ربما أخطأتم وفكرتم بشكل مختلف؛ فبنيامين نتنياهو يبقى، كما كان دوما، ملتزما بشكل عميق بحل الدولتين. صحيح أنه قبل الانتخابات تماما قال إن «كل من سيقيم اليوم دولة فلسطينية ويخلي ارضا فإنه يعطي هذه الارض للاسلام المتطرف لينطلق منها للهجوم على اسرائيل»، ولكن هذا لا يعني أنه يعارض دولة فلسطينية. لا وكلا، فهو يؤجل بأسف شديد تحقق الحلم بسبب ظروف ليست تحت سيطرته.
لقد كان يريد أن تقام دولة كهذه، ولكن «الواقع تغير»، مثلما قال لاندريانا ميتشل من شبكة «ان.بي.سي» الأميركية بعد يومين من الانتخابات: «يرفض محمود عباس الاعتراف بالدولة اليهودية، عقد اتفاقا مع «حماس»، التي تدعو إلى ابادة إسرائيل، وكل ارض تخلى اليوم في الشرق الاوسط تحتلها قوات إسلامية». اما رون ديرمر، رجله في واشنطن فاضاف: «هو ملتزم برؤيا السلام... بدولة فلسطينية مجردة تعترف باسرائيل كدولة يهودية. ما تغير هي ظروف السنوات الاخيرة».
غير أن كل هذا ليس مقنعا حقا. فعندما يقول نتنياهو وديرمر ان اقامة دولة فلسطينية اصبح أمرا غير عملي بسبب اتفاق عباس مع «حماس»، وبسبب رفضه الاعتراف باسرائيل كـ»دولة يهودية» وبسبب صعود الاسلام المتطرف، فيفهم من أقوالهما أنهما في الفترة السابقة، قبل وقوع هذه الاحداث المؤسفة، كانا يؤيدان اقامة دولة فلسطينية فوراً . غير أن مثل هذه الفترة لم توجد أبدا. فقد عارض نتنياهو الدولة الفلسطينية على الاقل منذ 1978، تقريبا قبل عقد من تأسيس «حماس».
في العام 1999، قبل أن يطلب زعماء إسرائيل من الفلسطينيين الاعتراف باسرائيل كـ»دولة يهودية» (خلافاً للاعتراف الصرف)، حذر نتنياهو من أن «تقسيما إضافيا للبلاد الى دولتين غير مستقرتين وغير آمنتين، محاولة للدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه – هي وصفة للمصيبة». في العام 1998، قبل وقت طويل من سيطرة المسلمين المتزمتين على اجزاء من سورية والعراق قال بيبي لـ»جيروزاليم ريبورت»: «لا اؤمن بأن الدولة (الفلسطينية) هي ضرورة تاريخية... كما أنني لا اعتقد ان اسرائيل يمكنها أن تحقق السلام من خلال اقامة دولة فلسطينية فقط. وعليه، فإني مقتنع بأن مثل هذه الدولة ستعرض للخطر اسرائيل وتؤدي الى الحرب».
لقد عارض بيبي الدولة الفلسطينية حين تنافس على رئاسة الوزراء في العام 2009، قبل أن توقع «حماس» و»فتح» اتفاق الوحدة، وعندما لم يكن «داعش» قد ولد بعد. في ايار من تلك السنة قال ديرمر – الذي يعود اليوم ليقول ان نتنياهو ملتزم كما كان دوما «برؤيا السلام، رؤيا الدولتين للشعبين» – ان «الدولتين للشعبين هو حل غبي وصبياني لمشكلة معقدة جداً».
الحقيقة هي ان أمورا كثيرة بالفعل تغيرت في الشرق الاوسط في عشرات السنين الاخيرة، ولكن شك نتنياهو بالنسبة لجدوى الدولة الفلسطينية بقي مثلما كان. وبالفعل، بضغط من الولايات المتحدة واوروبا، أعرب عن تأييده لحل الدولتين في خطاب بار ايلان في حزيران 2009. ولكن اذا ما قرأنا الخطاب جيدا، فإننا نرى أنه كان شكاكا في حينه فيما يتعلق بمدى عملية مثل هذا الحل بالضبط مثلما هو اليوم.
