ماذا يُعدّ الفلسطينيون لمواجهة لحظة الحقيقة؟

طلال عوكل
حجم الخط
الزيارة التي قام بها، يوم أمس، إلى إسرائيل السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري، ربما تؤشّر على عودة الحراك النشط الذي يستهدف خلق بيئة مناسبة لاستئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
الزيارة تمت بعد صدور ما يُعرف بتقرير الرباعية الدولية، التي اختفى أثرها طويلاً، وينطوي على قدر كبير من الظلم والإجحاف، والانحياز الواضح للطرف الإسرائيلي، وكل ذلك في إطار التحضير لانعقاد المؤتمر الدولي قبل نهاية هذا العام وفقاً للمبادرة الفرنسية.
قبل وصول الوزير شكري صدرت تصريحات عن وزارة الخارجية المصرية توضح أسباب وأبعاد وأهداف الزيارة لتل أبيب ومن بين ما يلفت النظر ما قيل عن أن المجموعة العربية التي تواصل مشاوراتها ليست مستعدة لإدخال أية تعديلات على المبادرة العربية.
مبادرة السلام العربية أصبحت جزءاً من مرجعيات ومستندات المبادرة الفرنسية، الأمر الذي يجعل ذلك سبباً إضافياً لكي تواصل إسرائيل رفضها للمبادرة الفرنسية.
تعتقد إسرائيل أن بإمكانها استغلال الأفكار التي تقدم بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أواسط أيار الماضي، من أجل تعطيل المبادرة الفرنسية ولذلك فإنها تحاول التعاطي مع الأفكار المصرية على نحوٍ منفصل بعكس ما تؤكد عليه السياسة المصرية من أن ما طرحه الرئيس السيسي، لا يشكل بديلاً وإنما هو داعم للمبادرة الفرنسية.
احتفال إسرائيل بزيارة الوزير شكري، ليس احتفالاً وترحيباً بالأفكار التي سيطرحها الوزير، والتي تعبر عن التزام مصر التاريخي بالحقوق الفلسطينية وبقرارات الشرعية الدولية، وإنما هو احتفال، بزيارة رفيعة المستوى لم تحلم بها إسرائيل منذ تسع سنوات، موعد آخر زيارة لوزير خارجية مصري.
وبالرغم من أن إسرائيل حريصة على استمرار علاقاتها الإيجابية بمصر، انطلاقاً من حرصها على اتفاقية كامب ديفيد إلاّ أن الأمل ضعيف بل يكاد يكون معدوماً في أن تستجيب إسرائيل لموقف وسياسة مصرية تتبنى المواقف والسياسات الفلسطينية بالكامل.
تتصرف إسرائيل في المنطقة باعتبارها الدولة الوحيدة المحصّنة، في ظل الإرهاب الذي يضرب المنطقة، والصراعات الدامية التي تعاني منها معظم الدول العربية. وباعتباره البلطجي، والشرطي القوي الذي سيلبي دعوة المذعورين من تهديدات خارجية إقليمية أو دولية.
وفي الواقع، فإن التراجع المنظم للسياسة الأميركية في المنطقة، وهو أمر ظاهر للعيان، وكأنه يشير إلى العودة في اتجاه تفعيل والاعتماد على دور إسرائيل كوكيل لحماية المصالح الأميركية التي تعرضت لاهتزازات بسبب غزوات أميركا في المنطقة والتكاليف الباهظة التي تسببت بها للمصالح الغربية عموماً.
هذه الإسرائيل غير مستعدة لأن تهبط بسقف أطماعها أو لأن تتخلى عن سياساتها الاستيطانية التوسعية التي تعبر عن جوهرها أولاً من خلال استباحتها للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، قبل أن تظهر تعبيراتها خارج أرض فلسطين التاريخية.
إسرائيل مستعدة لأن تتحدى وحتى أن تطاول على حلفائها التاريخيين ابتداءً من الذين صنعوها وهم فرنسا وبريطانيا وحتى من تكلّفوا برعايتها وحمايتها، ودعمها بكل وسائل القوة، أي الولايات المتحدة الأميركية، فهل يمكن لهذه الإسرائيل أن تغير من سياساتها بناءً لدور مصري أو عربي؟
الأمر أقرب إلى المستحيل رغم ضرورة المحاولة، شرط أن لا تولد هذه المحاولات أية أوهام بعد كل الأوهام التي ولدتها المرحلة الطويلة السابقة منذ توقيع اتفاقية أوسلو.
وطالما تغيب الإرادة، والقوة اللازمة لإرغام إسرائيل على التحوُّل عن سياساتها وأطماعها، فإنها غير مستعدة لإبداء ولو الحدّ الأدنى من المرونة تجاه الآخرين، خصوصاً فيما يتعلق برؤيتها لمستقبل علاقتها كدولة احتلال بالشعب الفلسطيني الذي تحتل أرضه وتصادر حقوقه.
إذا كان هذا التقييم صحيحاً، وقد توصل إليه الفلسطينيون منذ زمن، فإن السؤال الأثير يعود من جديد وهو ما هي البدائل وما هي الاستراتيجية الجديدة التي ينبغي أن يشتقها الفلسطينيون عَبر توافق وطني جامع؟ فيما تتسارع الأحداث في العالم والمنطقة فإن الوقت يكتسب أهمية بالغة، ذلك أن استنزاف المزيد منه، يكلف الشعب الفلسطيني وقضيته المزيد من الأثمان المجانية التي تذهب إلى جيب الاحتلال.
مبدئياً فإن الموقف الذي اتخذته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ويتلخص في رفض تقرير "الرباعية"، ووقف التعاطي معها، يشكل بداية معقولة، لبلورة موقف صلب إزاء المبادرة الفرنسية وما يمكن أن يفضي إليه.
معلوم أن المنظمة والسلطة رحبتا بالمبادرة الفرنسية، الأمر الذي رفضته العديد من الفصائل، بما يعني أنه لا يمكن أن يحصل توافق وطني عليها، غير أن عمر المبادرة الفرنسية ومصيرها لن يستغرق وقتاً طويلاً، إذاً من المهم التمسك القوي بالثوابت الفلسطينية خلال ما تبقّى من العام، ولكن الأهمّ هو أن تبدأ عملية التحضير الذاتي الفلسطيني لمواجهة مرحلة ما بعد المبادرة الفرنسية.