إلى الشهيد ياسر نزال
الفهدُ الصاعد إلى التلّة، وصل !
وراح يتمرّغ في قوس قزح
*
سنطيش أياماً وشهوراً، ونسيرُ إلى الجبل العالي، فهناك يقول الطيرُ: سآتي أحمل غُصن الزيتون، وَأُخْبركم برحيل الماء.
وتذكَّروا ! ثمة مَنْ رفضَ الدعوةَ وأحبَّ الزُرقة حتى مات!
*
صليبكَ أعلى من مشانق قاتلي
وأمّكَ في سجن المغول تنوحُ
وأطفالك الأيتام في الريح والنوى
وفي كل بيت مأتم وقروحُ
وأشجارك الأغلى بعيداً عن الثرى
فلم يبق أعشاش لها وصروح
سلام عليك! اليوم أبكي، وربما
غداً في فراغ الداهيات أجوحُ
ولكننا نُعلي على الجذر نبضنَا
ويولد من فجر الدماءِ جموحُ
*
أنتَ الهنديّ الأحمر، راكب الريح، وصديق الشجر، وشقيق الموج وأقواس السحاب.
ذَهَبُ البراري أنت ، ومعلّقة الساحر وغفوة النار، وعصا الخرافة وغزال التعويذة وبرق القطيع الطائر.
أنتَ العاري قبل عَار الطاعون، والرامي جدائله بعد سلخ فروة رأسه، والطاعن في السهوب حين رمَتْه السهامُ المسمومة.
موتك ذريعة الأبيض الأخلاقية المفضوحة، ومرافعته المُخزية، وحضارته الزائفة.
أنتَ الأوّل، هنا، والخالد في المثَلَ الباكي وفي بذور المكان . وأنتَ بصمة الجَمْر، وأغنيتنا الصعبة المكابرة بإصرار وحسم . وأنتَ الهندي الأحمر الذي سيبدّل نهاية الحكاية، ويبقى في عناد الحياة وقوّتها الباقية.
*
أحلم أنْ ينشقّ المشهُد فأرى الفهدَ الأسطوري قد عاد مع جرائه إلى الجبل، وأهتف من قحف رأسي: انتصرنا!
وأحلم، وتكون الأشجار بألف خير.
*
ثمة دبيب في رَحْم الشوارع، وثمة نبض يخفق في الجدران، وثمة انفجار قادم في كل مكان، سيبدأ، ربما، من قباطية، ولكن صداه سيكون في المرايا القريبة والبعيدة!
*
لم تعرف "جيه كيه جوان رولينغ" أنها تأخرت كثيراً عندما كتبت قصتها عن "هاري بوتر" ومدرسة السحرة! فثمة مَنْ أيقظ الساحرات الشريرات من نومهن، في الجيتو، بشموع اللهب الأسود! فرأينا العينين تومضان في العتمة، وأحسسنا أنفـَاس الموت البارد على الأعناق!
والقصة من أولها أن الساحرات قد رجعن إلى الدنيا، وركبن مكانس تلمودية، وهبطن على الجبل المقدّس، وبدأن بإيقاظ الموتى ليعودوا إلى الحياة بأجسادهم المتغضـّنة وأنفاسهم القاتلة ووجوههم المتشقـقة المرعبة، وبدأوا يلاحقون الأطفال ليطبخوهم على نارهم العنصرية، فيشربون دمهم ويتلمظـّون بلحمهم، عسى أن يكتسب الموتى من ذلك إهاباً جديداً وعروقاً أقوى وجلوداً أكثر نضرة، فلا يعودون على هيئة أموات خرجوا من قبورهم! لـٰكن الأطفال المتبصـّرين جسورون، ولهم أناشيد وقلوب شجاعة، فتصدّوا للهياكل المخيفة بحجارتهم وعبواتهم الزجاجية، وشهدنا عقوداً من الكرّ والفرّ بين جبهة الساحرات والموتى، من جهة، وجبهة الأطفال، من جهة أخرى.
كان دم الصغار هو دائرة الملح التي تمنع الساحرات من النفاذ إليهم، فكانت تصاب بالجنون، وتضطر لأن تأكل فطائر العقارب وتشرب دم الأفاعي والوطاويط، والصغار يحصـّنون دوائرهم بالأغاني، وينقرون وجوه الموتى وأقفية الساحرات بمقاليعهم الصائبة، فيـُجنّ جنون الساحرات والموتى، ويلاحقون الأطفال من جديد، لعلهم يقبضون عليهم أو يُسكتوا أصواتهم الموقـّعة! وعندما تفشل الساحرات يبدأن بالتوسل إلى الأطفال، وبمناجاتهم بصوت خفيض أسيف ويرجونهم أن يكفوا عن قذفهم بالحصى، ويقـُلن لهم: توقفوا أيها الجيران، فإننا لن نمسـّكم بسوء، بل سنأخذكم لتلعبوا مع أطفالنا في الحديقة السحرية، وسترون ما أعددنا من ألعاب ومبانٍ وغابات في أرض السحر الموعودة!
يصدّق بعض الأطفال ما سمعوا من الساحرات! فيذهبون إليهن مصدّقين، وبعد أيام يرى زملاؤهم رؤوسَهم المقطوعة معلـّقة على جدران حديقة الدم!
لكن الطفل في ياسر لم يصدّق الساحرات ولا السحرة .. وكذلك أمين !