخيرا، بأن إسرائيل ليست عدوا لهم. وهذا يتيح لنا الفرصة للتغلب على العداوات التاريخية وبناء علاقات جديدة، وصداقات جديدة، وآمال جديدة ".
في اليوم التالي، ذكرت القناة الثانية الإسرائيلية أن رجال الأمن الإسرائيليين اجتمعوا مع نظرائهم في الدول الخليجية في القدس، ويعتقد أن الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة الذي كان آنذاك رئيس الاستخبارات السعودي كان من بين الحضور.
وحتى انه وصلت حقيقة هذا التحالف المحتمل إلى وسائل الإعلام الأميركية، حيث قال مراسل مجلة تايم جو كلاين في مقال نشر في 19 كانون الثاني 2015:
"في 26 أيار 2014، جرت محادثة عامة لم يسبق لها مثيل في بروكسل، حيث جلس معا لأكثر من ساعة الأمير تركي الفيصل وعاموس يدلين ودار الحديث حول السياسة الإقليمية بإدارة ديفيد اغناتيوس".
وأضاف "لقد اختلفوا على بعض الأشياء، مثل طبيعة التسوية حول السلام بين إسرائيل وفلسطين، وتوافقوا على المواضيع الأخرى: التهديد النووي الإيراني، الحاجة إلى دعم الحكومة العسكرية الجديدة في مصر، الطلب على عمل دولي منسق في سوريا. وجاء البيان الأكثر التفاتًا من الأمير تركي الذي قال ان العرب "لا يريدون محاربة إسرائيل بعد الآن."
*تجاوز القضية الفلسطينية*
القضية الفلسطينية لم تعد من الأولويات، بعض التقارير يؤكد ان السعودية دفعت 16 مليار دولار إلى إسرائيل لتمويل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية الفلسطينية وهذا من شأنه أن يعكس اللامبالاة السعودية في الموضوع الفلسطيني".
في العام 2013، ساعدت السعودية في انتخاب جماعة الإخوان والرئيس محمد مرسي في مصر، ولكن لاحقا وجد السعوديون بان "الإخوان المسلمون" يشكلون تهديدا للحكم الملكي وان إسرائيل غاضبة بسبب تعاطف مرسي مع حماس، الحزب الحاكم في غزة. لذا قام النظام السعودي وإسرائيل بدعم الانقلاب العسكري الذي أزال مرسي من السلطة. ثم قامت السعودية: بمساعدة حكومة الجنرال عبد الفتاح السيسي بالمال والنفط، في حين ان اللوبي الإسرائيلي كان يعمل في أروقة السلطة في واشنطن لمنع الانتقام وإسقاط الحكومة المنتخبة.
*العودة إلى سوريا*
التعاون الإسرائيلي المتزايد مع النظام السعودي والكراهية "المشتركة" لما اسموه "الهلال الشيعي" أدى إلى تحالف ضمني مع جبهة النصرة وتنظيم القاعدة في سوريا، وتم الاتفاق على عدم الاعتداء ورعاية ومعالجة مقاتلي النصرة في المستشفيات الإسرائيلية.
كان تفضيل إسرائيل للجهاديين الذين تدعمهم السعودية على حلفاء إيران في سوريا ضمنيا حيث حث نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس يوم 3 آذار، حكومة الولايات المتحدة على تحويل تركيزها من محاربة القاعدة وداعش إلى قتال إيران. التقليل من خطر داعش جعلها "تلتهم الدول" في الشرق الأوسط.
ووسط تصفيق الكونغرس، ادعى نتنياهو ان "إيران تهيمن الآن على أربع عواصم عربية بغداد دمشق بيروت وصنعاء. وإذا تم ترك إيران دون رادع، سوف تتمدد أكثر، "اختيار العواصم كان غريبا".
أما بالنسبة للعراق، فقد تم تركيب حلفاء إيران ليس من قبل إيران ولكن من قبل الرئيس الأمريكي جورج بوش عبر الغزو الأمريكي.
بالنسبة لليمن، الواقع أن الغارات الجوية السعودية، التي وبحسب ما ورد أدت إلى مقتل المئات من المدنيين اليمنيين، ساعدت في تثبيت "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية" عن طريق الحد من هجمات الحوثيين على الإرهابيين وتمكين القاعدة في جزيرة العرب من تجاوز سجن العشرات من مقاتليها .
لكن الرئيس أوباما، مع الاعتراف بالقوة المشتركة السعودية والإسرائيلية لتدمير الاتفاق النووي مع إيران، سمح بدعم الضربات الجوية السعودية في حين هرع لتقديم الإمدادات العسكرية للسعوديين.
*مكاسب الإرهابيين*
كثف النظام السعودي وحلفاؤه في الخليج، جنبا إلى جنب مع تركيا، من دعمه لجبهة النصرة وتنظيم القاعدة وداعش في سوريا. وقد أدت كل هذه الإجراءات إلى انتقادات من وسائل الإعلام الأميركية السائدة والأوساط السياسية، في جزء منه، لأن السعوديين لديهم حماية اللوبي الإسرائيلي، الذي حافظ على التهديد المفترض من إيران، بما في ذلك عبارات القادة الإيرانيين حول إصرارهم على أن يتم رفع العقوبات الاقتصادية بمجرد التوقيع على الاتفاق النووي أو تنفيذه.
ودعاة الحرب من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، دعوا عبر صحيفة واشنطن بوست ونيويورك تايمز، علنا لقصف إيران على الرغم من المخاطر التي قد تلحق بالإنسان والبيئة من تدمير المفاعلات النووية الإيرانية.
مصلحة السعودية وإسرائيل هي من خلال إجبار إيران على التركيز حصرا على الأزمة الداخلية.
مصلحة إسرائيل والنظام السعودي الاستراتيجية ان تكون إيران غير قادرة على مساعدة العراقيين والسوريين في النضال ضد القاعدة والدولة الإسلامية، ويصبح "الجهاديون السنة" قادرين على رفع العلم الأسود فوق دمشق وبغداد.
احتمال وقوع هجمات إرهابية جديدة على الغرب سيجبر رئيس الولايات المتحدة بإنزال مئات الآلاف من القوات الأمريكية لإزالة تنظيم القاعدة أو داعش من السلطة. وستكون الحرب واسعة في حساب المال والدم مع احتمال ضئيل لنجاح الأميركيين.