نشر "موقع المونيتور" الأمريكي تقريراً كتبه مراسله في غزة، عدنان أبو عامر حول مستقبل خالد مشعل في قيادة حماس، وجاء في التقرير:
تداولت وسائل الإعلام الفلسطينيّة والعربيّة والإسرائيليّة في الأيّام الأخيرة أنباء مفادها أنّ رئيس المكتب السياسيّ لحماس خالد مشعل، لن يترشّح إلى الانتخابات المقبلة للحركة التي قد تجري في الأشهر القليلة المقبلة. وعلى الرغم من أنّ هذه الأنباء لم تؤكّد من أوساط رسميّة من حماس، إلّا أنّ المجال فتح واسعاً أمام التكهّنات حول بقاء مشعل في قيادة الحركة أو تنحّيه، أو دخول أسماء جديدة على الترشّح لمنصب زعامة الحركة.
يقود مشعل (60 عاماً) حركة حماس منذ عام 1996، أي منذ عشرين عاماً تقريباً، وتمّ انتخابه رئيسا للمكتب السياسي لحماس في الانتخابات الداخلية الأخيرة في نيسان/أبريل 2012، فيما تواترت التقارير الإعلامية في الأيّام الأخيرة عن أنّ مشعل لن يترشّح إلى الانتخابات التنظيميّة التي ستشهدها الحركة، مع وجود تقديرات بأن تكون في آواخر تشرين الثاني/نوفمبر وأوائل كانون الأوّل/ديسمبر المقبلين.
التصريح اللافت صدر عن عضو المكتب السياسيّ لحماس في غزّة محمود الزهار، بإعلانه في 16 حزيران/يونيو لصحيفة العربي الجديد الصادرة في لندن، أنّ مشعل لن يترشّح إلى رئاسة المكتب السياسيّ، وذكرت صحيفة رأي اليوم اللندنيّة في 13 حزيران/يونيو أنّ مشعل أكّد لمقرّبيه، من دون تحديدهم، أنه لن بترشح مجددا للانتخابات الداخلية، ومن دون الإفصاح إن كان سيدعم مرشّحاً بعينه من قيادات الحركة لتولّي هذا المنصب أم لا.
وقال المستشار السياسيّ السابق لاسماعيل هنيّة في غزّة، رئيس حكومة حماس السابقة، أحمد يوسف لـ"المونيتور" إنّ "مشعل يمتلك كاريزما الزعامة، ونباهة سياسيّة، وعلاقات واسعة مع الدول العربيّة والإسلاميّة، ولكن ربّما آن له أن يترك رئاسة المكتب السياسيّ إلى قياديّ آخر، من دون التفريط بهيبته وقدرته على إدخال منصب جديد داخل الحركة تحت عنوان الأمين العام للحركة، وانتخابه له بالتزكية، وهو منصب لم تعرفه حماس من قبل، حفاظاً على مكانته التي رسّخها طوال عقدين من الزمن، وله بصمات وأثر لن يغفلها أحد".
ربّما لا يعرف أحد ما الذي قد يقدم عليه مشعل، سواء بالترشّح مجدّداً، أم بالانسحاب من قيادة حماس، لكنّ ذلك يفتح الباب واسعاً أمام للترشّح أمام عدد من القيادات السياسيّة التي ترى نفسها مؤهّلة لخلافته في توقيت حرج تمرّ به القضيّة الفلسطينيّة، سواء في اتّجاه العلاقات الفلسطينيّة الداخلية، أم في مستقبل المواجهة مع إسرائيل، وترميم علاقات حماس الإقليميّة.
من الأسماء المتداولة في الأيّام الأخيرة لخلافة مشعل، يظهر موسى أبو مرزوق، من أكثر المرشّحين حظوظاً، فهو أوّل رئيس للمكتب السياسيّ لحماس منذ عام 1992، ومن خلال هذا الموقع امتلك شبكة علاقات إقليميّة ودوليّة واسعة، حتى تم اعتقاله في الولايات المتّحدة الأميركيّة في عام 1995، بتهمة تحويل أموال لمقاتلي الجهاز العسكريّ لحماس، كتائب عز الدين القسام، ثمّ تم الإفراج عنه في عام 1997.
كما أنّ نائب رئيس المكتب السياسيّ لحماس، ورئيس الحكومة الفلسطينيّة السابق، اسماعيل هنيّة من أهمّ من قد يترشحون في حال بدأت الانتخابات الداخلية لحماس، وله رصيد شعبيّ كبير، وفقاً لاستطلاع أجراه المركز الفلسطينيّ للبحوث السياسيّة والمسحيّة في الضفة الغربية، في آذار/مارس، أظهر أنّه لو جرت انتخابات رئاسيّة فإنّ هنيّة، سيفوز على الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس.
