حسب مصادر صحافية تركية فإن إسرائيل ستدفع تعويضاً «سخياً» لضحايا سفينة «مرمرة» التي هاجمتها في العام 2010 وهي تحاول الوصول إلى قطاع غزة، كما أنها ـ أي إسرائيل ـ ستعتذر لتركيا عن الحادث بصورة رسمية وربما علنية.
تؤكد هذه المصادر، أيضاً، أن مصالحةً تركية إسرائيلية ستتم في الأسبوع القادم إثر لقاء سيتم في إحدى العواصم الأوروبية سينجم عنه إعلان عودة السفراء في أقرب فرصة.
ستتم المصالحة إذن دون رفع الحصار عن قطاع غزة كما كانت تطالب أنقرة، وسيتم «الاكتفاء» بدلاً من رفع الحصار بمرور المساعدات «الإنسانية» التركية إلى القطاع عبر ميناء أسدود. وبالعودة إلى الخطاب التركي بهذا الشأن فإن تركيا «تخلّت» عن رفع الحصار وقبلت «بالمصالحة» مقابل التعويض ومقابل صيغة «ما» للاعتذار.
أي أن تركيا في الواقع تنازلت عن الشيء الجوهري حسب الخطاب التركي نفسه وقبلت بالشكليات والثانويات على حساب هذا الجوهري على الرغم من أهمية الشكليات. إذا صحّت هذه الأخبار (أغلب الظن أنها صحيحة) فإن الأمر يثير الريبة والإدهاش في آن معاً.
الريبة لأن خطاب تركيا وكذلك حركة «حماس»، بل وحتى الخطاب القطري و»الإخواني» كان «يؤكد» أهمية الميناء، بل ووصلت الأمور إلى الحديث عن مطار، وفجأة يتم اختزال كل هذه المسائل في «قبول» إسرائيلي بمرور مساعدات إنسانية تركية عبر ميناء أسدود!!
ألا يثير هذا الأمر الكثير من الريبة؟
ما الذي يدعو تركيا للتراجع إلى هذا الحد؟
هناك سبب جوهري يقف وراء هذا التراجع.
معظم المراقبين يعزون السبب في ذلك إلى حالة العزلة السياسية التي تعيشها أنقرة مع دول الجوار. فقد تدهورت علاقاتها مع سورية والعراق ومصر واليونان وروسيا وغيرها، بل وحتى مع بعض البلدان الأوروبية، وتراجعت صورتها السياسية بشكلٍ ملفت وكبير بالتزامن مع التهور الذي بدت عليه السياسة التركية ارتباطاً بالملف السوري أولاً وبكافة ملفات الإقليم الأخرى ثانياً وتالياً، وبالترافق مع إقصاء التيار الذي كان يعارض الأردوغانية بشكلها الخاص وتحويلها إلى حالة من الزبائنية السياسية.
ولأن تركيا في حُلّتها الزبائنية باتت تحتاج إلى متنفّس سياسي ودبلوماسي للخروج من حالة العزلة والمختنق الذي تعيشه على المستوى الإقليمي بل والدولي، إلى حدٍ ما، فقد تمت التضحية بطموحات حركة «حماس»، خصوصاً وأن حركة «حماس» لا تمتلك رفاهية الرفض للصفقة الإسرائيلية التركية، سيّما وأن حركة «حماس» لا تملك أوراقاً جديّة للخروج من أزمتها الخاصة في ظل فشلها في التصالح مع مصر وتطبيع العلاقة مع الرياض.
تركيا تعرف أن حركة «حماس» في مأزق كبير وإسرائيل تعرف أن تركيا في مأزق أكبر ولهذا فقد لعبت إسرائيل على كلا المأزقين لإنهاء طموحات «حماس» من جهة وترويضها من جهة أخرى ثم لإيهام تركيا بأن تطبيع علاقاتها بصورة كاملة مع إسرائيل سيفك الطوق عن عزلتها التي صنعتها بيديها.
وفي التفاصيل فإنه مقابل موافقة إسرائيل على إنشاء مشفى تركي ومحطة صغيرة لتحلية المياه فسيتم عودة العلاقات العسكرية إلى سابق عهدها وسيتم رفع الاعتراض التركي على التعاون ما بين «الناتو» وإسرائيل، إضافة إلى عودة المناورات العسكرية المشتركة.
إذا تم استبدال «طموحات» حركة «حماس» بحزمة احتياجات خاضعة للاعتبارات الأمنية (إذ لا يعقل ألا يكون الاتفاق قد «أكّد» على هذا الاعتبار تحديداً». ولا يعقل أن تكون تركيا قد وافقت على تطبيع العلاقات بما في ذلك تلك العسكرية والأمنية دون أن يكون هناك ضوابط صارمة لأي «طموحات» عسكرية وأمنية لحركة «حماس».
