تراجع منظومة القيم والعنف الداخلي

صلاح هنية
حجم الخط
لن الجأ للبكائيات لارثي حالنا واحوالنا وانتقد كل المحيط وتضيع البوصلة في ضوء ماساة يعبد ونابلس قبل يومين، ولن اقول كان يجب وكان بالامكان افضل مما كان، ولن اكون مثلي مثل لواء متقاعد أو وكيل وزارة متقاعد فالجأ لرثاء الحال وكأن تقاعدي يخلي مسؤوليتي، ولن أكون مثل بعض الكادر التنظيمي الذي فقد موقعا أو فقد تنظيمه امتيازا فاحز السكين تجهيزا للذبح اللفظي.
سئمنا من التحذير مما ستؤول اليه الاوضاع في ضوء تحول الكل الوطني والكل المثقف إلى محلل سياسي واجتماعي ومتنبئ للمستقبل « الآتي افظع» « الوضع على كف عفريت» « العلاج في الميت غير مجدي»، وذاك الذي يتلذذ على نفس الارجيلة في المقهى وذاك الذي يتلذذ على افطار رمضاني في فندق أو مطعم خمسة نجوم يصرح علنا في الجمع « ما أحنا حكينا ما حد رد علينا خلص هينا قاعدين واللي بعيش بشوف «.
سئمنا من تكرار التحذير من حالة الخمول التي اصابت جزءا لا بأس فيه من الذين عليهم واجب تقديم الخدمة وانجاز معاملات للمواطن وبات امرا روتينيا حالة الخمول التي انعكست سلبيا على المواطن/ة وتشكل عاملا من العوامل لما رأيناه منذ يومين مضت، وهناك سوء نوايا وراء حالة الخمول تلك تفضي الى توسيع دائرة الشك بالنوايا ذاتها.
مللنا تكرار التحذير من قيام بعض التنظيمات السياسية  بتضخيم الحالات السلبية وتكرار الحديث عنها ظنا منهم انهم بذلك يستقطبون الجماهير لكن ما نراه هو احباط الجماهير وعزوفها عن الحياة السياسية وقناعتها انهم غير قادرين على صناعة الفرق.
هناك مسلمات لا يجوز تجاوزها في معالجة تلك الحالة ولا يعقل ان يتم تجاوزها ومن وجهة نظري هي متمثلة بعدة محاور:
لم يعد عملا تطوعيا أن تدرس حركة فتح وضعها التنظيمي ومسؤولياتها الاكبر والاهم على الواقع الفلسطيني الداخلي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتعبوي، لن يصلح حال البلاد والعباد وحركة فتح لا تقييم وزنا لمكانتها ودورها وطليعيتها، وأن كانت حركة فتح خارج الحكومة فهي ليست خارج الحالة الوطنية العامة ولا يجوز لها ذلك.
منذ سنوات والدول المانحة تضخ اموالا في مجال تعزيز القدرات في الجهاز القضائي والنيابة العامة وفي مجال البنية التحتية للجهازين، وهذا يقع امام ناظرينا كمجتمع وبالتالي لم يعد بالامكان التماس عذرا لحالة الازدحام في القضايا العالقة في القضاء بصورة أدت الى وجود قضاء عشائري وصك صلح يومي وفي المقابل فنجان قهوة، اضافة لحالات فيها واسطة من شخصيات لضمان انهاء الامر قبل وصوله للنيابة والقضاء وبالتالي نجلس فوق بركان جاهز للانفجار.
تراجع منظومة القيم وتراجع الاعتماد على التربية والتعليم كنواة ومؤسسة مسعفة في ملف التعليم على القيم، والمحزن ان التربويين في الانتفاضة الاولى كانوا يعقدون مؤتمرات تربوية جل تركيزها على التربية على القيم، وهناك مؤتمرات ذهبت باتجاه فلسفة المناهج الفلسطينية وملامح المناهج الفلسطينية بعد الخلاص من الاحتلال، اليوم نحن نرى ونعيش تراجع منظومة القيم ولا تفعل شيئا بالمطلق لا في المؤسسة التربوية ولا في الاسرة.
لا زالت قنوات التاثير على صناعة القرار في فلسطين مسدودة ولا يراد تسليكها ، وصار الوطن عبارة عن طاولة مستديرة لخبراء يبحثون عن حل اللغز عبر اقتصاديا وثقافيا وتربويا وسياسيا في محاولة لاستشراف المستقبل وحتى وجود ممثلي الفصائل على تلك الطاولات لم يأت بأية اضافة نوعية لأن قنوات التأثير ظلت مسدودة وغير سالكة.
