1 - بيان: على من يرى زهرة حنّون (شقائق النعمان) أياً كان لونها، لا تزال في أرضها بتاجها الأحمر، بعد يوم 19 حزيران، أن يعلمني بذلك. يكفي لسان إنسان وشهادة عينين اثنتين. البراهين غير ضرورية.
2 - الداعي: في ذلك اليوم، الخميس 14 صفر 1418هـ، الموافق 19 حزيران 1997 اختفت زهرتا حنون حمراوان. يعتقد أنهما قضتا غماً وحزناً على مصرع شقيقتهما الثالثة، التي قصفت عمرها ثلاث أصابع من يدي اليمنى، قبل أسبوع من الاختفاء الغامض لشقيقتيها.
3 - المدعو عليه: شُبّه للمجرم - الذي اقترف الجريمة من غير قصد - من شدة ولعه بالصمود الأسطوري لآخر ثلاث زهرات حنّون حمراء، (على كتف «سنسلة» في فيء شجرة سرو، في زاروب من زواريب صردا) أن الشقيقات الحمراوات الثلاث لسن حنّونات أصيلات، بل هجينات.
وفي اللحظة التي مدّ فيها المجرم يده اليمنى ليتقرّى الحقيقة، تساقطت بتلات الحنونة، كأنها قطرات دم أحمر قانٍ على يد المشتبه به.
4 - تحقيق أوّلي: حضرت الحنونات عرس الربيع متأخرات. فاتهن الزفاف. بكت الشقيقات الحمراوات حتى احمرت عيونهن. بدلاً من أن يأخذهن وسن النعاس وتعب البكاء إلى نوم حتى عرس ربيع آخر، فقد أصبن بمرض مجافاة النوم. وهكذا، امتدت السهرة وازداد الاحمرار في عيون الحنونات، وازداد اسوداد الكحل. في هذه الأثناء زفّت بقية زهور الربيع إلى حبل الصيف، وولدت، ورمت بذورها في رحم الأرض، أو سافرت بين أحضان الريح، أو عبر حويصلات الطيور.
5 - استنتاجات أوّلية: بين موت حنّونة من غير قصد، والاختفاء الليلي الغامض لشقيقتيها الثاكلتين (كنت ألقي عليهما تحية الصباح والمساء) مرت سبعة أيام حداد، صارت عروق الحنّونتين تصفرّ أكثر فأكثر، حتى صارت كعروق الحرفيش، وباقي نباتات عرس الربيع، اللواتي تحنّطن كأنهن مومياوات.
في هذه الأثناء، حنّت بتلات الحنونتين على بعضها البعض - في المساء خصوصاً - حتى صار يخيّل إليّ أنهما في طَوْر العودة إلى «البرعمة» وربما خجلاً من فضيحة هذا الأحمر القاني، وسط هذا الهشيم الأصفر. وربما كانتا تذاكران مادة البيولوجيا لامتحان آخر العام.
وتتراوح الظنون والتقديرات بين الاحتمالات التالية:
* البقرة الهولندية السمينة جداً، وربيبتها، افترستا زهرتي الحنون في أوبتهما اليومية بعد الغروب مباشرة.
* أولاد القرية داسوا الزهرتين خلال لهوهم بلعبة «بيسبول» أميركانية بثمرات التين والبرقوق، برغم توبيخي لهم على هذا الهدر.
* فهمت زهرتا الحنون أن الأولاد يوشكون على عطلة الصيف. وتذكرتا أن سهرهما المديد حتى موعد الانقلاب الصيفي في 21 حزيران، يعني استيقاظاً متأخراً عن عرس الربيع المقبل، فلا تجدان نحلة أو فراشة تزوجانهما إلى ديمومة الحياة.
6 - رأي خبير زراعي: هناك طفرات، وهناك اصطفاءات تتم في شروط ملائمة. فإذا استيقظت الزهرتان متأخرتين في الربيع المقبل، فهذا يعني ضرورة أخذ عينات من بذورهن لاستكثارها، فقد يصير في أرض البلاد نوع حنّوني محب لقيظ الصيف.
7 - رأي فلاح: يا زلمه. في هذه النقرة تشبع الأرض ماء. الشجرة فوقهما تحمي ما تحتها من ضربات الشمس.
* * *
هكذا نسجتُ علاقة حبّ غريبة مع ثلاث زهرات بريّة. فكرت أن أسعفهن بكوب ماء من بيتي القريب، لكن خشيت أن تصاب بصحوة الموت. ولولا أنني تأخرت يوماً واحداً لا غير، لكنت وثّقت هذه القصة بصورة فوتوغرافية تقطع شكوكهم ببراهيني.
في كل حال، لدي زهرة حنون صفراء - صفراء محنطة بين دفتي كتاب. رأيتها قرب «كوبر» في منتصف نيسان، وكانت أول زهرة حنون صفراء تقع عليها عيناي. كثيرون يقولون إنهم رأوا ويرون. القليلون يتذكرون رؤية المرة الأولى. الحياة كلها أن ترى كثيراً جداً، حتى ترى أكثر ما يمكن من المرات الأولى.. بما في ذلك ان تصمد ثلاث حنونات حمراوات حتى عتبة الانقلاب الصيفي، وأن أكون محظوظاً فقد رأيت شيئاً جديداً .. للمرة الأولى!