لا يوجد عاقل يعتقد بأن تركيا وقطر كانتا تعملان لدعم القدرات العسكرية لحركة «حماس»، بل إن الغالبية الساحقة من العقلاء يعتقدون أن العكس تماماً هو الصحيح إذ إن كليهما كان يحاول إقناع حركة حماس بالتخلي عن تلك الطموحات العسكرية ومغادرة هذه الساحة والاستغناء عن كامل النهج الذي يولّد هذه الطموحات.
ومع ذلك فإن تركيا ومن خلفها أو من أمامها قطر قد حولتا هذا الترويض ونقلتا المسألة برمتها من دائرة «الحوار» إلى ميدان الأمر الواقع.
هذه هي بداية مرحلة جديدة لتحويل الانقسام إلى حالة انفصال واقعي موافق عليها إسرائيلياً، لأنها ستسير بالتوازي مع موافقة حركة «حماس» على تركيز جلّ الاهتمام على المساعدات والاحتياجات «الإنسانية.
لم يكن لأنقرة أن تنجز هكذا اتفاق دون مباركة قطر الكاملة ودون رضوخ حركة «حماس» بقدر ما يتعلق الأمر بالأجنحة العسكرية فيها وربما بتشجيع كامل من قبل «حماس» الخارج والأجنحة «المدنية» من «حماس» في القطاع نفسه.
كل فلسطيني وطني وغيور يريد أن يصل إلى غزة المزيد من هذه المساعدات، فأهلنا هناك يحتاجون إلى مئات أضعاف المساعدات التي يتم الحديث عنها، لكن كل فلسطيني وطني غيور يعرف أن المصالحة التركية الإسرائيلية ليست من أجل إيصال هذه المساعدات وأن ثمنها أكبر من موافقة إسرائيل على مرور تلك المساعدات من على واحد من أرصفة ميناء أسدود.
هذه مصالحة ليست بريئة، وهي ليست لله في لله كما يقولون في المأثور الشعبي الفلسطيني. كان بمقدور تركيا أن تفك طوق العزلة عنها لو حاولت تطبيع علاقاتها مع مصر مثلاً، أو لو تخلت عن استهتارها بالدولة العراقية أو لو تراجعت عن طموحها بتدمير سورية مهما كان الثمن.
لكنها اختارت إسرائيل دون عن باقي دول الإقليم، فهل يوجد ما يثير الريبة والإدهاش أكثر من ذلك؟
تؤكد هذه المصادر، أيضاً، أن مصالحةً تركية إسرائيلية ستتم في الأسبوع القادم إثر لقاء سيتم في إحدى العواصم الأوروبية سينجم عنه إعلان عودة السفراء في أقرب فرصة.
ستتم المصالحة إذن دون رفع الحصار عن قطاع غزة كما كانت تطالب أنقرة، وسيتم «الاكتفاء» بدلاً من رفع الحصار بمرور المساعدات «الإنسانية» التركية إلى القطاع عبر ميناء أسدود. وبالعودة إلى الخطاب التركي بهذا الشأن فإن تركيا «تخلّت» عن رفع الحصار وقبلت «بالمصالحة» مقابل التعويض ومقابل صيغة «ما» للاعتذار.
أي أن تركيا في الواقع تنازلت عن الشيء الجوهري حسب الخطاب التركي نفسه وقبلت بالشكليات والثانويات على حساب هذا الجوهري على الرغم من أهمية الشكليات. إذا صحّت هذه الأخبار (أغلب الظن أنها صحيحة) فإن الأمر يثير الريبة والإدهاش في آن معاً.
الريبة لأن خطاب تركيا وكذلك حركة «حماس»، بل وحتى الخطاب القطري و»الإخواني» كان «يؤكد» أهمية الميناء، بل ووصلت الأمور إلى الحديث عن مطار، وفجأة يتم اختزال كل هذه المسائل في «قبول» إسرائيلي بمرور مساعدات إنسانية تركية عبر ميناء أسدود!!
ألا يثير هذا الأمر الكثير من الريبة؟
ما الذي يدعو تركيا للتراجع إلى هذا الحد؟
هناك سبب جوهري يقف وراء هذا التراجع.
معظم المراقبين يعزون السبب في ذلك إلى حالة العزلة السياسية التي تعيشها أنقرة مع دول الجوار. فقد تدهورت علاقاتها مع سورية والعراق ومصر واليونان وروسيا وغيرها، بل وحتى مع بعض البلدان الأوروبية، وتراجعت صورتها السياسية بشكلٍ ملفت وكبير بالتزامن مع التهور الذي بدت عليه السياسة التركية ارتباطاً بالملف السوري أولاً وبكافة ملفات الإقليم الأخرى ثانياً وتالياً، وبالترافق مع إقصاء التيار الذي كان يعارض الأردوغانية بشكلها الخاص وتحويلها إلى حالة من الزبائنية السياسية.
