تساؤلات السياسة للانتخابات البلدية..!

أكرم عطا الله
حجم الخط

مرة أخرى كما جرت العادة أو كما توقفت عن الجريان بفعل الانقسام تجري انتخابات تحت الاحتلال.. ولأن الانتخابات تعطلت منذ أكثر من عقد بعدما حدث من تداعيات أدت لاقتسام السلطة بين غزة والضفة بما يشبه القسمة الرضائية بقوة السلاح، نتج عنها تثبيت للوضع الراهن دون أية محاولة لإجراء تغيير من خلال إرادة الشعب المستلبة.
حرمان الناس من التعبير عن حقها الطبيعي جعل من الانتخابات مطلباً بل وحلماً أزاح كل أسئلة الواقع بعيداً في ذروة هذا الحلم، لكن في لحظة العقل لا بد وأن يعاد التذكير بتلك التساؤلات وسط جملة الالتباسات الحاصلة وجملة التعقيدات التي وقعت فيها الحالة الفلسطينية من حكم تحت الاحتلال وهذه أول مرة تحدث في التاريخ.
نعم نريد انتخابات للتعبير عن الرغبة بالمشاركة الوطنية وتجسيد مشهد الوحدة والتنافس والتحالفات والدعاية الانتخابية والصندوق ولتعزيز ثقافة الديمقراطية ووضع المسؤول أمام محاكمة شعبية بين فترة وأخرى، لأنه بغياب الصندوق والمحاسبة لا يعود هناك شيء مدعاة لخشيته من أداء فاسد او حتى أداء امتدادات حزبه السياسية والأمنية، لذا فإن أية انتخابات حتى ولو كانت انتخابات طلابية هي محاكمة للأداء الكلي لأي حزب حاكم.
نريد كل ذلك أمام ثقافة حكم تسيدت بتشوه كبير ولم تعد تبالي بالإرادة الشعبية ولا تتعامل معها باحترام، أو على انها حق من حقوق المواطن متناسيةً أن من يعمل بالحكم هو موظف لدى تلك الإرادة وهي التي تقرر فصله أو تجديد عقد عمله باختصار نريد إعادة صياغة العقل الثقافي للحاكم ليصبح أكثر تواضعاً وأكثر فهما لمكانته الطبيعية بعيداً عن أوهام العبقرية التاريخية وتعليمه ألف باء الحكم وأصوله على أسس سليمة لأن واقع التجربة يقول عكس ذلك تماماً.
ولكن في ذروة اللحظة تبدو مشروعية فهم الواقع أكثر أهمية، حيث أننا نجري انتخابات بلدية هذه المرة أيضا في ظل تحكم الإسرائيلي في كل شيء وفي تفاصيل الشؤون الخدمية، وهذا ما يدعو للشفقة على المرشحين الذين سينثرون ما يكفي من الوعود خلال فترة الدعاية الانتخابية بإدراك أو من دون إدراك أنها مسقوفة بالإسرائيلي في تفاصيلها من خدمات ومياه وكهرباء ورصف طرق وصرف صحي وغيره، فالذي يحدد نجاح أو فشل الوعودات هو الاحتلال وهنا المأزق الذي نحاول تجاهله في طريق الصعود نحو المواقع.
سيغدق المرشحون ما يفيض عن قدرتهم وقدرة أحزابهم من وعود، ولكن رئيس البلدية في قطاع غزة مثلا أعجز من أن يُدخل كيس اسمنت واحداً في لحظة ما لإصلاح خط للصرف الصحي، وقد يكون ما يشبه في الضفة الغربية بشكل أو بآخر ما يجعل رئيس بلدية في بلدية ما بحاجة للتنسيق مع رئيس بلدية إسرائيلي لتحقيق وعد ما، وهذا يعيدنا للسؤال الطبيعي ماذا يعني إجراء تلك الانتخابات وإلى متى سيستمر الفلسطيني بتلك اللعبة في الدائرة المغلقة والتي يسد الإسرائيلي أمامه كل الأبواب، بل وسيحول كل نتائج الصندوق إلى مادة للابتزاز السياسي.
