بات من الواضح، لكل من في رأسه عقل، أن إسرائيل التي ترفض منذ نحو خمسين سنة العودة لخطوط الرابع من حزيران، أنها بعد أن «أخرجت» غزة من مربع الصراع على الأرض، وأشغلت الفصائل الفلسطينية بحالة الانقسام الداخلي، تسعى جدياً لإشغال الضفة الغربية والقدس داخلياً، بزرع بذور الشقاق المجتمعي، بعد أن عجزت عن زرع بذور الشقاق السياسي، وذلك من خلال إشاعة حالة من الفوضى الداخلية، وتأجيج النزاعات العائلية والعشائرية، لعل وعسى أن يطحن المجتمع الفلسطيني نفسه بنفسه، ولا يعود قادراً على إيذاء إسرائيل بأي قدر، خاصة بعد أن انطلقت شرارة الهبة الشبابية العام الماضي، وكان يمكن لها أن تتطور، بجمع المختلفين داخلياً، على الأقل في الضفة والقدس _ ميدانياً _ أولاً، ومن ثم بتوسيع دائرة الاحتجاج، لتشمل كل مناطق الضفة والقدس، وكل شرائح المجتمع، ثم تنطوي على ممارسة كل أشكال مقاومة الاحتلال الممكنة والمشروعة.
ما ظهر مؤخراً أنه بيد إسرائيل، كان استخدام عناصر من المنفلتين أمنياً، من الشباب الذي يرى في السلاح الناري أداة لتحقيق المكاسب الشخصية والعائلية، وحيث أن المجتمع الفلسطيني مثل أي مجتمع من الطبيعي أن تظهر فيه مشاكل اجتماعية مختلفة، بل وخصوصاً لكونه يقع تحت احتلال بغيض، من الطبيعي أن يكون حجم ومستوى وطبيعة الضغط الداخلي أعلى وأكبر وأوسع، لذا فإن الواقع الفلسطيني يشبه برميل البارود أو كومة القش، التي يمكن لشرارة عابرة أن تحدث فيه حريقاً.
شرارة الحريق ظهرت قبل أسابيع، حين «تطاول» المنفلتون أمنياً على ضباط الأمن، فأردوا شهيدين، بشكل عابر، دون أي ذنب، ما استوجب قيام السلطة الوطنية بأجهزتها الأمنية بإطلاق حملة تستهدف جمع السلاح المنفلت، وإرساء قواعد الأمن الداخلي.
عادة ما تفعل قوات الشرطة وأجهزة الأمن هذا الأمر في الدول المستقلة، وحتى تفعل هذا حركة «حماس» الحاكمة في قطاع غزة، ولكن في الضفة الغربية والقدس، فإن الأمر يختلط قليلاً، ذلك أن هناك سلاحاً بيد الفصائل، يعتبر سلاحاً مقاوماً، حتى لو لم يتم استخدامه في المدى المنظور، ومن تلك الفصائل وفي مقدمتها حركة «فتح» نفسها، التنظيم الحاضن للسلطة في الضفة الغربية والقدس، بمن فيها كتائب الأقصى التابعة لها.
أي خطأ، أو احتكاك يمكن أن يحدث نتائج عكسية، كما أنه في الوقت الذي من الطبيعي فيه أن تسعى السلطة الوطنية لتوفير الأمن للمواطنين، فإنه لا يمكنها أن تساوي بين سلاح منفلت أمنياً وسلاح مقاوم، كما أن القيام بمثل هذا الأمر يستوجب توفير الأمن للمواطنين _ أيضاً _ حين يتعرض أمنهم للانتهاك على يد المستوطنين والجنود الإسرائيليين.
في الحقيقة فإن حالة وصورة السلطة الفلسطينية اليوم بعد أكثر من عشرين عاماً، على إنشائها، لم تعد كما كانت عليه عام 1994، ففي ذلك الوقت نشأت كسلطة مؤقتة، كمشروع للدولة المستقلة، وظهرت الأجهزة، على تلك الصورة أيضاً، الآن وبعد مرور عقدين، باتت تتخلل السلطة مستويات وعادات وحتى تقاليد بيروقراطية، خاصة مع تعطيل السلطة التشريعية منذ أكثر من عشر سنوات.
