زياد جيوسي " صباحنا معًا "

thumbgen
حجم الخط

الخامسة صباحًا؛ أصحو من نومي على زقزقة عصفورة وحيدة تحطّ على نافذتي، أفتح السّتارة وأطلّ للخارج، ظلام الليل بدأ بالانسحاب والسّماء تتحوّل إلى لون رماديّ.. نمت مع الثّالثة صباحًا.. أيكفي ذلك؟

هذه العصفورة اختارت نافذتي لتزقزق لي أنا؟ لمَ؟

أتراها شعرت بوحدتي كما وحدتها ؟! أشعرت بألمي كما هو ألمها؟ تنسّمت الهواء العليل ملء صدري وابتسمت.. لا تسأليني كيف عرفت أنّها عصفورة، فالعصفورات وحدهنّ من يمتلكن الإحساس بالغريب، وحدهنّ يمتلكن هذه النّغمات الحنونة، ونافذتي لا تستقبل إلاّ العصفورات.

صوتها واهن وحزين، وكأنّها قطعت مسافات طويلة، أسرت بعتم من ليل لتزقزق على شبّاكي وتطير، كأنّها تستعجل العودة بعد سفر، العودة لديار بعيدة. الضّياء يمتدّ.. أحتسي قهوة باردة تركتها حين نمت، للتّبغ مذاق مرّ في هذا الصّباح، لكن للوحدة أيضا مذاقًا أكثر مرارة.. هل كنت أنتِ من تجسّدت كعصفورة؟ ربّما..

ربّما خشيت أن تدقّي على نافذتي في هذه الهدأة من تباشير صبح جديد؟ ربّما خشيت أن تضيفي لوجعي وجعًا جديدًا، أو أردت أن تلقي عليّ تحيّة صباحنا قائلة: في الليل ساعات أكثر ممّا نحتاج.

يا زنبقة برّيّة تعانق جذع سنديانة وحيدة تستظلّ بفيء زيتونة، تقرأ الحروف المنقوشة على كف السّنديانة، تقرأ الخطوط، تعلم ما يحتويه النّسغ، سرّه، سرّك، فعشّاق الأشجار يتفاهمون.

* من كتاب أطياف متمردة للكاتب من منشوارات دار فضاءات/ الأردن