كان لي جولات في مدن أوروبية عديدة، خلال الشهرين المنصرمين، ليس في سياق السياحة والتجوال فقط، بل كان معظمها لزيارة الأهل والأصدقاء، التي شاءت الأقدار، أن يغادروا سورية تجاه دول اللجوء والشتات في الدول والعواصم الأوروبية، بعد أن تعذرت سبل العيش والحياة في سورية، ومخيمات اللاجئين فيها، خاصة مخيم اليرموك!!
ما يشاهده الإنسان من حالات جديدة، تترافق وأوضاع اللاجئين القادمين من سورية الى ألمانيا خاصة، يصل الى حد الدهشة، والتساؤل جدياً، حول مصير هؤلاء القادمين وما ستؤول اليه أحوالهم مستقبلاً، ما هو مصير شخصيتهم الوطنية، وما هو مصير تاريخهم ... ما يسمعه الزائر القادم، من اللاجئين حول رحلة العذاب واللجوء، من أهوال رافقتهم بدءا من مغادرة الأراضي السورية، عبر الحدود التركية - السورية ووصولا لألمانيا تحديدا، هو مذهل حقاً ... هو أمر خطير يصل الى حد المجازفة بالحياة، بهدف الوصول الى بر الألمان.
عاش اللاجئون جميعهم من سورية وفلسطين، مرحلة الاحتجاز في معسكرات، اعدها الألمان خصيصا لإيواء عشرات الآلاف من اللاجئين، ودراسة اوضاعهم، قبل قبولهم كلاجئين واعطائهم حق الاقامة.
معظم المهاجرين، وبعد نيلهم حق الاقامة، لديهم رغبة جامحة للانخراط في مجتمع، يختلف عن مجتمعاتهم في اللغة وفي العادات والتقاليد، والمناخ .. وهنا يبرز دور الشباب، الجامح والطامح، للنجاح في الانخراط في المجتمع الجديد، بينما تتعثر جهود من تجاوز الأربعين والخمسين في العمر!!
الجميع لديهم حنين قوي، للوطن الأصلي سورية، لكن ما تحمله الذاكرة، يقف حائلاً ومانعاً لا يمكن القفز عنه.
يشكو سفراؤنا في الخارج، من مواقف يسمعونها من اللاجئين في دول الشتات الاوروبي، وجميعها تناصب العداء، لمواقف م.ت.ف، وعدم السؤال عن أحوالهم وهو أمر يستحق التوقف عنده، ودراسته دراسة علمية ودقيقة، اساسها وجذرها، سؤال حول مستقبل هؤلاء اللاجئين، وهل يمكن تأطير جهودهم، بما يكفل تعزيز الوطنية الفلسطينية؟!
الآن، هناك جاليات فلسطينية، لا يمكن تجاوزها أو القفز عنها، وبها طاقات علمية وفنية، ولمعظمها دور في حياتنا الوطنية الفلسطينية، في مخيمات اللجوء في سورية وغيرها من البلدان العربية. لدى الأوروبيين، وخاصة الألمان، خطط مدروسة، وبعناية فائقة، لاستيعاب اللاجئين السوريين والفلسطينيين، على حد سواء، ومن الأجدى والأجدر، ان يكون لدينا، نحن كسلطة وكمنظمة تحرير، خطط للتواصل مع هؤلاء اللاجئين، التي شاءت ظروف قاهرة لحملهم على الهجرة والتشتت، وهذا أمر ممكن، في حال توفر الارادة، وحسن التواصل مع الأهل والخلان، وهم في حالة التحول، الايكولوجي، التي ستترك اعمق البصمات خاصة على الجيل القادم، من المهاجرين.
ليس صعبا للغاية، أن نقوم بدراسات محددة، ومعمقة، حول أعداد اللاجئين، وأماكن تشتتهم ومن ثم التواصل مع ممثلين عنهم، لمعرفة ما يعانونه من مشكلات وما هي الأسئلة التي تؤرقهم وتشغل بالهم.
الأمر يحتاج الى لجنة عمل متماسكة، تعمل بالتنسيق مع سفارات فلسطين في الخارج، تعمل هذه اللجنة، عبر إطار إلكتروني، وموقع ينشر اخبار الجاليات الفلسطينية، ويقدم معلومات حول قوانين الدول الأوروبية، بحيث يطلع اللاجئ على القوانين والإجراءات التي تكفل حقوقه، ومن خلال هذا الموقع تتم عمليات التواصل، ما بين الوطن وأماكن الشتات، وبه يطلع الجميع على المشكلات التي يعاني منها اللاجئون، ويطلع على مقترحاتهم الخاصة، بالشؤون الفلسطينية كافة.
بات من المستحيل، القفز عن الجاليات الفلسطينية في الخارج، أكان على مستوى التمثيل الفلسطيني، او سلامة الحياة السياسية الفلسطينية، فلا اعداد هؤلاء تسمح بذلك، ولا قدراتهم وإمكانياتهم.
دعاوى في فرنسا ضد دول أوروبية لدعمها إسرائيل بالسلاح
12 نوفمبر 2023