كنا ننتظر من الأخ الرئيس أبو مازن وقد حط رحاله في العاصمة القطرية (الدوحة) أن يلتقي الأخ خالد مشعل، ويتبادل معه أطراف الحديث حول المصالحة ومستقبل الوطن، بالرغم من إخفاق وفد فتح وحماس في تحقيق شيء على الأرض.
إن موقع الرئاسة هو منزلة أبوية، قبل أن يكون عنواناً للحاكم بأمره، وأن المسئولية الوطنية على كاهلالرئيس تفرض عليه التحرك في كل اتجاه يمكن أن يحقق وحدة الصف، ويجمع شمل الوطن.
يا سيادة الرئيس.. لقد بدأت رحلتك للدوحة وكأنها زيارة عائلية لتفقد الأحفاد، وليس بحثاً عن لقاء لإنهاء الانقسام. كنا نعتقد أن الرجل الحكيم لا يترك فرصة إلا وعمل على استثمارها، وخاصة وأنت تطوف أركان الدنيا تبحث عن خلاص لقضية شعبك.
انتظرناك.. وراهنا أنك لن تُضَيع الفرصة، وسوف تلتقي بالرجل صاحب الحكمة، والذي يمثل قيادة حماس، حيث كنا نؤمل من خلال اللقاء - وببركة الشهر الفضيل – أن تصل معه إلى اتفاق أو على الأقل التوصل إلى تفاهمات تحفظ منسوب الأمل فينا عالياً.
لقد أصابتنا الصدمة وخيبة الأمل عندما غادرت إلى المملكة العربية السعودية، فيما بدا وأن كل همَّك هو أن تقدم هدية للملك سلمان عن تاريخ ولادة إسرائيل.!! لقد عجزنا - يا سيادة الرئيس - عن فهم أبعاد ذلك
ومدلوله القيمي لديك.
يا سيادة الرئيس.. اسمح لي أن أعبر عن خيبة أملي وشعوري بالإحباط لتكرار تلك الأخطاء، التي نراك تقع فيها واحدة تلو الأخرى.. كانت آمالنا معلقة في لقاء الدوحة، وكنَّا نؤمل على حكمتك السياسية، ولكن - للأسف - أوجعتنا تصرفاتك، ولم نجد ما ندافع فيه عنك .
يا سيادة الرئيس.. كم هي عدد السفريات التي قمت بها منذ توليك رئاسة السلطة عام 2005؟ بالتأكيد لا تعد ولا تحصى، ولم نجني منها إلا طهي الحصا، وخيبات الأمل.
يا سيادة الرئيس.. إن مفتاح الحل هو بيد شعبك، والتي تسببت سياساتك بتعطيل كل مؤسساته، وأصبحت بمواقعك القيادية تملك كل شيء، ولا يجرؤ أحد على مراجعتك، ولم تعد في المقاطعة خيول تصهل، والكل يخشى بأسك، حيث تمارس صلاحيات من يرفع هذا أو يضع ذاك، وبشكل يستدعي القول: "هو الأول والآخر والظاهر والباطن"؛ أي أنك أصبحت الرجل الذي بيديه مفاتيح كل شيء..!!
يا سيادة الرئيس.. نحن نعلم أن الملأ من حولك ليسوا أهلاً للقيادة، وأن البطانة التي تنصح لك عاجزة وغائبة الأهلية، وأنت في هذه السن المتقدمة من العمر لم تعد تطمح بالتغيير، لذلك تكثر العثرات، وتطيش – للأسف - الحكمة والصواب.
يا سيادة الرئيس.. وأنت لديك من التجربة والعمر الكبير، ولكن هذا لا يكفي لأن تصبح كل مقاليد الأمور والقرارات مئالها إليك، فالمُلك لا يستقيم إلا إذا صاحبته الحكمة (وآتيناه الملك والحكمة)، وهذه قد تتأتي بالبطانة الصالحة والخيّرين من الناس.
يا سيادة الرئيس.. لا تراهن كثيراً على الزمنن، ولا تركن إلى الصحة والعافية، حيث إن أعمارنا في محيط الستين والسبعين، وأرنا قد تخطينا ذلك بقليل، والآن هو وقت العمل بالخواتيم، ونحن ندعو الله لكم بحسن الخاتمة، وأن يلهمكم التوفيق والسداد، وألا تكون عاقبة أمركم خسرى.
يا سيادة الرئيس.. الخشية أنك لم تفقد حماس وحدها، بل أوشكت أن تفقد حركة فتح كذلك، وإذا استمرت السياسات القائمة في التعامل الفظ واللاإنساني مع قطاع غزة فلن يكون لك في القطاع إلا من يخشى على راتبه، فاليوم شبيبة فتح محسومة للنائب محمد دحلان بامتياز؛ هؤلاء الشباب الذين تقطعت بهم الدروب ولم يجدوك أباً حانياً لهم، ووجدوا في بعض من خاصمت طوق نجاة ومثابة آمنة ترعاهم، وتتابع أخبارهم، وتمنيهم بعودة وغدٍ أفضل، فهو الوحيد مع بعض رجالاته المخلصين لفتح والقضية من يحافظ على ما تبقى من وحدتهم، ويعمل على ترميم ما تهدم منها. وهذه حقيقة يعرفها القاصي والداني، ولكنها ربما تغيب عن ذكر من يقدمون لك التقارير حتى لا يغضبوك.
يا سيادة الرئيس.. كلما شاهدنا طريقتك في التعالي على شعبك، وحتى تعاملاتك مع قياداته السياسية في فصائل العمل الوطني والإسلامي، كلما تذكرنا أبا عمار القائد والأب والزعيم؛ الذي حافظ على وحدتنا الوطنية، وظلت خيمته رغم بساطتها هي مظلتنا جميعاً.
يا سيادة الرئيس.. إن كل من يزور رام الله من أهلنا في القطاع، يعود إلينا بالقول: ليس هناك في المقاطعة من يريدكم أو يترحم عليك، وكلهم يريدون لغزة أن يبتلعها البحر.!!
السؤال الذي أتركه برسم الإجابة بين يديك يا سيادة الرئيس: هل هذا هو الأثر الذي تريد أن تتركه ليتذكرك به الناس ؟ وهل هذا النهج في "تطنيش" قطاع غزة، وتركه محاصراً يحتضر، هو ما يشفي الغليل لبعض من عندك ؟
يا سيادة الرئيس.. أدعوك للتأمل والنظر؛ لأننا حقاً نريد لك الخير، وفي النهاية هذه هي الحقيقة: يمضي الرجال، ويبقى النهج والأثر.