«جنّة داعش» بدمٍ فلسطيني

عبد الناصر النجار
حجم الخط
لا نعلم ما هو تعليق الخليفة الداعشي أبو بكر البغدادي وبطانته على جريمة مطار إسطنبول، وكيف سيفتي بأن الدم الفلسطيني هو الطريق إلى جنّته.
عائلات فلسطينية كانت تمرّ بمطار إسطنبول ربما كعشرات العائلات الفلسطينية الأخرى التي تستخدم المطار التركي «للترانزيت» إلى مناطق أخرى في هذا العالم الذي لم تعد أي بقعة منه لا يوجد فيها فلسطيني. أو ربما لإقامة مؤقتة في تركيا، دون أن يخطر على بالها بأن هناك إرهابا باسم الإسلام يضرب دون رحمة.
كانت الشعارات الإسلاموية السابقة تقول إن الطريق إلى القدس تمرّ عَبر هذه العاصمة أو تلك المنطقة، وكانت القضية الفلسطينية شمّاعة استخدمت من أجل اللعب في عقول وتفكير الناس، ولكن استخدام القضية الفلسطينية كشعار لم تشاهد أي فعل حقيقي من أجل فلسطين سوى الإرهاب والحرق وقطع الرؤوس، وهي أفعال شيطانية لن تزيد القضية الفلسطينية إلاّ ضعفاً، بل على العكس من ذلك فإن كل أعداء فلسطين أصبحوا يستخدمون «داعش» ومثيلاتها كشمّاعة للتحذير من ان أي تغيير في واقع الأمر الفلسطيني سيؤدي إلى مزيد من الإرهاب. بل إن تل أبيب تستغل واقع «داعش» لنشر فكرة «الإسلاموفوبيا» وترهيب العالم، ومحاولة اللعب على وتر أن الاحتلال هو حامي الديمقراطية وخط دفاع عن الغرب الديمقراطي.
فعلاً، ماذا يريد «داعش» من التفجيرات في تركيا؟! وهل السبب هو ضرب نظام أردوغان، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أم هي تنفيذ لمخططات مخابراتية من هنا وهناك من أجل إحداث تغيير عميق في الشرق الأوسط.
«داعش» المخلوق المُشوَّه، لن يبني الدولة الإسلامية بل هو يستغل هذا الاسم، لأن من ساهم في خلق «داعش» يعلم أن فترة الصلاحية لهذا التنظيم هي لفترة محددة ومن ثم يصبح تاريخ صلاحيته منتهياً، ولا بدّ من استبداله. وربما السبب الرئيس لهذا المخلوق المُشوَّه هو تحقيق مخطط الشرق الأوسط الجديد القائم على مبدأ تفتيت الدولة، وهذا فعلاً ما يحصل.
ففي سورية هذا التنظيم هو عملياً أداة تدمير وتخريب لن يتمكن من أن يقيم دولة الخلافة في سورية كما يدعي، بل كل ما يقوم به عملية كرٍّ وفرٍّ، يحتل هذه القرية أو جزءاً من تلك المدينة أو يسيطر على مساحات من الصحراء، سرعان ما يطرد من هذه المناطق ليعود إليها.. كل ذلك من أجل انهيار كامل للسلطة ومن ثم تحقيق مبدأ التقسيم الذي فشل حتى أيام العثمانيين وما بعد ذلك في عهد الاستعمار.
العراق، أيضاً، يعاني، وهي فرصة ذهبية لسيطرة إيرانية كاملة على هذا البلد العربي الأصيل والذي كان يعتبر في وقت ما حامي البوّابة الشرقية للعرب.
أفعال «داعش» وسيطرته على مساحات من العراق لن تطول، ولكنها مبرر قوي للقوى العالمية للتدخل في الشأن العراقي. وربما بغداد تدار فعلياً من عاصمتين أساسيتين هما طهران وواشنطن رغم العداء الظاهري بينهما.
تدخل الإسلاميين في اليمن خلال السنوات الماضية، وقبل الانقلاب الحوثي، تسبب، أيضاً، في إضعاف الدولة ومن ثم انهيارها أمام المدّ الحوثي الذي يدور في فلك إيران. والحرب اليمنية مرشحة لفترة طويلة من الزمن، لن يكون فيها منتصر أو خاسر، بلا إن جميع الأطراف العربية هي خاسرة كبرى.
إذاً، هذا هو «داعش» وهذه نتيجة إضعافه، فلا دولة إسلامية قامت، ولا منهج رباني طُبِّق، ولكن مجموعات تقاطرت من كل أنحاء العالم لكل منها هدف ومصلحة خاصة، ولكنها مجتمعة على إعادة العرب والمسلمين إلى عصور الظلام والتخلُّف.
الدم الفلسطيني استبيح في كثيرٍ من المناطق خلال العقود الماضية، وجاء تنظيم «داعش» ليكمل مسيرة الخيانة والعمالة، ولكن هذه المرة بشكل أخطر تحت مُسمَّى الدين والإسلام.
بعد هذا الدم الفلسطيني المسفوح على مذبح «الداعشيين» القتلة، لا بدّ من لحظة استيقاظ من الجميع. لعلّ تصرفات كثير منّا هي التي ساعدت هذا التنظيم الإرهابي للتغلغل فيما بيننا بمخططات سرطانية، ستكون نتائجها كارثية بشكل أساسي على العرب.