بلال كايد، المعتقل الاداري المضرب عن الطعام منذ 41 يوما، هو واحد من 651 فلسطينيا معتقلون اليوم في اسرائيل بدون محاكمة، بناء على توقيع القائد العسكري وبأمر من «الشاباك». يشكل عدد المعتقلين الاداريين هذا أكثر قليلا من عُشر السجناء الفلسطينيين الامنيين المعتقلين في اسرائيل، الذين يبلغ عددهم 6.290، حسب معطيات ادارة مصلحة السجون التي قدمتها لصحيفة «هآرتس». هناك ازدياد في عدد المعتقلين بدون محاكمة منذ حزيران 2014 بعد اختطاف وقتل الفتيان الثلاثة في الضفة الغربية. ولكن اذا كانت الذروة في آب 2014 حيث وصل عددهم الى 473 معتقلا مقابل أقل من 200 معتقل قبل ذلك التاريخ بأربعة اشهر، فانه منذ انتفاضة الافراد في تشرين الاول 2015 زاد العدد الى حوالي 700 معتقل: 698 معتقل في نيسان من هذا العام، 684 في أيار و 688 في الشهر الماضي.
يتلقى كايد العلاج في مستشفى برزيلاي بسبب تدهور وضعه الصحي. وهو مقيد بسريره في غرفة نافذتها وستائرها مغلقة. ووهو ممنوع من الزيارة. الغرفة مضاءة مدة 24 ساعة، وهناك كاميرا أمنية تقوم بالتصوير ليل نهار. ثلاثة من مصلحة السجون يقومون بحراسته، اثنان منهم يتواجدون بشكل دائم في غرفته. وهو يرفض اجراء أي فحوصات أو اضافة الاملاح والفيتامينات لمياه الشرب، واحيانا يفقد نظره للحظات ويجد صعوبة في المشي، وهو يعاني من اوجاع رأس شديدة ومُعرض لخطر السكتة القلبية. ورغم ذلك هو بكامل وعيه.
عندما أعلن كايد الاضراب في 15 حزيران كان يعرف ما ينتظره. في يوم الاثنين 13 حزيران أنهى كايد فترة اعتقال مدتها 14.5 سنة. وبشكل استثنائي جدا، في ذلك اليوم، تم استبدال تصنيفه من أسير محكوم الى أسير إداري، لا يحق له معرفة الاتهامات المشتبه بها. وقبل ذلك بخمسة ايام تم نقل كايد من سجن ريمون الى سجن الرملة. وقد توقع أن سبب ذلك هو اطلاق سراحه. وفي بيته في عصيرة الشمالية في شمال نابلس استعد الجميع لعودة الابن. فقد تم تنظيف البيت وتعليق لافتات التهنئة. شقيقه محمود، وهو صاحب نادي رياضي في نابلس ويحضر للدكتوراة في الرياضة في الاردن، قرر منح بلال ادارة النادي، وبدأ في التفكير بزوجة مناسبة للشقيق (الوالد توفي في العام 2013). في الموعد المخصص للتحرر توجه أبناء العائلة والاصدقاء الى حاجز الظاهرية، عندها جاءت مكالمة هاتفية بأنه تم نقل بلال الى المحكمة العسكرية في عوفر. وهناك تقرر وضعه في الاعتقال الاداري مدة ستة اشهر. تاريخ القرار هو السابع من حزيران. «قتلتم فرحة عائلة كاملة»، قال محمود كايد.
قبل ايام قال بلال كايد لمحاميته، فرح بيادسة، التي قامت بزيارته إنه مضرب عن الطعام، ليس فقط من اجل حريته، بل ايضا كي لا تحول اسرائيل ذلك الى طريقة تطال الجميع: اعتقال الفلسطينيين بأمر اداري بناء على معلومات سرية، قبل تحررهم من السجن بلحظة. الاضراب هو رسالة بأنه لم يختر بارادته البقاء في السجن، قال لها، وأضاف: «أضرب عن الطعام ليس لأنني أريد الموت، بل لأنني أريد العيش حراً، وأرفض التسليم بالاعتقال كأمر طبيعي».