هناك مفاتيح في بعض الوزارات والهيئات غير الحكومية كان امثالهم في بداية تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية اذا لم يمارسوا دورهم كمفاتيح للخير ولجودة الخدمة للمواطن ومتابعة القضايا الصغيرة قبل الكبيرة يقعون في ورطة من حجم المساءلة والمتابعة، اليوم باتوا جزءا من المشكلة وليسوا جزءا من الحل، في أي توجه لهم على أمل ان مواقعهم مؤثرة ومهمة وقادرين على التغير والتاثير تراهم يبحثون عن شماعة بروتوكول باريس الاقتصادي، والتعاطف مع الجهة التي تقدم بخصوصها الشكوى، وفي أخر النهار «سيبك»، وترى سيلا من الصور التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي عن مشاركتهم في مؤتمرات وورشات عمل في اصقاع العالم ومن ثم يعودون ليعلنوا انهم يحتسون قهوة الصباح في غير رمضان في ذاك المقهى الفاره قبل توجههم للعمل ليحاسبوا مراسلا على تأخره خمسة دقائق.

فصل الخطاب ...
نحن نعيش هذه الايام حالة من الاحتقان اسبابها الرئيسية اقتصادية اجتماعية ولن يصدقكم القول من قال انها حالة احتقان سياسي، الناس اليوم تبحث عن العدالة الاجتماعية تبحث عن حقها بتوفير قوت يومها ومستلزمات حياتها، لم يعد مجديا أن يسمع المواطن عن صفقات اراضي تجاوزت المليوني دولار وهو ذاته لا يستطيع أن يشتري كيلو غراما من اللحوم، لم يعد مجديا الافصاح عن حجم ارباح لشركات  بالملايين  بينما هناك اشخاصا لا يحصلون الحد الادنى للاجور.
احتقان جوهره اقتصادي لأن البعض بات لا يضمن جودة الخدمات الصحية المقدمة له وتوفر الادوية وعدالة اسعار الادوية وعدالة اسعار كشفيات العيادات والمستشفيات الخاصة، فالمريض واسرته لا يقيمون وزنا للحديث حول الصحة ولكنهم يرون ان القطاع الصحي امام امتحان حقيقي معتمدا على تقدم حالة مريضهم.
عدم عدالة الاسعار ومنطقيتها وتفاوتها من متجر الى أخر ومن مدينة إلى أخرى وعدم وجود ادنى رغبة بالضبط والتخفيض سبب اخر من اسباب الاحتقان، وعلى بعد كيلو مترات هناك السوق الإسرائيلي الذي يشهد تخفيضات وتنزيلات وانخفاضا لاسعار ذات السلع وذات بلد المنشأ وذات التركيبة عنها في السوق الفلسطيني بنسبة دسمة.
حتى نكون اكثر وضوحا ... الناس في بلدي لا ترى اننا سننجز دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، ولا تفكيكا للاستيطان، ولا تقدما في ملف اللاجئين، في المدى المنظور.
لكن الناس في بلدي ترى أن لا عذر لنا كوننا لم نحرص على استقلالية القضاء وسيادة القانون وصمتنا عن تراكم القضايا المنظورة بسب الازدحام بل الاختناق الأمر الذي يدفع الناس للبحث عن بدائل أخرى، لم نطور قانون العقوبات، لم نحدث فرقا في القطاع الصحي، ولم نحقق تنمية صناعية حقيقية، لم نفتح بوابة الامل من خلال فرص عمل جديدة، ولم نتمكن من رفع نسبة التبادل التجاري مع اسواق اخرى غير السوق الإسرائيلي، لم نتمكن لغاية اليوم من ضبط الاسعار، ولم نتمكن من الانتصار للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ولم نعزز المنافسة ومنع الاحتكار، وتلك ملفات مهمة كان بالامكان ان نعالجها.
لذلك لا تقدوا الثياب ولا تلطموا على الخدود لما شهدناه قبل يومين في يعبد ونابلس ولما سنشهده غدا وبعد غد، لأننا لم نصنع فرقا، وتبخرت الطبقة الوسطى، وغاب التنظيم الطليعي الفتحاوي عن التاثير وممارسة دوره، وغاب دور المجتمع المدني الفاعل والمؤثر، وبات الاعلام حالة من العلاقات العامة.