في 12 تشرين الاول 2015، في ذروة موجة عمليات الطعن، وصل مصطفى الخطيب، ابن الـ 17 الى باب الاسباط في القدس. حسب الشرطة، امتشق سكينا وحاول طعن شرطي حرس الحدود الذي كان في المكان. وكان الشرطي يرتدي سترة واقية وبقي بلا أذى، اما الخطيب فقتل إثر اطلاق النار عليه. في عائلة الخطيب لم يسارعوا الى قبول رواية الشرطة عن الحدث وتوجهوا الى وحدة التحقيقات مع الشرطة (ماحش) للتأكد من ان اطلاق النار تم بالفعل حسب الانظمة المتبعة.
كقاعدة، في كل حالة يطلق فيها شرطي النار تنتهي بالموت، تفحص "ماحش" ملابسات الحدث واذا كانت استوجبت هذه النتيجة الفتاكة. مرت أربعة اشهر الى أن جاء جواب "ماحش" أخيرا في آذار. "في ضوء فحص المادة التي وصلت الينا والمتعلقة بالحدث المطروح، توصلنا الى الاستنتاج بأنه لم تتوفر بنية تحتية من الادلة التي تفيد بارتكاب مخالفة جنائية من أي من افراد الشرطة في الحدث".
غير أنه يتعين هنا التوقف عند "فحص المادة". فمراجعة لملف التحقيق تظهر أن "ماحش" لم تحقق على الاطلاق بل ولم تستوجب افراد الشرطة الذين كانوا مشاركين في الحدث. عمليا، اكتفت بتقرير العمل الذي كتبوه بعد الحدث وباستجواب داخلي أجرته الشرطة لثلاثة من أفرادها. ولكن الأخطر من هذا، كما يتبين، ان تقرير العمل ذاته – الذي كان الوحيد الذي ظهر في ملف التحقيق المرسل الى محامي العائلة – لم يتعلق على الاطلاق بالحدث الذي قتل فيه الخطيب، بل بحدث آخر وقع قبل يومين من ذلك.
شريط كاميرا الحراسة الذي وثق الحادثة ووصل الى "هآرتس" يبين كيف أن الخطيب يدفع الشرطي ويشرع بالفرار من حلقة أفراد الشرطة – وعندها فقط تطلق النار عليه في ظهره. ولكن محققي الوحدة لم يجمعوا افادات من المارة الذين كانوا في المكان. وبعد أن عارضت الشرطة تنفيذ تشريح جنائي لجثة الخطيب، اجري تشريح ذاتي في معهد الطب الشرعي في جامعة القدس في ابو ديس بمبادرة محامي أبناء عائلة الخطيب، بتكليف من مركز "عدالة" ومنظمة "الضمير". وتنسجم نتائج هذا التشريح مع الشريط: فاطلاق النار الذي أدى الى موت الخطيب كان موجها نحو القسم العلوي من جسده، وبالاساس لظهره.
"يبين ملف الادلة انه توجد قصورات عديدة في التحقيق في هذه الحالة واسئلة عديدة في الملف"، يقول المحامي فادي خوري الذي مثل عائلة الخطيب. "رغم ذلك، لم تنفذ وحدة التحقيقات "ماحش" أي عمل ذاتي واستندت الى استنتاجات الشرطة بشكل مطلق، وان كان يتبين بوضوح من التوثيق الجبهوي لاطلاق النار أنه كان بخلاف تعليمات فتح النار". وادعوا في "ماحش" بان اطلاق النار كان لازما لتحييد الخطر وانه يحتمل أن يكون تقرير العمل المغلوط جزءا من سجل يوميات العمليات الذي اخذ كجزء من الفحص.
القصورات في ملف الخطيب ليست حالة وحيدة. ففي الاشهر التي مرت منذ بدأت موجة "الارهاب" رفعت سلسلة من الطلبات الى "ماحش" لفحص اجراءات اطلاق النار على "المخربين"، ولكن يتبين أنه باستثناء حالة واحدة، اغلقت الملفات بدون التحقيق مع الشرطة في وحدة "ماحش" او جمع افادات. وكانت احدى الحالات وقعت بعد يومين فقط من ذاك الحدث في باب الاسباط. في هذه الحالة طعنت امرأة ابنة 72 في المحطة المركزية في القدس. وقام أفراد من الشرطة، وصلوا الى المكان، باطلاق النار فقتلوا المشبوه، احمد ابو شعبان، ابن 22، قرب المحطة. وفي شريط قصير وثق الحدث بدا شرطي يطلق النار عليه وهو ملقى على الارض.
وكان جواب "ماحش" على شكوى العائلة مشابها للجواب الذي تلقته عائلة الخطيب. وعندما استأنفت العائلة على اغلاق الملف قيل لها في جواب مفاجئ: "لا توجد مادة في ملفنا غير الشكوى التي وصلتنا من منظمة مركز "عدالة". وشرحت "ماحش" لـ"هآرتس" جوابها هذا قائلة انه يبدو ان ليست كل المواد صورت ولكن القرار الذي اتخذ استند الى شهادات مباشرة وغير مباشرة حول الحدث، كانت الشرطة جمعتها وليس من المحققين في الوحدة.