ثمة أمر عسكري (المواد 284 – 294) يخول القادة العسكريين اصدار أمر الاعتقال الاداري عند وجود «احتمال معقول بأن الاعتبارات الامنية وسلامة الجمهور تتطلب ابقاء شخص معين في الاعتقال». الدافع المعلن عادة يكون منع «الخطر» الذي قد يضر بالجمهور الاسرائيلي – اليهودي مستقبلا. ولكن في العادة يتم تحديد الخطورة حسب الأدلة أو الاشتباه السريين، حيث يكون الشخص قد قام بتنفيذ عمل يعتبره القانون العسكري مخالفة. في حالات كثيرة يكون الاعتقال الاداري بسبب عدم التصريح عن الجهات التي أبلغت عن المخالفة. يمكن أن يكونوا متعاونين أو يريدون الحاق الضرر بشخص معين. وتجارب الماضي تثبت، لا سيما في ظل الاحداث والمواجهات ضد الاحتلال وكجزء من القمع، أن اسرائيل تقوم باعتقال نشطاء فلسطينيين سياسيين واجتماعيين اداريا، بسبب ممارساتهم السياسية وقدرتهم التنظيمية ومواقفهم.
فترة الاعتقال هي ستة اشهر على الاكثر. ويمكن تمديدها بأوامر جديدة. في الماضي وصل الامر الى خمس سنوات. يتم احضار الأسير أمام قاض عسكري بعد اعتقاله بثمانية ايام من اجل إجراء يسمى «الرقابة القضائية». تقوم النيابة بعرض الملف السري والأدلة والشبهات على القاضي، حيث إن الاسير ومحاميه محظور عليهما رؤيتها ودحضها. ويوافق القاضي على موقف الادعاء. وعندها يمكن تقديم الاستئناف والاستئناف مرة اخرى، لكن بدون فائدة. ومن ثم الانتظار من اجل التحرر أو تمديد الاعتقال.
حسب مصادر فلسطينية، 47 معتقلا وأسيرا يضربون اليوم عن الطعام تضامنا مع كايد. والاضراب عن الطعام يعتبر اخلالا بقوانين السجن. وردا عليه تقوم السلطات باتخاذ خطوات عقابية منها منع زيارة الاهالي ومصادرة اغراض شخصية وأدوات كهربائية وفرض غرامة مالية ونقل الى الزنزانة وتقليص نصف المبلغ المخصص للشراء من الكانتينا. عدد المضربين عن الطعام قليل جدا مقارنة بآذار 2012 حيث احتج 1500 أسير في اضراب متواصل على الاعتقال الاداري والعزل. وخلافا لليوم، فان الاضراب في حينه أحدث صدى في اوساط الجمهور الفلسطيني.
أحد المضربين عن الطعام تضامنا مع كايد هو الاسير الاداري عمر نزال، وهو صحافي وصاحب شركة اعلانات وانتاج للافلام القصيرة، وهو متحدث باسم عدد من المنظمات الفلسطينية غير الحكومية. نزال من مواليد جنين وخريج في علم الاجتماع من جامعة بير زيت، عمره 52 سنة وأب لثلاث بنات. وهو يكثر من انتاج الافلام لصالح المنظمات التي تدافع عن حقوق المرأة، حسب اقوال زوجته. قبل اعتقاله ببضعة اشهر ترك منصبه كمحرر رئيس في محطة التلفاز «فلسطين اليوم» (المقربة من «الجهاد الاسلامي»). وقد عمل في هذا المنصب سبعة اشهر، وهو بين الفينة والاخرى يقوم بنشر مقالات انتقادية ضد السلطة الفلسطينية. وقد اعتقل في 29 نيسان في جسر اللنبي وهو في طريقه الى مؤتمر للصحافيين في البوسنة، حيث تم استدعاؤه كعضو في نقابة الصحافيين الفلسطينيين. وفي السنوات الاخيرة منع من السفر للخارج عدة مرات. «اعتقدنا أنه على الاكثر ستتم اعادته من الجسر»، قالت زوجته مارلين، «لكن أن يتم اعتقاله؟ هذا لم يخطر ببالنا».
في نقاش الرقابة القضائية قيل إنه ينتمي للجبهة الشعبية. وقالت زوجته لـ «هآرتس» إن هذا غير صحيح. وقيل ايضا إنه يهدد أمن المنطقة. نظرت زوجته الى صورته في الغرفة وضحكت: «هو؟ خطير؟ القاضي العسكري احتياط رون دلومي الذي صادق على أمر الاعتقال لاربعة اشهر، وقاضي الاستئنافات نتنئيل بنيشو الذي رفض الاستئناف على الاعتقال قال إن نزال يستخدم علاقاته كصحافي من اجل القيام بأعمال تنظيمية. والمحامي حسان قال للصحيفة: «لم أفهم هذه الاقوال»، «كل صحافي له علاقات. وهذه العلاقات تكون مع مُعدي الاخبار. وهو يذهب الى انشطة سياسية كهذه أو تلك». وقد قال نزال نفسه في المحكمة العسكرية إنه على قناعة أن اعتقاله سياسي، ويهدف الى منعه من المشاركة في مؤتمر دولي وإسماع الصوت الفلسطيني.
