الحل الذي أوجده مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا العلمانية، من اجل الحفاظ على الدستور كان جعل الجيش أمينا على هذا الدستور. كان هذا نظاماً يضمن نوعاً من الاستقرار في النظام، لكنه شكل تناقضاً لإطار الديمقراطية الذي يعبر عن رغبة الشعب وليس عن تحليلات الجنرالات حول تطبيق الدستور. وكان اردوغان رئيس حكومة تركيا، هو الذي تصارع مع قيادة الجيش ونجح في تقييد قوة الجيش.
وقد كان هناك من انتقد اردوغان بسبب ذلك على اعتبار أن هذا الامر جزء من إسكات وتحييد مراكز القوة المختلفة في بلاده (السلطة القضائية ووسائل الاعلام وإطار التعليم الديني الذي أنشأه غولن، حليفه سابقا)، لكن الاتحاد الاوروبي وغيره باركوا هذه الخطوة لأنها تلائم الموقف الديمقراطي الذي يعتبر أن الجيش يقوم بتنفيذ أوامر النظام ولا يراقبه. كانت هذه الخطوة التي قربت تركيا، ولو نظريا، من العضوية في الاتحاد الاوروبي.
محاولة الانقلاب التي أصابت الجميع بالدهشة أثبتت أن السيطرة على الجيش ليست مسألة سهلة، وأن تغيير النظام لن يؤدي الى انقلاب فوري في المنظمة الكبيرة والاكثر أهمية في الدولة. يدور الحديث هنا عن قادة قضوا عشرات السنين في الجيش، وكانت لهم مواقف في هذه السنين لم تتغير مع تغير النظام. وحقيقة أن اردوغان قد نجح في مرحلة معينة في محاكمة عدد كبير من الضباط وتسبب في تغيير القيادة العسكرية رفيعة المستوى لا تقضي بأن الضباط الأعلى مركزاً اقتنعوا بعدالة طريقه، بل العكس، يمكن القول بأثر رجعي إن الانقلاب يجب ألا يكون مفاجئا لهذه الدرجة. محاولة الانقلاب لم يكن بالامكان منعها فقط بوساطة الشبكات الاجتماعية. ومن يزعم أن هذه الشبكات استبدلت ميدان المدينة، يعلم الى أي حد أن هذا القول خاطئ في تلك الليلة الحاسمة بين الجمعة والسبت. طلب اردوغان من الجمهور الخروج الى الشوارع، فوصلوا الى المطار والشوارع والجسور والميادين وأوضحوا للمتمردين أنه سواء أحبوا الرئيس أو عارضوا سياسته فانهم لا يريدون العودة الى سنوات الديمقراطية العسكرية (بكل تأثيراتها السياسية والاقتصادية). فهم يفضلون ديمقراطية منقوصة على النظام العسكري الكامل. الشبكات الاجتماعية كان لها دور في نقل الرسالة، ولكن لو بقي الشباب الاتراك في البيت لكان يوجد الآن نظام عسكري في أنقرة.
يتوقع المحللون أن اردوغان سيشدد قبضته ويستغل الانقلاب الفاشل من اجل الحاق الضرر بحقوق الانسان والسيطرة على وسائل الاعلام من اجل عدم تكرار هذا الامر. التقدير هو أنه سيحاول مرة اخرى تغيير الدستور من خلال البرلمان حتى يزيد من صلاحياته. وآمل أن يكون في دائرته شخص يقترح عليه أن يفعل العكس، ويذكره بأنه هو السبب فيما حدث، حيث قام ببناء قصر فيه ألف غرفة مع غرفة واحدة إضافية. واذا فعل الرئيس التركي الآن ما يتوقعونه منه فستكون المعارضة الديمقراطية هي التي سترشده الى الطريق إلى الخارج.