في كلمة له أمام حشد من الإعلاميين العرب، أشار الأخ خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، المقيم في العاصمة القطرية، الدوحة، إلى أن هناك مخططات إقليمية تحاك من أجل إعادة صياغة المشهد الفلسطيني، وصناعة قيادة جديدة له وفق مقاسات الإقليم وليس وفق متطلبات الفلسطينيين ومصالحهم، حسب وصفه.
وقد جاء هذا الكلام في الوقت الذي فشل فيه «مجددا» وفدا حركتي فتح وحماس في الاتفاق على إنهاء تقاسم وتقسيم الوطن الفلسطيني بينهما، على الرغم من كل الدعم الإقليمي للخطوة النهائية لإنهاء الانقسام، الذي عبرت عنه أكثر من عاصمة عربية ذات وزن وتأثير إقليمي، ما يعني بكل وضوح ودون لبس، أن «فتح» و»حماس» هما المسؤولتان عن الانقسام، وهما اللتان ما زالتا تصران على بقائه واستمرار السير على طريقه المدمرة، على الرغم من وجود فارق نسبي في المسؤولية بينهما، حيث تتحمل «حماس» المسؤولية الأولى والمباشرة عن حدوثه، بسبب ما قامت به من انقلاب عسكري، حسم الصراع السياسي على السلطة بينهما، عام 2007، كذلك تتحمل «فتح» المسؤولية بدرجة أقل، كونها «أم الولد» وأنها القائد الأول الذي ما زال يقود الشعب الفلسطيني، ومنوط بها حل مشاكله، ومنها حالة الانقسام التي عليها أن تضع حداً لها، ولو بالقوة، كما حدثت بالقوة!
«صح النوم» أخي أبو الوليد، لقد نبت على ألسنتنا الشعر من كثرة ما حذرنا من وجود نوايا ومخططات للذهاب إلى الحل الإقليمي، ذلك أن الانقسام الذي يمنع تشكيل جبهة وطنية موحدة لقيادة المقاومة في الضفة الغربية، يحول دون إنهاء الاحتلال عنها وعن القدس، ودون كسر الحصار عن غزة، وإن إسرائيل بعد تحقق رغبتها في حدوث واستمرار الانقسام، وعلى الرغم من وجود شريك نموذجي فلسطيني، إلا أنها لم تعد مضطرة لحل الدولتين، لذا فإنها، ترفض كل المقترحات التي تقترب من هذا الحل ومنها المبادرة الفرنسية وحتى المبادرة العربية، وإن موعد الدخول للحل الإقليمي بات وشيكا، وإن مثل هذا الحل، لا ينطوي على إغلاق ملف الدولة الفلسطينية المستقلة والموحدة، على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران عام 1967، وحسب _ حيث إن أبعد مدى منظور هو إقامة دولة فلسطينية، في قطاع غزة (موسع) فقط _ مع تقاسم الضفة الغربية ضمن اتحاد كونفدرالي مع شرقي الأردن وتقاسم وظيفي للقدس، وحل ملف اللاجئين ضمن دولة غزة وضمن التوطين، وإن نجاح هذا المخطط يعتمد على الجانب الفلسطيني المنقسم والضعيف والذي لا يقاوم الاحتلال بالشكل والدرجة المطلوبة.
المهم ليس فقط أن قائد «حماس» الفصيل الأول / مكرر في الشارع الفلسطيني، قد التقط هذا الأمر متأخراً وحسب، ولكن الأخطر أنه لاحظ فقط أن حلاً إقليمياً يتطلب قيادة جديدة، من أجل تنفيذه، وهذا برأينا أمر طبيعي، حيث إن القيادة ليست قدراً، وهي عادة هيئة تنفيذية، تقوم بقيادة الشعب من أجل تنفيذ برنامج محدد، فإن كان برنامج التحرر الوطني، فهي قيادة وطنية، وإن كان برنامج بناء دولة فهي قيادة تكنوقراط / مؤسسات، وما إلى ذلك. ثم إن من يرفض الحل الإقليمي، عليه أن يرفض كل التدخلات الإقليمية التي لا تمر عبر بوابة فلسطينية موحدة، كما تفعل تركيا وقطر وكما فعلت من قلبها إيران وسورية وحزب الله، أي كل حلفاء «حماس» السابقين والحاليين.
من الطبيعي مع تغيير برنامج الحل، أن تتغير القيادة بشكل جذري، والقيادات ليست صالحة لكل زمان ومكان، وما دامت قيادات: فتح، حماس، الجهاد، الشعبية، الديمقراطية وحزب الشعب والفواصل العشرية الأخرى قد فشلت فشلا ذريعا في الاقتراب من إنجاز هدف الانتفاضة الأولى المتمثل بالحرية والاستقلال، بعد مضي نحو ثلاثين عاما، وأكثر من ذلك ذهبت بالشعب الذي ما زال يبدي استعدادا عاليا للتضحية إلى ما هو أسوأ حين انحسر الاحتلال عن نحو 1% من مساحة فلسطين التاريخية (أي قطاع غزة)، حيث سارعت الحركتان الأكبر للاقتتال من اجل السيطرة على هذا الواحد بالمائة، فيما عجزت كل الفصائل الأخرى عن منع الانقسام، ومن ثم عن وضع حد له رغم مضي عشر سنوات عليه!
هل قيادات فتح وحماس وكل الفصائل الوطنية والإسلامية مجتمعة ومنفردة على مقاس الشعب الفلسطيني وتحقق مصالحه؟
لو كان في الإجابة جزء يسر من القول بنعم، فذلك يعني أن الانقسام مصلحة وطنية وأن العجز عن الوقوف في وجه المخططات المعادية، إنما دليل على ضرورة تغيير كل القيادات الموجودة، إن لم يكن ضرورة تغيير برامج وحتى كل هياكل الفصائل القائمة، إن لم يكن حلها بالكامل كلها!
ما قاله الأخ مشعل، عملياً تحاول قيادة السلطة بصبر ومثابرة، أن تجد حلا له، من خلال طرح أفكار جديدة للمصالحة، وهي إجراء الانتخابات فقط، مع الإبقاء على كل مؤسسات عهد الانقسام قائمة كأمر واقع، حتى يضمن الطرفان أن تسير الانتخابات وفق مصلحتهما التي يريانها بالإبقاء على ثنائية فتح / حماس وملحقاتهما في سدة القيادة والتحكم بمستقبل الشعب الفلسطيني لعقود تالية!
ومن ضمن موسم الهجرة للانتخابات إجراء الانتخابات المحلية، لعل فتح وحماس وأخواتهما تتغنيان بالفوز في مجلس بلدي هنا أو مجلس قروي هناك، وكأنهما حررتها فلسطين بالكامل!
على الرغم من كل شيء، فإن المشكلة لم تعد ممكنة بالترقيع، وكما فات إنهاء الاحتلال عبر حل الدولتين بالتفاوض، فإن لم يعد ممكنا أن «يلحق» الفلسطينيون حالهم بإنهاء الانقسام، فحتى إجراء الانتخابات لن يكون ما لم توفق عليه إسرائيل، لذا فإنه ما دام الفلسطينيون عاجزين عن التوحد والمقاومة، فإنهم سيعودون إلى ما كان عليه الحال قبل عام 1948، وكما يحدث في سورية واليمن وليبيا، حيث إن القوى الإقليمية والدولية هي من بات يقرر مستقبل سورية واليمن وليبيا، لن يختلف الأمر هنا في فلسطين!