فقد صرح في حينه بأن مصر والأردن «خرجا من دائرة العداء. ولكن لأسفنا ليس هذا الوضع مع الفلسطينيين. كلما اقتربنا من اتفاق سلام معهم، ابتعدوا عنه. وهم يعودون ليطرحوا مطالب لا تستوي مع الرغبة في انهاء النزاع... يقولون لنا ان الانسحاب هو مفتاح السلام مع الفلسطينيين. وبالفعل – انسحبنا. ولكن انسحابنا استجيب له بموجة ... من الارهاب والصواريخ».
إن معاذيره الحالية، التي تشرح لماذا ليس هذا هو الوقت المناسب لإقامة دولة فلسطينية – صعود «داعش»، اتفاق «فتح» – «حماس»، رفض عباس الاعتراف باسرائيل كـ»دولة يهودية» – غابت عن خطاب بار ايلان لأنها لم تكن وقعت في حينه. ولكن تعليله الاساسي – في أن إسرائيل لا يمكنها أن تسمح لمثل هذه الدولة أن تقوم لأنه لا يمكن الثقة بالفلسطينيين – هو بالضبط ذات التعليل الذي يطرحه الآن.
لم يؤمن نتنياهو ابدا بأنه ستنشأ في أي مرة من المرات الظروف المناسبة لإقامة دولة فلسطينية – لا في 1993، لا في 1998، لا في 2009 ولا في 2015. وقد اعترف بذلك في تموز من العام الماضي حين قال ان «الشعب في اسرائيل يفهم الآن ما كنت أدعيه دوما: لن نتنازل في أي اتفاق عن السيطرة الامنية في المناطق الواقعة غرب الأردن». ومثلما أشار الوف بن في «هآرتس» منذ آذار 2009: «معارضة نتنياهو للدولة الفلسطينية ليست «أحبولة» المفاوضات الائتلافية، بل موقف مبدئي يطرحه منذ سنوات عديدة».
نتنياهو، الذي يوبخ غير مرة الاعلام لأنه عديم الذاكرة التاريخية، متعلق الآن بالنسيان ذاته. إذ لو ان عددا اكبر من الصحافيين الأميركيين عرفوا بأنه منذ عشرات السنين يطرح في واقع الامر الحجة ذاتها – في أن اقامة الدولة الفلسطينية ليست ممكنة من ناحية عملية – لكانوا فهموا بأن هجمة العلاقات العامة الحالية التي يخوضها تهكمية ومدحوضة على حد سواء.
عن «هآرتس»
لقد كان يريد أن تقام دولة كهذه، ولكن «الواقع تغير»، مثلما قال لاندريانا ميتشل من شبكة «ان.بي.سي» الأميركية بعد يومين من الانتخابات: «يرفض محمود عباس الاعتراف بالدولة اليهودية، عقد اتفاقا مع «حماس»، التي تدعو إلى ابادة إسرائيل، وكل ارض تخلى اليوم في الشرق الاوسط تحتلها قوات إسلامية». اما رون ديرمر، رجله في واشنطن فاضاف: «هو ملتزم برؤيا السلام... بدولة فلسطينية مجردة تعترف باسرائيل كدولة يهودية. ما تغير هي ظروف السنوات الاخيرة».
غير أن كل هذا ليس مقنعا حقا. فعندما يقول نتنياهو وديرمر ان اقامة دولة فلسطينية اصبح أمرا غير عملي بسبب اتفاق عباس مع «حماس»، وبسبب رفضه الاعتراف باسرائيل كـ»دولة يهودية» وبسبب صعود الاسلام المتطرف، فيفهم من أقوالهما أنهما في الفترة السابقة، قبل وقوع هذه الاحداث المؤسفة، كانا يؤيدان اقامة دولة فلسطينية فوراً . غير أن مثل هذه الفترة لم توجد أبدا. فقد عارض نتنياهو الدولة الفلسطينية على الاقل منذ 1978، تقريبا قبل عقد من تأسيس «حماس».
