ترسيم الحدود ومخاوف إسرائيل

التقاط
حجم الخط
 

كان طبيعياً أن تبدى إسرائيل قلقها من ترسيم الحدود البحرية بين شبه جزيرة سيناء المصرية وقطاع غزة الفلسطينية، وأن تعتبر هذه الخطوة بمثابة دق ناقوس الخطر الذى سيكون له أبعاد سياسية من شأنها أن تؤثر على كيانها وتهدد أحلامها فى التوسع البحرى الذى يجعلها تهيمن على حقول الغاز المكتشفة حديثاً فى عمق البحر المتوسط، أما فيما يخص حركة حماس التى تبسط سيطرتها على القطاع فربما خطوة كهذه تؤثر على مخطط إنشاء ميناء فى غزة، وهو المطلب الذى لم تنفك تنادى به نظراً لما يمثله من استقلالية اقتصادية لقطاع غزة بعيداً عن الحصار الذى يعانيه، وهو أيضاً المشروع الذى من شأنه أن يعزز نفوذها فى القطاع وإحكام السيطرة عليه بمعزل عن السلطة الفلسطينية.

ولأن القلق الإسرائيلى ينبع من أطماعها، فإن ترحيب السلطة الفلسطينية بترسيم الحدود يأتى فى إطار استعادة شرعيتها، ولا يخفى على أحد انزعاج السلطة الفلسطينية أثناء المباحثات بين تركيا وإسرائيل حول إنشاء ميناء فى غزة بعيداً عنها، وإصرارها الشديد على أن كل اتفاق يتعلق بميناء غزة أو الحدود البحرية للقطاع يجب أن يتم توقيعه معها، فجاءت تلك الخطوة مع مصر فرصة لاستعادة شرعيتها وتعزيز مكانتها فى كل ما يتعلق بالاتفاقات الدولية.

لقد دخلت الدول المطلة على السواحل الشرقية للبحر المتوسط سباقاً محموماً فيما بينها للبحث والتنقيب عن الغاز فى المياه العميقة، بهدف تأمين احتياجاتها من الطاقة وتثبيت حقوقها التاريخية، وكان الدكتور «رشدى سعيد» عميد الجيولوجيين فى العالم قد حذر من عدوان إسرائيلى مرتقب على الحقوق العربية فى غاز البحر المتوسط، مطالباً بضرورة التنسيق مع مصر وتركيا وقبرص ولبنان وسوريا وفلسطين فى هذا المجال لإجبار إسرائيل على ترسيم حدودها الاقتصادية بشكل عادل مع جميع الأطراف، ودعا سعيد للانتباه إلى طبيعة الخزانات الغازية التى ترقد فى الطبقات العميقة تحت الماء عند حدوث تداخل فى الحدود يوجب اقتسام احتياطيات مثل تلك الخزانات، وحال عدم ترسيم الحدود ووجود تداخل للحوض الترسيبى لاحتياطيات الغاز الطبيعى بين دولتين، يجب تحديد حصة كل دولة فى الغاز المكتشف وهى أمور تخضع لدراسات عدة وأطراف أخرى.

من هنا بدأت طبول الحرب تدق بالفعل، حيث تتنازع إسرائيل مع سوريا وتركيا ولبنان وقبرص ومصر وفلسطين المحتلة متمثلة فى قطاع غزة على الأحقية المشتركة فى حقول الغاز المكتشفة حديثاً بشرق البحر المتوسط، ويتمسك كل طرف بموقفه الذى يعززه بأن حدوده البحرية خط أحمر تندرج تحت طائلة السيادة الوطنية.

لقد اكتشفت إسرائيل بعض حقول الغاز بالقرب من منطقة غزة البحرية وصل إنتاجها إلى 48 مليار قدم مكعب فى السنة، ثم بدأ الانخفاض الملحوظ فيها، مما دفع إسرائيل لاستيراد الغاز من مصر ضمن صفقة تعرضت للانتقادات القوية والرفض الشعبى العنيف، وبعد ثورة 25 يناير تعرضت إمدادات الغاز للتوقف مرات عديدة وانتهى الأمر بوقف تزود إسرائيل بالغاز المصرى وإلغاء الاتفاقية.

فى الوقت نفسه كان سقف التوقعات لمشروع استخراج الغاز من سواحل قطاع غزة عالياً جداً بالنسبة للسلطة الفلسطينية التى كانت تخطو خطوتها الأولى نحو استقلال اقتصادى باستغلال مواردها الطبيعية، وفى عام 1999 بدأ العمل فى المشروع من جانب صندوق الاستثمار الفلسطينى مع شركات أجنبية أهمها شركة «بريتيش غاز» البريطانية، استطاع حينها الباحثون المتخصصون اكتشاف ما يزيد على 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعى، واتفقت الشركة البريطانية قى ذلك العام مع السلطة الفلسطينية للتنقيب عن الغاز فى منطقة غزة البحرية بكاملها، ومن ثم تطور الحقول المكتشفة ومد خط أنابيب إلى غزة، وكان من المتوقع أن يدر هذا المشروع للسلطة ما قيمته 2 مليار دولار، أى 50% من الأرباح، إلى جانب الاكتفاء الذاتى من الغاز لسد حاجة السوق المحلية، لكن المشروع وبحسب صندوق الاستثمار الفلسطينى توقف مع بدء انتفاضة الأقصى بسبب سيطرة إسرائيل على المياه الإقليمية الفلسطينية، واشتراط تل أبيب الحصول أولاً على موافقتها للسماح بمد أنابيب الغاز وتوريده للخارج، كما لم تسمح إسرائيل للسلطة بالاستفادة من المشروع لسد احتياجات السوق المحلية من الغاز بدلاً من استيراده، وبالفعل لم تتمكن الشركة من التطوير لأن إسرائيل امتنعت عن شراء الغاز أو الموافقة على نقله إلى مصر أو غزة، معتبرة أن ذلك سيكون مصدراً لتمويل ما تسميه بالإرهاب.