لاحظنا في الفترة الأخيرة ازدياد الاهتمام ولو بشكل غير منسق أو غير منظم في التعليم المهني، أو التعليم التقني، أو بالأدق التعليم غير الأكاديمي، أي ليس التعليم الذي اعتدنا علية في الجامعات والكليات المختلفة.
وعلى الرغم من عدم وضوح وجود خطة إستراتيجية بعيدة المدى تتعامل مع التعليم المهني بشكل مستدام، أي بشكل يصبح فيه التعليم المهني جزءاً أساسياً من نظام التعليم في بلادنا، أي ليس مرتبطاً بمشروع هنا أو برنامج هناك أو توفر أموال من هذه الجهة أو تلك. على الرغم من ذلك فإن الاهتمام بالتعليم المهني، وبالأخص في أوضاع أو في ظروف مثل ظروف بلادنا، هي ظاهرة إيجابية تتطلب الدعم والتشجيع والحث على المضي فيها قدماً، سواء من ناحية النوعية أو الكمية، ولكي تصبح جزءاً أساسياً من استراتيجية التعليم في بلادنا، لا تتغير بتغير الأشخاص أو بتغير أولويات الدعم والمنح.
والتعليم المهني يرتبط بشكل مباشر بآفاق العمل والتشغيل والبطالة، وفي بلادنا تبلغ نسبة البطالة وحسب الإحصاءات الحديثة حوالى 26% من القوى العاملة، وتصل هذه النسبة معدلات أعلى بكثير عند الخريجين الجامعيين، وقد تصل إلى حوالى 80% عند الخريجين الجدد في بعض التخصصات، وهذا الوضع مأساوي بكل معنى الكلمة، مأساوي للخريجين ولعائلاتهم اللاتي استثمرت فيهم، وللوزارات المعنية بالتعليم العالي والتخطيط والعمل والاقتصاد وما إلى ذلك، وكذلك وضع مأساوي للمجتمع الذي يعتمد من اجل النمو والتقدم والتنمية على استثمار هذه الأحيال المتعلمة والمتدربة.
وفي ظل هذا الوضع، تتجلى أهمية التعليم المهني أو التقني، أو التعليم غير الجامعي والذي هو ربما أهم من التعليم الجامعي في بلادنا، والذي تستثمر فيه الدول المتقدمة الجزء الأكبر من الميزانية ومن الخطط الاستراتيجية، والذي يقبل عليه الكثير في هذه الدول، وعلى الرغم من الاهتمام المتزايد في التعليم المهني عندنا، إلا أن القليل قد تم على الصعيد العملي، من اجل تشجيع الإقبال على هذا التعليم أو خلق الفرص والإمكانيات من أجل توجه الطلبة نحوه، ومن ثم ربطه وبشكل إستراتيجي، سواء من حيث الكم أو النوع مع احتياجات المجتمع.
وللسير في هذا الاتجاه، فإن ذلك يتطلب سياسات وقوانين وأنظمة من أجل زيادة الإقبال على هذا التعليم، وهذه القوانين من المفترض أن تحدد الأسس ومن ثم الحوافز من أجل التوجه إلى هذا التعليم، وهذا يتطلب إيجاد تخصصات متقدمة ومحترمة تساهم في تقدم المجتمع كما ساهمت في تقدم مجتمعات أخرى وليس فقط تخصصات اعتاد الناس عليها خلال عشرات السنوات الماضية، ويتطلب كذلك توفير الإمكانيات من مختبرات ومشاغل وكوادر بشرية، ويتطلب زيادة الوعي عند الناس لتغيير نظرتهم إلى التعليم المهني والتقني وكأنه درجة ثانية بعد التعليم الجامعي، ويتطلب الشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص الذي لا يتقدم كما يتم في المجتمعات الأخرى دون الاعتماد على مخرجات هذا التعليم، والذي دونه لا يمكن التعامل وبشكل جدي مع قضية البطالة في بلادنا.
وفي دول متقدمة تكنولوجيا واقتصاديا وصناعيا ولا تعاني من البطالة وتداعياتها، يقبل غالبية الطلبة على التعليم المهني والتقني، ودون حساسية أو الشعور بأنه تعليم من الدرجة الثانية أو الثالثة، وتستثمر هذه الدول والقطاع الخاص فيه، وتتسابق الصناعة والشركات على خريجيه، ويجد الخريجون فرص عمل، ولا تبلغ نسب البطالة عند الخريجين تلك النسب التي تنطبق على خريجي الجامعات في بلادنا، التي وعلى ما يبدو سوف تستمر حتى إيجاد استراتيجية وطنية، يمكن تطبيقها عمليا، للإقبال اكثر وللاستثمار اكثر وبشكل مستدام ومن تم الاستغلال الأمثل للتعليم التقني والمهني في بناء الفرد والمجتمع.
شاحنات مصرية ضخمة تتوجه نحو فلسطين بقرار من السيسي
16 أكتوبر 2023