في الوقت الحالي لا يعرف نزال بيقين متى سيتحرر.
سنتين بدون محاكمة
في العام 2012، بعد الاضراب الجماعي عن الطعام، انخفض عدد المعتقلين الاداريين من 300 الى 150 معتقلا، بل أقل من ذلك (134 معتقلا في آب 2013 حسب معطيات مصلحة السجون التي نشرتها «بتسيلم»). أي خلال ثلاث سنوات تمت مضاعفة عدد الاسرى بدون محاكمة بثلاث مرات بأمر من «الشاباك». وحسب نادي الاسير الفلسطيني، في الاشهر الستة الاولى من هذه السنة صدرت أوامر اعتقال اداري ضد 412 فلسطينيا، أي أن هناك 200 أسير تم تمديد اعتقالهم مرتين وربما أكثر. وفقط في العام 2007 كان العدد أعلى، حيث وصل الى 900 معتقل. وفي 2003 تجاوز العدد ألف معتقل.
المحامي محمود الحلبي، من نادي الاسير، يمثل منذ بداية سنوات الألفين، الاسرى الاداريين فقط. والآن هو يتابع 290 ملفا، وبعض موكليه معتقلون منذ سنتين وأكثر. «الامر الاصعب نفسيا – لهم ولأبناء عائلاتهم – هو عدم وجود موعد للتحرر، ويمكن تمديد الاعتقال مرة تلو الاخرى»، قال. هذا «اعتقال مؤبد بدون محاكمة»، قال محمود كايد شقيق بلال.
في الاشهر العشرة التي سبقت اعتقال بلال الاداري، تم وضعه في زنزانة في ظروف نظافة سيئة جدا، وقد مُنعت والدته وزوجة والده الاولى التي قامت بتربيته كابن لها، من زيارته. لدى العائلة والمحامين فرضيتان حول تصميم «الشاباك» على ابقائه في السجن. الفرضية الاولى هي صدام كلامي صعب كان بينه وبين ضابط الاستخبارات في سجن مجدو، حيث تم ادخاله في اعقاب ذلك الى السجن الانفرادي. أي أنه يمكن أن يكون الحديث عن انتقام ذلك الضابط. والفرضية الثانية هي أنه خلال سنوات كان كايد ممثلا للاسرى عن الجبهة الشعبية أمام سلطات السجن. ممثل الاسرى يكون دائما ينتمي لهذه المنظمة أو تلك، ولا يمكنه القيام بدوره بدون موافقة مصلحة السجون. وهذا النظام مهم ومريح للطرفين للحفاظ على الهدوء. وبفعل وظيفته حاول كايد علاج المشكلات الاجتماعية الداخلية في اوساط الاسرى في سجن مجدو. احدى هذه المشكلات كانت الاسرى الذين استغلوا موقعهم وأخذوا الاموال من الاسرى الضعفاء والاصغر سناً منهم. وقد دخل كايد في جدال مع اولئك الذين وقفوا متفرجين ولم يعملوا على انهاء هذه الظاهرة. وتفسير ذلك ما قاله محاميه محمود حسان للقاضي رون دلومي: «ضابط استخبارات بادر الى العزل وأسرى معينون قدموا له معلومات عن كايد. وتم استبدال العزل فيما بعد بالامر الاداري. وطلب حسان فحص ما اذا كانت المعلومات قد أعطيت مقابل امتيازات معينة.