ويقول البروفيسور مردخاي كرمنتسار: "اعتقد بان الطريق الوحيد لاكتشاف ان افراد الشرطة عملوا بشكل غير قانوني هو من خلال الاستجوابات الشرطية الداخلية. وعند الامتناع عن التحقيق مع الشهود وجمع الادلة فان هذا يضمن مسبقا اغلاق الملفات وعدم ظهور أي حالة شاذة ابدا".
تعليمات إطلاق النار
مسألة تطرحها هذه الحالات هي تعليمات فتح النار لدى الشرطة. فهذه تقضي بان على الشرطي ان يعطي تحذيرا مسبقا عن نيته فتح النار، وعلى الرصاصة الاولى أن تكون في الهواء. ويرد هناك انه "يمكن التخلي عن التحذير المسبق عندما يكون متوقعا خطر حقيقي فوري على حياة أو سلامة جسد الشرطي او أي شخص آخر"، كما تشدد التعليمات بان "واجب على الشرطي ان يستخدم أداة اطلاق النار بحذر اقصى، بشكل يتسبب باصابة طفيفة، قدر الامكان، على سلامة الجسد او الممتلكات".
حالة اخرى هي ما حدث مع محمد ابو خلف. فقد قررت "ماحش" اغلاق النار ضد شرطة حرس الحدود الذين وثق اطلاقهم للنار عليه وهو مستلق على الارض. فطاقم "الجزيرة" صور كيف اطلق افراد الشرطة النار على ابو خلف بعد أن طعن اثنين منهم واصابهما بجراح خطيرة، وكيف أن هؤلاء واصلوا اطلاق النار عليه حتى بعد أن كان ملقى على الارض.
وقدمت "ماحش" جوابا على كتاب محامي ابو خلف فقالت انه "في ضوء المادة المجمعة يتبين ان هذا كان ردا عملياتيا غريزيا من شرطة حرس الحدود على هجوم مفاجئ من شخص مسلح بسكين طعن احد رفاقهم في رأسه وكذا طعن شرطيا هرع لمساعدته فاصابه بيده". ولكن مع أنه لم يتم التحقيق او الاستجواب لاي من افراد الشرطة المشاركين في وحدة "ماحش" بل فقط لدى الشرطة اضافت "ماحش" بانه "لم يوجد في مادة الادلة وفي الشهادات اشتباه معقول لارتكاب مخالفة جنائية من قبل أي من افراد الشرطة".
وفي حالة مقتل معتز عويسات، ابن 16، الذي اطلقت النار عليه بعد أن حاول تنفيذ عملية طعن في حي ارمون هنتسيف في القدس، لم يصل أي من افراد الشرطة الى غرف التحقيق في "ماحش" التي تقول ان الملف اغلق لانعدام وجود جريمة، لأنه "يتبين بوضوح بان النار كانت لازمة لاحباط محاولة طعن متكررة وحقيقية".
ان سلوك "ماحش" بالنسبة لطلبات الفحص عندما يكون الحديث عن اطلاق نار على "مخربين" اشكالي. فبالنسبة لاربعة شكاوى عن اعتداء من الشرطة رفعها فلسطينيون جاء جواب "ماحش" الملفات اغلقت. والذريعة واحدة في كل الحالات: "بعد فحص الشكوى والدراسة المتمعنة لجملة الملابسات ذات الصلة، توصلنا الى الاستنتاج بان ملابسان القضية لا تبرر فتح تحقيق جنائي".
وعقبت وحدة "ماحش" على التقرير بان "موجة الارهاب التي ألمت بالدولة مؤخرا تضمنت العديد من الاحداث التي استخدمت فيها القوة من افراد الشرطة ممن وجدوا أنفسهم في ساحة عملية أمام من خرجوا الى شوارع المدينة مزودين بسلاح بارد وابدوا نية لقتل مواطنين اسرائيليين على خلفية قومية. وفي حالات عديدة لم يكن مطلق النار مقاتلا مدربا بل فرد يصطدم لاول مرة بحدث متطرف ويرد بشكل غريزي".
وتقول اوساط "ماحش" ان هذه الاحداث ألزمتها "بان تحفظ بعناية التوازن الحساس بين متطلبات القانون والحاجة الحيوية للدفاع عن حياة الانسان بصفته هذه وبين واجب السماح لمقاتلي الشرطة بالدفاع بشكل ناجع عن حياة الجمهور... في ظل الاعتراف بان الشرطي الذي يعلق في حدث عملية، يشغل فكره ويتخذ قراره في غضون ثوان قليلة. معظم الحالات انتهت بنتائج تنفيذ الاشتباه بالعمل الجنائي بموجب قواعد الدفاع عن النفس التي ترد في القانون وفي القضاء".