د. محمد غريب " عن العشقِ والحنين و الألم "

3
حجم الخط

(هل غادرَ الشّعراءُ ) أم أنّ المعاني دارُها رَحمُ الزّمنْ

ما الصّمتُ ناقِصَةٌ إذا ما أمْعَنت في غَيّها الكلماتُ

أو في سُخْفِها

للعشْقِ ترياقٌ و للكلماتِ سُمّْ

والصّوتُ هَدْرٌ عند مُعْتلٍّ أَصَمّْ

وأنا كما العشّاقُ وجدي، أدمعي، شوقي،

وما ألقاه من عَنَتٍ و مِنْ

طوَّفْتُ في شَتّى البلادِ ولم أَنَمْ

والسُّهْدُ في المنفى يطولْ

وتلوحُ في الأفق الطُلُولْ

(عَفَتِ الدّيارُ ) تفرّدَت في شَجْوِها لا صَمْتِها

و الدّارُ ، يا أسَفي، تُتَمتِمُ في ذُهولْ

يا دارُ هل تتكلّمينَ عن "الدّيارِ" و قد نأى عنها الوَلَدْ

وتكالبت جهراً على النَّبْتِ الخطوبُ

وشتّتَتْ شملَ المراضِعِ والرضيعْ

ما عُدتَ تحفظ سِرَّنا يا أيّها الزمنُ الوضيعْ

تبّاً لسارقِ فرحةٍ

تبّاً لخدّاعٍ هجينْ

أنا ما فَزِعتُ من الخيانةِ

إنّما فَرْطُ الحنينْ

لا العارضُ القَسْرِيُّ مثلُ السَّرْمَديِّ

ولا المهاجرُ كالطّليقْ

حتّى وإن ضاع الطريقْ

يا أيها الصمتُ الذي بين الضلوعْ

يا أيها الوقتُ المُزنّرُ بالجنونِ وبالخنوعْ

ضاق المدى

ما عادَ متّسَعٌ لطوقٍ أو رزايا أو جَلَدْ

قد يستوي الميلادُ في جوفِ المهالكِ و الرّدى

والموتُ في حُضنِ الرَّغَدْ

فالدربُ عادَ مع الصليبِ يَئِنُّ من ثِقَلِ الجُحُودْ

والغارُ أضحى تاجَ شوكٍ يا يسوعْ

و النهرُ صار بلا مدَدْ

و الظَفْرُ صُنوانُ المُحالْ

وكأنّما سُلّتْ من البِيضِ القواطعِ عَيْرُها وحُدودُها

لا قوسُ لا وترٌ ، ولا نجمٌ يضيءُ ولا شُهُبْ

و أنا جَسُورٌ أو جَزُوعْ

(أرَقٌ على أرقٍ)

و وجهٌ بَشَّ إنْ أَنَّ الجّسَدْ !

في كلّ شبرٍ طعنةٌ أو ضربةٌ

و تكسّرَ النّصلُ العَتيُّ على النّصالْ

والشَّعْرُ زالَ خِضابُهُ

و العُجْمُ تَرتهِنُ السنينَ مع العَربْ

وإذا نظَرْتَ إلى المدى أبصرْتَ حُلماً مثقلاً بالجوعْ

ريحاً تخورُ ولا سَندْ

لكنّ قلباً مُفْعَماً بالسُخطِ

فيهِ حنينُ صَبّْ

يغفو على وقْعِ الطّبولْ

أضغاثُ أحلامٍ و بعضُ توهُّمٍ

و بُكاءُ قُبُّرَةٍ و ليثٌ يَنتحِبْ

والموجُ يَغشَى الموجَ يمضي في خُضوعْ

و البرقُ يأتي بَغْتَةً

والغيثُ مَفتونٌ بأعمدةِ اللَهَبْ

والعاشقُ المكلومُ لا لَيلَى تُعينُ ولا بُثَينُ ولا جِنانْ       

الجرحُ مقطوعُ اللسانْ      

من قال إنّ العشقَ وَصْلٌ أو صُدودٌ فيهِ أوجاعُ الهَوى

من قالَ إنّ مَصارِعَ العُشّاقِ من فَرْطِ الجَّوَى

يا قلبُ حسْبُكَ أنْ تظلَّ مسافراً

فالعشقُ تِرحالٌ تَبعثرَ بعضُه في زحمةِ النسيانِ

ثم توالدتْ في الفجرِ مَرثِيَةٌ بلا أمٍّ و أَبّْ

وقصائدُ الشعراءِ تَتْرَى

يا إلَـهي ..

أيُّ عشقٍ جاء من إذعانِ مغلولٍ ومن كَبِدِ الهوانْ !

أوّاهُ يا آهاتُ ليلى

يا عذاباتُ العراقِ

ويا صَبَا بَردَى

وأسوارٌ على شطآنِ عكّا في انتظار مَشيئةِ الجَمْعِ المُهانْ

ياقلبُ حسْبُكَ أنْ تظلَّ مسافراً

فالعشقُ تِرحالٌ

و إنّي لو يسامِحُني الحبيبُ لقلتُ كانْ