ملاحظات على هامش محاولة انقلاب أنقرة..!!

أكرم عطا الله
حجم الخط

الثابت أن تركيا في ظل حكم حزب الحرية والعدالة أصبحت أكثر قرباً للفلسطينيين وأكثر تضامناً ودعماً سواء للسلطة الفلسطينية أم لحركة حماس، سابقاً حدثت انقلابات كثيرة في تركيا ولم تكن تثير اهتمام الفلسطينيين كدولة ذات قومية أخرى كانت تجد نفسها جزءا من أوروبا وليس جزءا من الشرق، لكن الأمر هذه المرة كان مختلفاً من حيث متابعة تفاصيل المحاولة الفاشلة لجزء من الجيش التركي.
الرأي العام الفلسطيني وحتى ساعة متأخرة من تلك المحاولة كان يحبس أنفاسه على وقع تفاصيل الأحداث، هناك البعض أبدى سعادته مما يجري والبعض الآخر كان قلقاً إلى أبعد الحدود، في لحظة ما بدا وكأن الأحداث هي جزء من الداخل الفلسطيني وفي الحقيقة فإن أي تغيير في أنقرة ستكون له انعكاسات كبيرة على التوازنات في الساحة الفلسطينية، هكذا ارتبطت الأمور في السنوات الأخيرة حيث ظهرت تركيا كداعم رئيسي لحركة حماس على المستوى الإقليمي بل وربما الأخير بالرغم من مواقفها الداعمة للرئيس الفلسطيني.
كما كل الأشياء في السنوات الأخيرة ليس هناك رأي موحد للفلسطينيين ينطلق من المصلحة الوطنية بقدر ما أن قياس الأمور يأخذ شكل المصالح الحزبية وينطلق من التوازنات الداخلية، انقسم الفلسطينيون في الرأي تجاه محاولة الانقلاب في أنقرة فهم يرون المسألة بنفس المعيار الخاطئ داخلياً، منطق صديق الخصم وخصم الصديق، حركة حماس تبدى بها القلق فيما لو نجح الانقلاب ستجد نفسها وحيدة في عالم السياسة فيما أن خصوم الحركة من الفلسطينيين كانوا ينتظرون نجاحه ربما ليس انتقاماً من الرئيس التركي وحزبه بل إضعافاً لحركة حماس.
حتى كتابة هذا المقال لا أحد يعرف كيف حدثت محاولة الانقلاب وقوة المشاركين فيها من الجيش ومن المبكر تقييم ما حدث لأن الضباب يحجب الرؤية،  وقبيل كتابة المقال هاتفت أكثر من صديق من الفلسطينيين في إسطنبول في محاولة لتقييم وتحليل ما جرى لكن الأمر زاد غموضاً حيث الانقسام الفلسطيني جعل حتى شهود العيان من قلب الحدث يعطون رأياً متناقضاً إلى أبعد الحدود، فمعارضو الرئيس التركي اعتبروا أن الانقلاب هزيل وكان مكشوفاً للأجهزة قبل المحاولة بل وأن السلطات تركتهم لثقتها بالقدرة على السيطرة وللقيام بعد ذلك بتطهير الجيش، بينما اعتبر مؤيدو الرئيس أنه انقلاب خطير جداً تمت السيطرة عليه بنجاح.
باستثناء الاتفاق مع إسرائيل لقد بدأت تركيا تنتهج سياسة أكثر متوازنة تجاه مشاكلها في الإقليم وبدأت إجراء مراجعة لسياساتها الخاطئة ضد الخصوم، بدءا من روسيا ونذر التغيير تجاه المسألة السورية وحتى تجاه مصر وإيران وبدا كأن أنقرة أمام انعطاف كبير سيضمن استمرار نموها الاقتصادي وتجذر تجربتها الداخلية الفريدة والتي كانت تطرح تساؤلات التناقض بين النجاح الشديد في الداخل والفشل الشديد في علاقاتها بالجوار.