ولأن الضفة الغربية والقدس ما زالت مناطق محتلة، فإن قيام أجهزة السلطة بفرض الأمن داخل المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية وحسب، يظهر منها _ فقط _ الجانب السلطوي، ولا يظهر الجانب المقاوم للاحتلال، وإن كان في فرض الأمن جانب مقاوم خفي، مضمونه إفشال الهدف الإسرائيلي بإشاعة الفوضى، وإشعال النار داخل المجتمع الفلسطيني لحرقه من الداخل.
بتقديرنا، إنه من الضروري جداً لتجاوز هذه المحاذير أن تتعاون أجهزة السلطة في حملتها الأمنية مع الفصائل والمجتمع المحلي، وخيراً فعلت السلطة وهي تفكر في إجراء الانتخابات المحلية، لتجديد المجالس البلدية والقروية، وربما بات من الضروري التفكير جدياً، بتحويل السلطة بأجهزتها ومؤسساتها من كونها سلطة وطنية إلى سلطة شعبية.
وفي ذلك استحضار لتجربة الانتفاضة عام 87، التي وفي ظل الفراغ الرسمي الذي أحدثه الاحتلال برفع يده عن المجتمع، لجأ المجتمع الفلسطيني المقاوم إلى القضاء الشعبي، وإلى التكافل الاجتماعي وإلى الإدارة الشعبية / الذاتية، ما حماه من مخاطر الانزلاق في الفوضى التي كان يعدها الاحتلال له.
من الممكن أن تشجع السلطة قيام الهيئات الشعبية المختلفة في مدن ومخيمات وقرى الضفة، بما في ذلك لجان الحماية الشعبية التي يمكنها أن تتصدى ليس للمنفلتين أمنياً وحسب ولكن للمستوطنين ولجنود الاحتلال أيضاً، وتجعل من فعل المقاومة فعلاً مجتمعياً وليس فعلاً شبابياً وحسب، أو إلى حد ما يشبه ما فعلته م.ت.ف في مخيمات لبنان بعد خروجها منه، بهدف حمايتها ذاتياً، حين تعرضت لحرب «الكتائب» و»أمل» وغيرهما بعد عام 82.
وهكذا فإنه حتى شعار إنهاء الانقسام يأخذ معناه الجدي والجوهري بالتحقق في ميدان المقاومة، وفي ذلك إعادة الاعتبار لحيوية الشعب الداخلية دون الحاجة لإطلاق شعارات انقلابية حدية، على الصعيد الداخلي، وتفرض على إسرائيل مراجعة حساباتها، بالعودة إلى فرض بند العودة لخطوط الرابع من حزيران على أي مقترح للحل، بعد خمسين عاماً متواصلة من الاحتلال.
ما ظهر مؤخراً أنه بيد إسرائيل، كان استخدام عناصر من المنفلتين أمنياً، من الشباب الذي يرى في السلاح الناري أداة لتحقيق المكاسب الشخصية والعائلية، وحيث أن المجتمع الفلسطيني مثل أي مجتمع من الطبيعي أن تظهر فيه مشاكل اجتماعية مختلفة، بل وخصوصاً لكونه يقع تحت احتلال بغيض، من الطبيعي أن يكون حجم ومستوى وطبيعة الضغط الداخلي أعلى وأكبر وأوسع، لذا فإن الواقع الفلسطيني يشبه برميل البارود أو كومة القش، التي يمكن لشرارة عابرة أن تحدث فيه حريقاً.
شرارة الحريق ظهرت قبل أسابيع، حين «تطاول» المنفلتون أمنياً على ضباط الأمن، فأردوا شهيدين، بشكل عابر، دون أي ذنب، ما استوجب قيام السلطة الوطنية بأجهزتها الأمنية بإطلاق حملة تستهدف جمع السلاح المنفلت، وإرساء قواعد الأمن الداخلي.
