بعثرت ناتاشا ذات مساء صُورَ الماضي ووجدت صُوراً تعودُ بها إلى صفوف الإعدادية، وبالتّحديدِ للصفِّ السّابع. فهي لم تكن ابنةً مُرفّهة مِنْ طبقةِ الأغنياء صوّروا لها مراحلَ عُمرها منذ ولادتها حتَّى كبرتْ بكاميرات ملونة، لكنْ أقدم صُورة لديها كانت تعودُ إلى صفِّ الروضة، وهي صورةٌ بالأبيض والأسود وصغيرة الحجم وملامحها شبه باهتة.
وضعتْ ناتاشا الصُّور في جهازِ ذاكرتها ورجعتْ بها إلى سنواتِ البؤسِ والضّيق:
فتذكّرتْ ذلك اليومَ العاصف، حينما أمرتْ مُديرة إحدى المدارس بأنْ تقص الفتيات شعر رؤوسهن، فذهبتْ إلى الكوافيرة، وكانتْ تلك الكوافيرة تجلس على كرسيٍّ قديمٍ، وكان الصَّدأ جلياً على أرجلِه في صالون منزلِها الذي يبعد عدة كيلومترات عن مدرسة ناتاشا.
فتذكّرتْ ذلك اليومَ العاصف، حينما أمرتْ مُديرة إحدى المدارس بأنْ تقص الفتيات شعر رؤوسهن، فذهبتْ إلى الكوافيرة، وكانتْ تلك الكوافيرة تجلس على كرسيٍّ قديمٍ، وكان الصَّدأ جلياً على أرجلِه في صالون منزلِها الذي يبعد عدة كيلومترات عن مدرسة ناتاشا.
كانتْ الكوافيرة تقبضُ الأجرة سلفاً ثم تبدأُ بالقصّ، وتذكّرتْ ناتاشا، حينما فرشتْ لها تلك الكوافيرة والتي بدتْ غريبة الأطوار قطعةً مِنْ قماشٍ أبيض على ذاك الكُرسي الصَّدئ، وعندما جلستْ ناتاشا، بدأت الغيومُ تتجمّع حتّى بدا الجوُّ على وشكِ هطول الثلج، ولمْ تكد الكوافيرة تقص رُبعَ شعرها حتّى حلّت العتمة، فلمْ تعدْ بإمكانها أنْ تقشعَ لتواصلَ دون أنْ تعبثَ بخُصلاتِ شعرها الأخاذ، فقالتْ لها الكوافيرة بنبرةٍ آمرة:
عودي يا ناتاشا عند مساء الغدّ لأكملَ قصَّ شعركِ، لكنَّ ناتاشا لمْ تناقشها، وأعطتها الحقّ، لا تعرفُ لماذا، ربّما لأنَّ ناتاشا لمْ تُحبّ المجادلة، وعندما خرجتْ مِنْ ذاك الصّالون سارتْ وهي تتحسّس شعرها بيديها.
وفي اليوم التالي ذهبتُ ناتاشا إلى المدرسة، والغريب أنّ أحداً لمْ يلحظ قصّة شعرها الغريبة، إلّا تلك المُديرة الشّرسة التي وصفتها بصفاتٍ ليستْ مُناسبة أمام زميلاتها. فتلك المُديرة كانتْ تتمادى في إهانة من لا يعجبها.
وتذكرتْ ناتاشا بعد إيابها من المدرسة بأنَّها لمْ تتجه إلى الكوافيرة ذاتها، واتجهتْ إلى أحدى صديقاتها، وتوسلتْ منها أنْ تجلب المقصّ وتكملُ هي قصَّ الثلاثة أرباع المُتبقية من شعرِها. وكلما تفادتْ فكرتها، زادتها تصميما، أقنعت صديقتها بأنَّ المسألةً سهلةٌ. فأمسكتْ بالمقصِّ وبدأت تقصٌّ شعرها .. ورأت بأن العملية تقريبا كانتْ ناجحة.
وعندما نما وطال شعرُها مرة أُخرى، وقفتْ أمام مرآةٍ كبيرة وتناولتْ المقصَّ وبدأتْ تقصّه بنفسِها، وكانتْ العملية مرة أخرى ناجحة إلى حدٍّ معقول، وقد اقتصدتُ أجرة الكوافيرة غريبة الأطوار لنفسِها والتي كانتْ تعوزها أكثر منها.
ومنذ ذلك لمْ تذهب ناتاشا إلى صالونِ تلك الكوافيرة، ولمْ تفقد وقتاً في صالونِها تنتظرُ أنْ يأتي دورها، ولمْ تبعزق مالاً، بلْ ووفّرتْ ذلك الوقت لقراءةِ روايةٍ لأحدِ الكُتّاب المرموقين، وذاك المال أعطته لامرأةٍ مُعدمةٍ وجديرة تستحقُّ الحياة.