التصريح الأخير لرئيس الوزراء التركي، والذي كان لافتاً ان التلفزيون التركي بثه على الهواء مباشرة، شكّل استدارة كبيرة ونوعية في الموقف التركي تجاه الوضع السوري، تقترب من الانقلاب خصوصاً وان التلفزيون التركي بثه على الهواء مباشرة.
في التصريح المذكور قال رئيس الوزراء بن علي يلديريم ان تركيا تسعى الى تطوير علاقات جيدة مع جيرانها. وقال انه واثق «اننا سنعود الى العلاقت الطبيعية مع سورية، نحن بحاجة الى ذلك. ولا بد من ارساء الاستقرار في سورية والعراق من أجل النجاح في مكافحة الارهاب».
هذا التصريح هو ما يعبر عن حقيقة ما وصل اليه الموقف التركي تجاه الحدث السوري بالذات، بغض النظر عن اي آراء من شخصيات اخرى، او عن صياغات دبلوماسية وملتوية تتعمد الغموض والمداراة.
الاستدارة، جاءت مغايرة للموقف والدور التركي كما استقر لمعظم سنوات الحدث السوري :
بدءا من اعلان اردوغان في البدايات الاولى للحدث السوري انه سيصلي قريباً في المسجد الاموي بعد تحريره. الى الإصرار على اسقاط الحكم السوري واشتراط استبداله ورحيل رئيسه كبداية اولى وشرطية لاي حل، وصولا الى استباحة الحدود السورية وفتحها من الجهة التركية لدخول الارهابيين من كل حدب وصوب مع أسلحتهم ومعداتهم وتمويلهم، ولاخراج ما يستولون عليه من المقدرات السورية الى الاسواق العالمية. اضافة الى الدعم السياسي وتوفير كل التسهيلات اللوجستية اللازمة لهم.
ورغم ان رئيس الوزراء التركي برر الاستدارة في الموقف التركي تجاه سورية «من اجل النجاح في مكافحة الارهاب»، الا انها تأتي في سياق الاستدارة العامة التي تقوم بها تركيا في سياساتها وعلاقاتها الدولية والاقليمية مع اكثر من طرف. وقد بدأت هذه الاستدارة العامة بتصحيح العلاقة مع روسيا بعد تقديم الرئيس التركي الاعتذار الذي ظلت روسيا تصر عليه، تبعها تطبيع علاقتها مع دولة الاحتلال الصهيوني، وهي تعلن الآن عن رغبتها في تطبيع علاقاتها مع مصر مع ان هذا الاعلان لم يلق التجاوب المطلوب من مصر ولم يكتسب اي ترجمات محددة، وها هي تصل الى موقفها من الحدث السوري.
الاستدارة التركية العامة وبالذات في الموقف تجاه سورية، ليست ابنة لحظتها ولا حصلت بمعزل عن مقدمات وعوامل، بل هي جاءت نتيجة تراكم وتفاعل عدد من المقدمات والعوامل، فرضت على الدول والقوى التي راهنت على الحسم العسكري السريع والسقوط المبكر ان تتراجع وان تتجه نحو الحل السياسي بدون اشتراطات وتطاولات غير مقبولة.
اول المقدمات والعوامل واهمها، هو صمود الدولة الوطنية السورية بجماهيرها وبجيشها الوطني، وبثبات واستقرار تحالفاتها القومية والاقليمية والدولية. لقد اسقط هذا الصمود كل الرهانات على انهيار الدولة في زمن قصير، واسقط التطاول على السيادة الوطنية ورموزها، واسقط التمادي في الاشتراطات والمطالب.
صحيح ان الدولة السورية بقواها الضاربة وتحالفاتها الميدانية لم تحقق ما تقدم عن طريق نصر حاسم، لكنها حققته عبر انتصارات مناطقية نوعية نجحت في فرض معادلة مختلفة ومساراً مختلفاً للاحداث في سورية غير تلك التي كانت موضوعة ويجري العمل على فرضها بالقوة الغاشمة.( انتصار القصير، انتصارات القلمون، انتصار حمص، انتصار تدمر، انتصارات محيط اللاذقية.... والصمود في حلب ثم بداية معركة تحريرها).
صمود الدولة الوطنية السورية لعب، بالاضافة الى ما تقدم، دوراً حاسماً في إعاقة انتشار الارهاب الى الدول المجاورة، وايضا في اعاقة تنفيذ المخطط المرسوم لاعادة تقسيم وترتيب اوضاع المنطقة كلها وفق المخطط الموضوع لها منذ سنوات طويله (مشروع الشرق الاوسط الجديد).
وثاني هذه المقدمات والعوامل، هو خروج عفريت الارهاب من قمقمه وفلتانه من تحت السيطرة بعد ان اشتد عوده وتبلورت له رؤى واهداف خاصة تفترق باضطراد عن رؤى واهداف صانعيه، وبدأ ارهابه واذاه يصيب الدول التي لعبت ادواراً اساسية في صناعته، بدليل العمليات الارهابية التي نفذها ضد الدولة التركية في اكثر من موقع، والعمليات الارهابية ضد دول اخرى، والتهديدات التي يواصل إعلانها.
وثالث المقدمات والعوامل، بالنسبة لتركيا بشكل خاص، هو الموضوع الكردي وبروز امكانية تبدو ذات حظوظ لقيام كيان سياسي خاص بالاكراد او منطقة حكم ذاتي، وهو ما تحاربه تركيا بشراسه وترى فيه خطراً على أمنها وسيادتها، خصوصا وانه يرتبط بالحركة الكردية الناشطة منذ سنوت طويلة في تركيا والمطالبة بحقوق قومية للاقلية التركية الكبيرة.
ثم تأتي عوامل اخرى تتمثل في المشاكل الداخلية في تركيا نفسها تحت عنوان الديمقراطية في مواجهة الاتجاهات السلطوية الدكتاتورية. وتتمثل في مشكلة ما يقرب من مليوني لاجئ في تركيا والخلاف مع الاتحاد الاوروبي حول شروط واثمان حلولها، وتتمثل في الخلاف مع الولايات المتحدة الاميركية بالذات حول موضوع اكراد سورية، كما تتمثل في موضوعات اخرى.
لكن يبقى التساؤل قائما ومشروعا حول حظوظ استكمال تركيا استدارتها تجاه الوضع السوري وثباتها عليها وتخليها عن الطموحات السلطانية التي برزت بجلاء بالذات في سنوات الحدث السوري، في مقابل التخوف ان تتغلب النزعات والطموحات السلطانية والتوافق مع مخططات الدول الطامحة بالسيطرة على المنطقة فتوقف استدارتها، بل ربما ترتد عليها.
سماع دوي انفجار في العاصمة التركية أنقرة.. ما هي التفاصيل؟!
01 أكتوبر 2023