في العام 1999، قبل أن يطلب زعماء إسرائيل من الفلسطينيين الاعتراف باسرائيل كـ»دولة يهودية» (خلافاً للاعتراف الصرف)، حذر نتنياهو من أن «تقسيما إضافيا للبلاد الى دولتين غير مستقرتين وغير آمنتين، محاولة للدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه – هي وصفة للمصيبة». في العام 1998، قبل وقت طويل من سيطرة المسلمين المتزمتين على اجزاء من سورية والعراق قال بيبي لـ»جيروزاليم ريبورت»: «لا اؤمن بأن الدولة (الفلسطينية) هي ضرورة تاريخية... كما أنني لا اعتقد ان اسرائيل يمكنها أن تحقق السلام من خلال اقامة دولة فلسطينية فقط. وعليه، فإني مقتنع بأن مثل هذه الدولة ستعرض للخطر اسرائيل وتؤدي الى الحرب».
لقد عارض بيبي الدولة الفلسطينية حين تنافس على رئاسة الوزراء في العام 2009، قبل أن توقع «حماس» و»فتح» اتفاق الوحدة، وعندما لم يكن «داعش» قد ولد بعد. في ايار من تلك السنة قال ديرمر – الذي يعود اليوم ليقول ان نتنياهو ملتزم كما كان دوما «برؤيا السلام، رؤيا الدولتين للشعبين» – ان «الدولتين للشعبين هو حل غبي وصبياني لمشكلة معقدة جداً».
الحقيقة هي ان أمورا كثيرة بالفعل تغيرت في الشرق الاوسط في عشرات السنين الاخيرة، ولكن شك نتنياهو بالنسبة لجدوى الدولة الفلسطينية بقي مثلما كان. وبالفعل، بضغط من الولايات المتحدة واوروبا، أعرب عن تأييده لحل الدولتين في خطاب بار ايلان في حزيران 2009. ولكن اذا ما قرأنا الخطاب جيدا، فإننا نرى أنه كان شكاكا في حينه فيما يتعلق بمدى عملية مثل هذا الحل بالضبط مثلما هو اليوم.
فقد صرح في حينه بأن مصر والأردن «خرجا من دائرة العداء. ولكن لأسفنا ليس هذا الوضع مع الفلسطينيين. كلما اقتربنا من اتفاق سلام معهم، ابتعدوا عنه. وهم يعودون ليطرحوا مطالب لا تستوي مع الرغبة في انهاء النزاع... يقولون لنا ان الانسحاب هو مفتاح السلام مع الفلسطينيين. وبالفعل – انسحبنا. ولكن انسحابنا استجيب له بموجة ... من الارهاب والصواريخ».
إن معاذيره الحالية، التي تشرح لماذا ليس هذا هو الوقت المناسب لإقامة دولة فلسطينية – صعود «داعش»، اتفاق «فتح» – «حماس»، رفض عباس الاعتراف باسرائيل كـ»دولة يهودية» – غابت عن خطاب بار ايلان لأنها لم تكن وقعت في حينه. ولكن تعليله الاساسي – في أن إسرائيل لا يمكنها أن تسمح لمثل هذه الدولة أن تقوم لأنه لا يمكن الثقة بالفلسطينيين – هو بالضبط ذات التعليل الذي يطرحه الآن.
لم يؤمن نتنياهو ابدا بأنه ستنشأ في أي مرة من المرات الظروف المناسبة لإقامة دولة فلسطينية – لا في 1993، لا في 1998، لا في 2009 ولا في 2015. وقد اعترف بذلك في تموز من العام الماضي حين قال ان «الشعب في اسرائيل يفهم الآن ما كنت أدعيه دوما: لن نتنازل في أي اتفاق عن السيطرة الامنية في المناطق الواقعة غرب الأردن». ومثلما أشار الوف بن في «هآرتس» منذ آذار 2009: «معارضة نتنياهو للدولة الفلسطينية ليست «أحبولة» المفاوضات الائتلافية، بل موقف مبدئي يطرحه منذ سنوات عديدة».
نتنياهو، الذي يوبخ غير مرة الاعلام لأنه عديم الذاكرة التاريخية، متعلق الآن بالنسيان ذاته. إذ لو ان عددا اكبر من الصحافيين الأميركيين عرفوا بأنه منذ عشرات السنين يطرح في واقع الامر الحجة ذاتها – في أن اقامة الدولة الفلسطينية ليست ممكنة من ناحية عملية – لكانوا فهموا بأن هجمة العلاقات العامة الحالية التي يخوضها تهكمية ومدحوضة على حد سواء.
عن «هآرتس»