عادة ما تفعل قوات الشرطة وأجهزة الأمن هذا الأمر في الدول المستقلة، وحتى تفعل هذا حركة «حماس» الحاكمة في قطاع غزة، ولكن في الضفة الغربية والقدس، فإن الأمر يختلط قليلاً، ذلك أن هناك سلاحاً بيد الفصائل، يعتبر سلاحاً مقاوماً، حتى لو لم يتم استخدامه في المدى المنظور، ومن تلك الفصائل وفي مقدمتها حركة «فتح» نفسها، التنظيم الحاضن للسلطة في الضفة الغربية والقدس، بمن فيها كتائب الأقصى التابعة لها.
أي خطأ، أو احتكاك يمكن أن يحدث نتائج عكسية، كما أنه في الوقت الذي من الطبيعي فيه أن تسعى السلطة الوطنية لتوفير الأمن للمواطنين، فإنه لا يمكنها أن تساوي بين سلاح منفلت أمنياً وسلاح مقاوم، كما أن القيام بمثل هذا الأمر يستوجب توفير الأمن للمواطنين _ أيضاً _ حين يتعرض أمنهم للانتهاك على يد المستوطنين والجنود الإسرائيليين.
في الحقيقة فإن حالة وصورة السلطة الفلسطينية اليوم بعد أكثر من عشرين عاماً، على إنشائها، لم تعد كما كانت عليه عام 1994، ففي ذلك الوقت نشأت كسلطة مؤقتة، كمشروع للدولة المستقلة، وظهرت الأجهزة، على تلك الصورة أيضاً، الآن وبعد مرور عقدين، باتت تتخلل السلطة مستويات وعادات وحتى تقاليد بيروقراطية، خاصة مع تعطيل السلطة التشريعية منذ أكثر من عشر سنوات.
ولأن الضفة الغربية والقدس ما زالت مناطق محتلة، فإن قيام أجهزة السلطة بفرض الأمن داخل المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية وحسب، يظهر منها _ فقط _ الجانب السلطوي، ولا يظهر الجانب المقاوم للاحتلال، وإن كان في فرض الأمن جانب مقاوم خفي، مضمونه إفشال الهدف الإسرائيلي بإشاعة الفوضى، وإشعال النار داخل المجتمع الفلسطيني لحرقه من الداخل.
بتقديرنا، إنه من الضروري جداً لتجاوز هذه المحاذير أن تتعاون أجهزة السلطة في حملتها الأمنية مع الفصائل والمجتمع المحلي، وخيراً فعلت السلطة وهي تفكر في إجراء الانتخابات المحلية، لتجديد المجالس البلدية والقروية، وربما بات من الضروري التفكير جدياً، بتحويل السلطة بأجهزتها ومؤسساتها من كونها سلطة وطنية إلى سلطة شعبية.
وفي ذلك استحضار لتجربة الانتفاضة عام 87، التي وفي ظل الفراغ الرسمي الذي أحدثه الاحتلال برفع يده عن المجتمع، لجأ المجتمع الفلسطيني المقاوم إلى القضاء الشعبي، وإلى التكافل الاجتماعي وإلى الإدارة الشعبية / الذاتية، ما حماه من مخاطر الانزلاق في الفوضى التي كان يعدها الاحتلال له.
من الممكن أن تشجع السلطة قيام الهيئات الشعبية المختلفة في مدن ومخيمات وقرى الضفة، بما في ذلك لجان الحماية الشعبية التي يمكنها أن تتصدى ليس للمنفلتين أمنياً وحسب ولكن للمستوطنين ولجنود الاحتلال أيضاً، وتجعل من فعل المقاومة فعلاً مجتمعياً وليس فعلاً شبابياً وحسب، أو إلى حد ما يشبه ما فعلته م.ت.ف في مخيمات لبنان بعد خروجها منه، بهدف حمايتها ذاتياً، حين تعرضت لحرب «الكتائب» و»أمل» وغيرهما بعد عام 82.
وهكذا فإنه حتى شعار إنهاء الانقسام يأخذ معناه الجدي والجوهري بالتحقق في ميدان المقاومة، وفي ذلك إعادة الاعتبار لحيوية الشعب الداخلية دون الحاجة لإطلاق شعارات انقلابية حدية، على الصعيد الداخلي، وتفرض على إسرائيل مراجعة حساباتها، بالعودة إلى فرض بند العودة لخطوط الرابع من حزيران على أي مقترح للحل، بعد خمسين عاماً متواصلة من الاحتلال.