مراراً وتكراراً يدعو المسؤولون الإسرائيليون ومن أعلى المستويات، إلى البدء باتخاذ خطوات أحادية الجانب، من أجل التعامل مع الجمود الحالي في العملية السلمية، أو في مفاوضات السلام وما يدور حولها هنا وفي المنطقة، وتأتي هذه التصريحات في ظل تبدل وتغير الأولويات وحتى الاهتمامات في المنطقة وفي العالم في أمورنا أو في قضيتنا، وفي ظل الحديث المتصاعد والمتكرر من هذا الطرف أو ذاك حول تلاشي حل الدولتين، وفي نفس الوقت التصريحات الموازية بعدم واقعية حل الدولة الواحدة، وبالأخص من قبل الطرف الإسرائيلي، الذي من شبه المؤكد أنه يرفض انضمام حوالي 6 ملايين فلسطيني إلى دولة واحدة، بحيث يتمتعون بنوع من الحقوق في تلك الدولة تحت نظر وسمع ومراقبة ومتابعة العالم.
وتأتي هذه الدعوات في ظل انسداد كامل في الأفق السياسي، وفي ظل برود أو تناسٍ عربي لما يدور عندنا، وبالأخص بعد ان أصبح ما يجري في سورية أو في اليمن أو في ليبيا أكثر أهمية لمصالح دول عربية عديدة، وحتى في ظل اهتمام أوروبي بما يدور على أبوابهم من قضايا اللاجئين وأعمال العنف وتبعاتها المتدحرجة، وحتى في ظل انشغال أميركي بالمد الروسي المتصاعد في المنطقة وتبعات ذلك الإقليمية والدولية، وكذلك بحمى العملية الانتخابية وحتى في ظل انتظار قرارات أو بيانات الجنائية الدولية، والتي من الممكن أن تمتد لعدة سنوات قادمة؟
في ظل كل ذلك، تزداد خطورة البدء في خطوات أحادية الجانب، لا نعرف مضمونها، ويعرف من يخططون لها، أن المنطقة والعالم لن تستطيع عمل شيء لإيقافها أو حتى للتعاطي معها وإعطاء الأولوية لها، كما لم تستطع عمل أشياء أُخرى، من أجل إيقاف لجوء حوالي 10 ملايين سوري من بلادهم أو في داخلها، أو لإيقاف الحرب المدمرة التي حطمت بلادهم وحرقت أراضيهم وشتتت أبناء الشعب الواحد.
وفي نفس الوقت، وبعيداً عن واقعية حل الدولة الواحدة، فكيف من الممكن أن يبقى خيار حل الدولتين قائماً، ونحن نعرف أن هناك سياسة بل وخطوات عملية من اجل اقتطاع مناطق فلسطينية ولو تدريجياً، وبالتالي فرض القانون الإسرائيلي عليها، مثل الاتجاه بذلك نحو منطقة الأغوار الفلسطينية، أو منطقة معاليه أدوميم، أي اقتطاع البقع الجغرافية الفلسطينية والتي تشكل حوالي ربع مساحة الدولة الفلسطينية المتوقعة في إطار حل الدولتين، التي يسعى الفلسطينيون والعالم لإنشائها، لان اقتطاع الأغوار مثلا، وبأي شكل أو بأية صورة، وتحت اية مسميات، يعني اقتطاع أراض زراعية وتربة خصبة وآبار مياه جوفية، وأراض سهلة تصلح للإنشاءات والمشاريع الاستراتيجية، واقتطاع التواصل بين الداخل، وكذلك اقتطاع او تشوية التواصل مع الخارج.
وفي ظل تلاشي حل الدولتين، أي إقامة الدولة الفلسطينية المقبولة دولياً ضمن حدود عام 1967، والتي تشكل فقط حوالى 22% من مساحة ارض فلسطين التاريخية، يتلاشى التواصل والسيادة والتحكم الواجب لإقامة دولة أسوة بغيرها من الدول في المنطقة والعالم، والذي لم يكن موجوداً بالأصل بين الضفة وغزة، اصبح الآن غير موجود بين مدينة أو قرية وأُخرى، وان مقومات وجود أو ثبات أو ديمومة مثل هذه دولة تتداعى بشكل منهجي، من خلال الاستغلال المتواصل لمواردها ولمصادرها الطبيعية من مياه وارض وثروات، ومن خلال الإصرار على التحكم في الأجواء وفي الحدود وفي التنقل ومن خلال التقسيمات المختلفة والتي أصبحت جزءاً من الواقع.
وفي ظل وصول احتمال خيار الدولتين الى احتمال الصفر تقريباً، وفي ظل أوضاع متغيرة وتتغير بسرعة، سواء أكانت عندنا او من حولنا، وفي ظل الحديث عن عدم جدوى المراحل السابقة وشعاراتها وأطروحاتها، وفي ظل الحديث عن الحاجة الماسة لاستراتيجية فلسطينية جديدة تتعامل مع السياسات الحالية على الأرض، وتأخذ الواقع بكل معطياته بعين الاعتبار، فإن المطلوب هو أخذ هذه المعطيات بشكل موضوعي وعلمي من أجل تحديد الخيارات أو البدائل، بعيداً عما كان يُعرف بـ «حل الدولتين»، وحتى حل الدولة الواحدة، وبعيداً عن الشعارات الكبيرة والعواطف والتصريحات التي اعتدنا عليها.