لكنّ القناة الإسرائيلية الثانية ذكرت في 17 حزيران/يونيو أنّ القياديّ العسكريّ في حماس، يحيى السنوار، سيخلف مشعل، بسبب الدعم الكبير الذي يحظى به من كتائب القسام الجناح العسكري لحماس، وقد أفرج عنه في صفقة التبادل بين حماس وإسرائيل في عام 2011، بعد قضائه 22 عاماً في سجونها.
رفض الناطق الرسميّ باسم حماس، المبعد إلى قطر حسام بدران في حديثه إلى "المونيتور" التطرّق إلى قائمة المرشّحين، قائلاً إنّ "حماس تنظيم قائم على المؤسّسات، وتلتزم باللوائح المعتمدة لديها، وقياداتها تصل إلى مواقعها القياديّة بانتخابات دوريّة تجري في المناطق الفلسطينيّة في الداخل والخارج، وكلّ قياديّ في حماس له دوره في العمل، بغضّ النظر عن موقعه التنظيميّ الذي قد يتغيّر من مرحلة إلى أخرى، لكنّ قدرة حماس وإصرارها على إجراء الانتخابات الداخليّة، يعتبران إنجازاً يسجّل لها، ونموذجاً يستحقّ الاقتداء به من الفصائل الفلسطينيّة الأخرى".
عاشت الحركة خلال قيادة مشعل محطّات كبيرة، لعلّ أهمّها انتفاضة الأقصى في عام 2000، والانتخابات التشريعيّة في عام 2006، التي فازت فيها حماس، وحروب إسرائيل الثلاثة على غزّة في أعوام 2008، 2012، و2014، وصولاً إلى نشوء تحالفات إقليميّة جديدة للحركة مع قطر وتركيا، وتراجع تحالفات أخرى مع سوريا وإيران، وربّما استطاع مشعل إدارة هذه الملّفات بنجاحات نسبيّة، مقابل بعض التراجعات، نظراً إلى حجم التحدّيات التي فاقت قدرة الحركة، مثل توقف الدعم الإيراني عن حماس في 2012، والإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر في 2013، والإجراءات المصرية ضد حماس بإغلاق الأنفاق بين غزة وسيناء.
وقال مسؤول فلسطينيّ مقرّب من الرئيس عبّاس التقى مع مشعل مرّات عدّة، رفض الكشف عن هويّته لـ"المونيتور" إنّه "على الرغم من خلافنا مع حماس التي يقودها مشعل، لكن يحسب له قدرته على التوازن بمواقفه السياسيّة، في العلاقات الفلسطينيّة الداخليّة، وليس سرّاً أنّ هناك كيمياء شخصيّة حكمت علاقة مشعل وعبّاس، أكثر من باقي قيادات حماس، ونأمل من أيّ تغيير مقبل في حماس السير في الاتّجاه الوطنيّ الوحدويّ ذاته الذي سلكه مشعل".
ذكر موقع قناة الأقصى الفضائيّة التابعة إلى حماس في 2 حزيران/يونيو أنّ قيادة حماس الجديدة بعد الانتخابات المقبلة ستجد نفسها أمام ملفّات مهمّة، أهمّها العلاقة مع دول الإقليم، بما فيها إسرائيل، ومع الإخوان المسلمين، ومصالحة فتح.
أكّد أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنيّة في نابلس، ورئيس المركز المعاصر للدراسات وتحليل السياسات رائد نعيرات لـ"المونيتور"، أنّ "الأمر محسوم هذه المرّة بعدم ترشّح مشعل مجدّداً إلى قيادة حماس، كونه يقودها منذ عام 1996، وهذا أمر يحسب لحماس، بأن يتنحّى زعيمها عن رئاستها بصورة طوعيّة عبر الانتخابات، لكن لا أظنّ أنّ تغييراً كبيراً سيطرأ في السياسة العامّة لحماس بعلاقاتها الفلسطينيّة والعربيّة والدوليّة، فمن سيأتي بعده جزء من قيادتها الحاليّة، مع أنّ مشعل لديه حكمة سياسيّة في التعامل مع الملفّات السياسيّة، ويمتلك حيّزاً كبيراً من البراغماتيّة، واعتبرته العديد من دوائر صنع القرار أنّه صمّام أمان لحماس في محطّاتها المفصليّة".
أخيراً... قد يبدو مبكراً الحديث عن طيّ صفحة مشعل في قيادة حماس، على الرغم من أنّ الأنباء تتواتر عن اقتراب انتخاباتها الداخليّة، وظهور أسماء مرشّحة جديدة، فيما يلتزم مشعل بالصمت الكامل، ولم يصدر عنه أيّ تعقيب.
ولو أنّه قدّر لمشعل أن يغيب عن صدارة قيادة حماس من الناحية التنظيميّة والتنفيذيّة، فلا يبدو أنّه سيبقى بعيداً عن دوائر صنع قرارها، بالنظر إلى تأثيراته على عدد من قادة الحركة الحاليّين، وحاجتهم الدائمة للاستفادة من خبرته الطويلة. ومن يعلم؟ فقد يعود الرجل مجدّداً بعد أخذه استراحة محارب من هذه الدورة الانتخابيّة