يفترض الأخ محمود أن السبب هو الكاريزما وقدرة شقيقه القيادية، التي تبلورت أكثر في السجن وهي تقلق السلطات. فقد دخل بلال الى السجن في جيل العشرين. العائلة هي من العائدين: الأب خدم في الجيش الاردني، وقبل حرب 1967 غادر الضفة الغربية. وبعد ذلك انضم الى جيش التحرير في م.ت.ف كمهندس ومسؤول عن الصيانة. وولد الابناء في سورية وترعرعوا في عمان. وعندما تم التوقيع على اتفاق اوسلو اعتقدوا أنهم عائدون الى مرحلة اخرى من السلام. وقد أيدوا السلطة الفلسطينية الى درجة أن بلال انضم الى القوات الخاصة في الشرطة. يقول الأخ محمود إنه في 2001 كان بلال من بين رجال الشرطة التي وضعت في سجن نابلس التابع للسلطة كسجان على محمود أبو هنود، عضو الذراع العسكرية لـ «حماس» وهو أحد سكان عصيرة ايضا. في أيار 2001 قامت اسرائيل بالقاء قنبلة على السجن الذي كان معتقلا فيه: نجح أبو هنود في الهرب وقُتل 11 من الشرطة من اصدقاء بلال. هذا هو السبب الرئيس الذي دفع بلال الى استخدام السلاح ضد المحتل. وقد اعتقل في نهاية 2001، حوكم وأُدين بسبب عضويته في منظمة معادية ومحاولتي تسبب بالقتل عن طريق اطلاق النار.
رفض القاضي العسكري دلومي فرضيتي العائلة والمحامين: «يتبين من المعلومات أن الشخص عمل في صفوف الجبهة الشعبية اثناء اعتقاله ايضا»، كتب في قرار المصادقة على أمر الاعتقال الاداري لستة اشهر. «كانت مكانته رفيعة المستوى بين أسرى الجبهة الشعبية، وكان مسؤولا عن أسرى الجبهة الشعبية في سجن مجدو». وحسب اقوال دلومي فان قرار الاعتقال الاداري صدر بسبب نشاطه وبسبب البُعد العسكري. «من المعلومات التي تم تقديمها لي، يتبين أنه كان متورطا في اعمال حقيقية في هذين البُعدين، سواء في اطار السجن أو التأثير في منطقة سكنه. هذه الاعمال لها بُعد عسكري خطير. ولولا اعتقاله لكان تحرر واستكمل هذه النشاطات». لا كايد ولا محاميه من حقهما مواجهة الاتهامات أو دحضها من خلال استجواب الشهود.
«بدون معلومات فان ما بقي للمحامي هو طرح الاسئلة التي قد تزعزع ثقة القاضي»، قال المحامي حلبي لصحيفة «هآرتس». «إنه يستطيع ايضا محاولة تقليل مدة الاعتقال، خصوصا عندما يتم التمديد». في نهاية الاسبوع الماضي عاد حلبي وهو سعيد من محكمة عوفر لأنه نجح في تقليل مدة التمديد شهرا لمعتقلين اثنين.
«اعتقال عادي»
في البينغ بونغ مع ممثل النيابة يسأل المحامي مثلا منذ متى عُرف أن فلان شارك في اطلاق النار؟ الجواب هو: في المادة السرية. متى بدأت المواد السرية تتدفق؟ مكتوب في المادة السرية. هناك معلومات تفيد أنه خطط للمزيد من اطلاق النار؟ مكتوب بالمادة السرية، وهكذا. أحد موكلي حلبي هو ش.، قاصر من مخيم للاجئين، قيل إنه اطلق النار مرة واحدة في 2015. وهناك اليوم سبعة قاصرين من بين المعتقلين بدون محاكمة. كان عددهم في نيسان 13 معتقلا. يقول حلبي إن جميع القاصرين نسبت اليهم اعمال عسكرية يمكن أن تكون ايضا تخطيطا للطعن.
اعتقل ش. من بيته في المخيم في الصباح الباكر. ثلاث وحدات أحاطت بيت العائلة الذي يعيش فيه أعمامه. استيقظت جميع العائلات التي تسكن في البيت على اقتحام الجنود. وفي كل شقة سألوهم ما الهدف – الى أن وصل الى بيت ش. عشرة أو سبعة جنود مع كلب أخاف الطفلة الصغيرة.
قاموا بقلب البيت وقيدوا يدي ش. الى الخلف وغطوا عيونه. ضربوا الأخ الاصغر منه لأنه تجرأ وقام بخفض صوت جهاز اللاسلكي الذي تم وضعه في الغرفة. فرح الجميع لأن الأخ الاكبر لم يكن موجودا: يتعلم الطب في الخارج. الأب كان نشيطا في «فتح» في الانتفاضة الثانية واعتقل مدة سنتين. «الاعتقال أمر عادي»، قال الأب، «لكنني غضبتُ لأنه اعتقل قبل امتحانات الثانوية». تحدثت الأم عن الفرحة التي يلاقيهم بها الابن عند ذهابهم لزيارته. «في البيت ليس له الوقت لرؤيتنا، أما في الزيارات فيقول إن رؤيته لنا تجعله سعيدا».