وهذا ربما ما يدعو للتساؤل حول جدية حركة حماس بدخول الانتخابات حتى الخدمية منها والمرتبطة بإسرائيل وخصوصاً بعد تجربتها الطويلة والمريرة والتي أفشلها الإسرائيلي نتاج عدم التنسيق بينهما، وتلك التجربة علينا جميعا قراءتها والاستفادة منها وأولنا الحركة نفسها، سواء في قطاع غزة أو بالبلديات المفترض أن تفوز بها في الضفة الغربية.
هذا ربما ما يفسر التردد حتى اللحظة لدى حركة الجهاد الإسلامي التي نأت بنفسها عن كل ما أنتجته الاتفاقيات بين الفلسطينيين والإسرائيليين على المستوى السياسي، ولكن التباسات الواقع تجعل نفس التعقيدات تنسحب حتى على أقل الخدمات، وأغلب الظن أن الإسرائيلي لن يضع أيا من العقبات أمام إجرائها لأنها تحقق الشكل الذي يريده في العلاقة مع الفلسطينيين ويعمل بكل ما أوتي من قوة على تثبيته، وهو حكم إداري تحت الاحتلال بينما سنرى عقبة «القدس» التي سيضعها فيما لو قرر الفلسطينيون إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.
قد نفهم رغبة حركة فتح بالمشاركة في الانتخابات المحلية لقدرتها على التعايش مع واقع كانت قد صنعته منذ أكثر من عقدين وقدرتها على التواصل مع إسرائيل لتسهيل الخدمات التي يتطلبها موقع الحكم. لكن واقع التجربة في قطاع غزة بالنسبة لحركة حماس يقول إن فوز الحركة يعني زيادة معاناة بالنسبة للناس، ألا يدعو ذلك لتساؤلات جدية حول استمرار إجراء الانتخابات في ظل الاحتلال تبدأ تلك التساؤلات من حركة حماس وتنتهي بالسلطة التي تحولت مع الزمن إلى ذراع إداري للاحتلال، أما بالنسبة لحركة الجهاد أغلب الظن أنها ستحسم أمرها بالابتعاد عن تلك اللعبة المسقوفة بالاحتلال كما فعلت خلال السنوات الماضية.
لا يعني ذلك الدعوة لعدم إجرائها والمشاركة فيها، فالحاجة الفلسطينية إلى إجراء الانتخابات أقل خسارة قياساً بهذا الواقع الذي تحول إلى حالة استبداد لا مثيل لها، وأصبحت التعيينات هي الشكل الوحيد في اختيار الموظفين، وأصبح الولاء والانتماء للحزب الحاكم وحتى لأفراد منه هو معيار الوظيفة وليس الكفاءة، وقد أدى ذلك إلى تراجع كبير على صعيد الحكم والخدمات، وقد آن الأوان لوقفه ولا يتم إلا بالعودة للاختيار الشعبي والإرادة الشعبية.
نحن إذن أمام إشكالية كبيرة ونبدو أمام خسارات فقط، إذا ما أجريت في ظل الاحتلال فهي خسارة، وإذا لم تجر فهي خسارة أكبر، أرأيتم حالنا؟ وهذا ينسحب على كل شيء، حيث تحولت كل حركة إلى خسارة، هذه هي الدائرة التي أغلقها الإسرائيلي بإحكام والتي تستدعي نقاشا سياسيا فكريا مختلفا يعيد تأصيل «المسألة الفلسطينية» على نمط «المسألة اليهودية» أما استمرار حالة الفهلوة بهذا الشكل فهي أفضل وصفة لضياعنا ولزيادة معاناتنا وهذا ما يحصل، تأملوا جيدا.!