لكن اللافت فيما حدث في تركيا وهو ما يدعو للمقارنة المثيرة للأسى مما حصل ويحصل في الدول العربية ليس فقط في قوة الرئيس التركي وشعبيته التي اندفعت للشارع لتفشل في غضون ساعات محاولة الإطاحة بالحكم، بل وهنا الأهم هو موقف الأحزاب المعارضة في تركيا والتي اصطفت منذ اللحظة الأولى رافضة الانقلاب العسكري وليس كما المعارضات العربية التي ثبت بالتجربة أن معظمها على استعداد للتآمر والخيانة وليس فقط تجاوز القانون من أجل إسقاط الخصم عندما وقفت إلى جانب السلطة لحظة شعورها بخطر يتهدد الوطن، لقد قدمت المعارضة هناك نموذجا وطنيا حقيقيا فيما قدمت المعارضات العربية نموذجا سيئا في الاستعانة بالخارج ضد خصوم الوطن والسياسيين والذي انتهى بتدمير الأوطان.
نحن في غزة نعرف ماذا يعني الانقلاب وما هي نتائجه على الوطن والمواطن وعلى الحريات عندما يحكم السلاح، ولكن من سخريات القدر أن المؤيدين للانقلاب في غزة رفضوا بشدة الانقلاب في أنقرة وان المعارضين للانقلاب هنا أيدوا الانقلاب بأنقرة مع إدراكنا للفارق الهائل بين المسألتين باعتبار أن الأزمة الفلسطينية ذات طابع سياسي برنامجي، أما هناك فهي ذات طابع تآمري صرف لكن النتيجة واحدة حيث استعمال السلاح في السيطرة لإقصاء وشطب الآخر.
أما آن الأوان أن تنتهي تلك السخرية التي تتجسد في كل حركة وفي كل حدث إقليمي أو دولي؟ نحن أمام حالة كاريكاتورية من التبريرات التي يضطر فيها الخصوم إعطاء موفقين لقضية واحدة متشابهة تماماً فقط لأن مصالحهم استدعت اللعب على حبال الكلمات، آن الأوان أن يتوقف الفلسطينيون أمام أنفسهم وأمام مصالحهم العامة لأن في استمرار ذلك ما يعني استكمال الاستعانة بالخارج على الداخل أو بتغيرات الخارج للانتصار على الداخل، وفي خضم ذلك كانت تنهار مصداقية الفصائل.
لو نجح الانقلاب وسقط الرئيس التركي هل يمكن أن يتصور الفلسطينيون أنه سينشأ هناك نظام قريب لهم مثل النظام الحالي؟ بالتأكيد لا، وبغض النظر عن دعمه لحركة حماس أثناء الانقسام الفلسطيني وهو ما يثير الكثيرين في الساحة الفلسطينية من خصوم الحركة الفلسطينية لكن بديل أردوغان سيكون أكثر سوءا للقضية الفلسطينية ولحركة حماس وهذا لا ينتظره الفلسطيني عندما يتذكر حكومات سابقة كانت في أفضل حالاتها محايدة تماماً تجاه الملف الفلسطيني بل أكثر قربا من إسرائيل قياسا بتركيا الحالية.
لو نجح الانقلاب في تركيا لكان ذلك خسارة لتجربة رائدة في الإسلام السياسي الوسطي الذي نحاول أن ندفع بأحزابنا الإسلامية وخاصة حركة حماس لتقليده، فهو على درجة من الاعتدال الذي تحتاج أن تتعلم منه أحزاب التطرف في العالم العربي هذا القدر من الكفاءة في إدارة الشعوب وبمرونة أيديولوجية واجتماعية متقدمة يراها كل من أتيح له زيارة ذلك البلد وسيعرف أن أحزابنا عندما تنقل التجربة التركية ستكون أوطاننا بخير، جيد أن النموذج لم يسقط لأن ذلك كان سيوفر للمتطرفين ذخيرة العناد والإعجاب بنموذجهم الفريد.!