هل سيدوم "القرن الأميركي" ؟

thumbgen (38)
حجم الخط
 

كان عالم السياسة الأميركي جوزيف ناي من بين الذين تصدوا لنظرية بول كيندي والمدرسة التي تشكلت حوله وعرفت بمدرسة الاضمحلال، والتي اعتبرت أن الولايات المتحدة بفعل تمددها الامبريالي وتأثيره السلبي في عناصر قوتها الاقتصادية، ستلقى مصير قوى عظمى سابقة مثل البرتغال، وفرنسا وبريطانيا. وقد شارك جوزيف ناي في هذا الجدل بكتابه «محكوم عليها أن تقود» حيث اعتبر أنه على رغم التراجع النسبي في قوة الولايات المتحدة الاقتصادية فإنها ما زالت تمتلك عناصر القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية مما لا تملكه في شكل مجتمِع، قوى أخرى.

واليوم يشارك جوزيف ناي في الجدل الذي يدور حول مدى استمرارية «القرن الأميركي» بالشكل الذي بشَّر به عام 1944 ناشر مجلة «تايم»، هنري لوس. ففي كتابه الأخير «هل انتهى القرن الأميركي؟»، يعرض ناي لمقومات القوة الأميركية العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية وقوتها الناعمة، ويخلص إلى أن القرن الأميركي سيستمر لحقبٍ قادمة. غير أنه لا يتوقع ذلك في شكل مطلق ويجعل له متطلبات.

فعنده أن دوام «القرن الأميركي» سيعتمد على مجموعة من التحالفات، فكيف ستحصل عليها واشنطن إذا ما تصورت الدول الأخرى أن الولايات المتحدة تتحول إلى الداخل؟ وكيف ستمنع إعادة توجهها إلى آسيا من دون إضعاف التزاماتها في مناطق أخرى مثل أوروبا والشرق الأوسط؟ وفي آسيا حيث التنافس وكذلك التعاون مع الصين جوهري، سيكون من المهم تفادي المبالغة في عسكرة السياسة. وعلى رغم إقرار ناي بأن القوة ستظل مكوناً مهماً للنفوذ، إلا أنه يعتبرها أداة فظَّة، ويرى

أنه من الخطأ أن تُوازي القيادة بالعمل العسكري المنفرد. كما أنه ينبه إلى أنه على رغم أن الاستراتيجية الأميركية التي حفظت التوازن في أوروبا وشرق آسيا كانت مهمة للقرن الأميركي، إلا أن محاولة احتلال والتحكم في السياسات الداخلية للشعوب ونزعاتها القومية في ثورات الشرق الأوسط يمكن أن يقصر من أجل القرن الأميركي. هذا فضلاً عن أن القوة العسكرية لا تفيد في التعامل مع القضايا عابرة القارات مثل الإنترنت، والتغير المناخي أو الاستقرار المالي. في ضوء هذا يعتبر ناي أنه إذا أرادت الولايات المتحدة إطالة القرن الأميركي، فإن عليها أن تصيغ البيئة الدولية وتخلق دوافع للآخرين من خلال التجارة، والتمويل والثقافة والمؤسسات، وأن تدرك أن القوة ليست هي الهيمنة، وعليها أن تجعل الآخرين يشتركون في ما سمته هيلاري كليتنون «عالماً متعدد الشركاء». ويلاحظ أنه حتى في قلب «القرن الأميركي»، فإن نفوذ الولايات المتحدة لم يمكن مطلقاً. ويستعيد تحديداً عام 1956 حين لم تستطع أن تمنع القهر السوفياتي والثورة في هنغاريا، وفقدان فرنسا لفيتنام أو غزو حلفاء لها (فرنسا وإنكلترا وإسرائيل) للسويس. ويخلص جوزيف ناي في النهاية إلى أنه مع نفوذ أقل، ومع عالم أكثر تعقيداً، فإن الولايات المتحدة ستحتاج إلى استراتيجيات ذكية في الداخل والخارج إذا ما أرادت أن نحافظ على وضعها. ويستخلص أن استمرار القرن الأميركي لن يبدو كما كان في القرن العشرين، فنصيب الولايات المتحدة من الاقتصاد العالمي سيكون نصف ما كان عليه في منتصف القرن الماضي. كما أن التغيير الذي يمثله صعود قوى جديدة، وكذلك الدور المتزايد للفاعلين غير الدوليين، سيجعل من الأصعب لأي أحد أن يمتلك نفوذاً منفرداً.

عن الحياة اللندنية