2 - الداعي: في ذلك اليوم، الخميس 14 صفر 1418هـ، الموافق 19 حزيران 1997 اختفت زهرتا حنون حمراوان. يعتقد أنهما قضتا غماً وحزناً على مصرع شقيقتهما الثالثة، التي قصفت عمرها ثلاث أصابع من يدي اليمنى، قبل أسبوع من الاختفاء الغامض لشقيقتيها.
3 - المدعو عليه: شُبّه للمجرم - الذي اقترف الجريمة من غير قصد - من شدة ولعه بالصمود الأسطوري لآخر ثلاث زهرات حنّون حمراء، (على كتف «سنسلة» في فيء شجرة سرو، في زاروب من زواريب صردا) أن الشقيقات الحمراوات الثلاث لسن حنّونات أصيلات، بل هجينات.
وفي اللحظة التي مدّ فيها المجرم يده اليمنى ليتقرّى الحقيقة، تساقطت بتلات الحنونة، كأنها قطرات دم أحمر قانٍ على يد المشتبه به.
4 - تحقيق أوّلي: حضرت الحنونات عرس الربيع متأخرات. فاتهن الزفاف. بكت الشقيقات الحمراوات حتى احمرت عيونهن. بدلاً من أن يأخذهن وسن النعاس وتعب البكاء إلى نوم حتى عرس ربيع آخر، فقد أصبن بمرض مجافاة النوم. وهكذا، امتدت السهرة وازداد الاحمرار في عيون الحنونات، وازداد اسوداد الكحل. في هذه الأثناء زفّت بقية زهور الربيع إلى حبل الصيف، وولدت، ورمت بذورها في رحم الأرض، أو سافرت بين أحضان الريح، أو عبر حويصلات الطيور.
5 - استنتاجات أوّلية: بين موت حنّونة من غير قصد، والاختفاء الليلي الغامض لشقيقتيها الثاكلتين (كنت ألقي عليهما تحية الصباح والمساء) مرت سبعة أيام حداد، صارت عروق الحنّونتين تصفرّ أكثر فأكثر، حتى صارت كعروق الحرفيش، وباقي نباتات عرس الربيع، اللواتي تحنّطن كأنهن مومياوات.
في هذه الأثناء، حنّت بتلات الحنونتين على بعضها البعض - في المساء خصوصاً - حتى صار يخيّل إليّ أنهما في طَوْر العودة إلى «البرعمة» وربما خجلاً من فضيحة هذا الأحمر القاني، وسط هذا الهشيم الأصفر. وربما كانتا تذاكران مادة البيولوجيا لامتحان آخر العام.
وتتراوح الظنون والتقديرات بين الاحتمالات التالية:
* البقرة الهولندية السمينة جداً، وربيبتها، افترستا زهرتي الحنون في أوبتهما اليومية بعد الغروب مباشرة.
* أولاد القرية داسوا الزهرتين خلال لهوهم بلعبة «بيسبول» أميركانية بثمرات التين والبرقوق، برغم توبيخي لهم على هذا الهدر.
* فهمت زهرتا الحنون أن الأولاد يوشكون على عطلة الصيف. وتذكرتا أن سهرهما المديد حتى موعد الانقلاب الصيفي في 21 حزيران، يعني استيقاظاً متأخراً عن عرس الربيع المقبل، فلا تجدان نحلة أو فراشة تزوجانهما إلى ديمومة الحياة.
6 - رأي خبير زراعي: هناك طفرات، وهناك اصطفاءات تتم في شروط ملائمة. فإذا استيقظت الزهرتان متأخرتين في الربيع المقبل، فهذا يعني ضرورة أخذ عينات من بذورهن لاستكثارها، فقد يصير في أرض البلاد نوع حنّوني محب لقيظ الصيف.
7 - رأي فلاح: يا زلمه. في هذه النقرة تشبع الأرض ماء. الشجرة فوقهما تحمي ما تحتها من ضربات الشمس.
* * *
هكذا نسجتُ علاقة حبّ غريبة مع ثلاث زهرات بريّة. فكرت أن أسعفهن بكوب ماء من بيتي القريب، لكن خشيت أن تصاب بصحوة الموت. ولولا أنني تأخرت يوماً واحداً لا غير، لكنت وثّقت هذه القصة بصورة فوتوغرافية تقطع شكوكهم ببراهيني.
في كل حال، لدي زهرة حنون صفراء - صفراء محنطة بين دفتي كتاب. رأيتها قرب «كوبر» في منتصف نيسان، وكانت أول زهرة حنون صفراء تقع عليها عيناي. كثيرون يقولون إنهم رأوا ويرون. القليلون يتذكرون رؤية المرة الأولى. الحياة كلها أن ترى كثيراً جداً، حتى ترى أكثر ما يمكن من المرات الأولى.. بما في ذلك ان تصمد ثلاث حنونات حمراوات حتى عتبة الانقلاب الصيفي، وأن أكون محظوظاً فقد رأيت شيئاً جديداً .. للمرة الأولى!