ولأن تركيا في حُلّتها الزبائنية باتت تحتاج إلى متنفّس سياسي ودبلوماسي للخروج من حالة العزلة والمختنق الذي تعيشه على المستوى الإقليمي بل والدولي، إلى حدٍ ما، فقد تمت التضحية بطموحات حركة «حماس»، خصوصاً وأن حركة «حماس» لا تمتلك رفاهية الرفض للصفقة الإسرائيلية التركية، سيّما وأن حركة «حماس» لا تملك أوراقاً جديّة للخروج من أزمتها الخاصة في ظل فشلها في التصالح مع مصر وتطبيع العلاقة مع الرياض.
تركيا تعرف أن حركة «حماس» في مأزق كبير وإسرائيل تعرف أن تركيا في مأزق أكبر ولهذا فقد لعبت إسرائيل على كلا المأزقين لإنهاء طموحات «حماس» من جهة وترويضها من جهة أخرى ثم لإيهام تركيا بأن تطبيع علاقاتها بصورة كاملة مع إسرائيل سيفك الطوق عن عزلتها التي صنعتها بيديها.
وفي التفاصيل فإنه مقابل موافقة إسرائيل على إنشاء مشفى تركي ومحطة صغيرة لتحلية المياه فسيتم عودة العلاقات العسكرية إلى سابق عهدها وسيتم رفع الاعتراض التركي على التعاون ما بين «الناتو» وإسرائيل، إضافة إلى عودة المناورات العسكرية المشتركة.
إذا تم استبدال «طموحات» حركة «حماس» بحزمة احتياجات خاضعة للاعتبارات الأمنية (إذ لا يعقل ألا يكون الاتفاق قد «أكّد» على هذا الاعتبار تحديداً». ولا يعقل أن تكون تركيا قد وافقت على تطبيع العلاقات بما في ذلك تلك العسكرية والأمنية دون أن يكون هناك ضوابط صارمة لأي «طموحات» عسكرية وأمنية لحركة «حماس».
لا يوجد عاقل يعتقد بأن تركيا وقطر كانتا تعملان لدعم القدرات العسكرية لحركة «حماس»، بل إن الغالبية الساحقة من العقلاء يعتقدون أن العكس تماماً هو الصحيح إذ إن كليهما كان يحاول إقناع حركة حماس بالتخلي عن تلك الطموحات العسكرية ومغادرة هذه الساحة والاستغناء عن كامل النهج الذي يولّد هذه الطموحات.
ومع ذلك فإن تركيا ومن خلفها أو من أمامها قطر قد حولتا هذا الترويض ونقلتا المسألة برمتها من دائرة «الحوار» إلى ميدان الأمر الواقع.
هذه هي بداية مرحلة جديدة لتحويل الانقسام إلى حالة انفصال واقعي موافق عليها إسرائيلياً، لأنها ستسير بالتوازي مع موافقة حركة «حماس» على تركيز جلّ الاهتمام على المساعدات والاحتياجات «الإنسانية.
لم يكن لأنقرة أن تنجز هكذا اتفاق دون مباركة قطر الكاملة ودون رضوخ حركة «حماس» بقدر ما يتعلق الأمر بالأجنحة العسكرية فيها وربما بتشجيع كامل من قبل «حماس» الخارج والأجنحة «المدنية» من «حماس» في القطاع نفسه.
كل فلسطيني وطني وغيور يريد أن يصل إلى غزة المزيد من هذه المساعدات، فأهلنا هناك يحتاجون إلى مئات أضعاف المساعدات التي يتم الحديث عنها، لكن كل فلسطيني وطني غيور يعرف أن المصالحة التركية الإسرائيلية ليست من أجل إيصال هذه المساعدات وأن ثمنها أكبر من موافقة إسرائيل على مرور تلك المساعدات من على واحد من أرصفة ميناء أسدود.
هذه مصالحة ليست بريئة، وهي ليست لله في لله كما يقولون في المأثور الشعبي الفلسطيني. كان بمقدور تركيا أن تفك طوق العزلة عنها لو حاولت تطبيع علاقاتها مع مصر مثلاً، أو لو تخلت عن استهتارها بالدولة العراقية أو لو تراجعت عن طموحها بتدمير سورية مهما كان الثمن.
لكنها اختارت إسرائيل دون عن باقي دول الإقليم، فهل يوجد ما يثير الريبة والإدهاش أكثر من ذلك؟