عمر حمَّش : عودة "

thumbgen
حجم الخط

لم يزلْ إلى ذات الزقاق يعود، تناديه رائحةُ التراب، يذهب بشبشبه المعهود، يُتعفّر به، يزوّد بغباره روحَه كلما جفَّت، يتلمسُ ذات الجدار، وإن اهترأ، يعودُ حفيفُها خلفَ الباب، يجاوره، ويسعلْ سعال الشباب الذي كان، ثمَّ يسبقها، ينفرجُ بابُ الصفيح، يراها خلفه نسمةً تتبعه، يراها هيكلا يتعثر خشيةً، يبتعدُ بخطوِّه أكثر، قبل أن يتوقفَ في عتمةِ زاوية، يلتقطُ كفّها، أو يكاد ... يمضي أكثر .. تبدأ أم كلثوم بغناء السادسة والنصف، يحسُّ بالعيون كلها تتبعه، يحسُّ أن أصحاب الحوانيت كلّها، يشعلون من أجلهما أجهزة المذياع، يحسُّ أنّ أم كلثوم تغيّر من طبقاتِ صوتِها من أجلهِ .. يتوغلُ كالعادةِ في الطرقات .. قبل أن يصحو، ويتوقف ليدرك أن الأمر تجاوزه الزمن .. وأنه ليس يصحبه أحد .. وأن قبضته خالية من كفّها، وظهره المنحني على ساقيه قد ثقل ...