حققت «الكوتا» هدفها وأوصلت المرأة إلى عضوية المجالس المحلية، لكنها «كوتا» تحت قيادة وإدارة العقلية الذكورية والأبوية، وبالنتيجة وضعت العضوات أمام تحديات كبيرة أو على مفترق طرق. منهن من صمدن وتعايشن وطورن آليات الدفاع عن عضويتهن، تحديْن وصمدن، ومنهن من اخترن الاستقالة أو الانقطاع.
على من نعلِّق سلبيات التجربة برمتها مع مراعاة أن الرجال أيضا كانوا أمام ذات الخيارات، الانقطاع او الاستقالة، ولكن على خلفية وأسباب أخرى، وإلا كيف نفسِّر استقالة أكثر من مئة مجلس محلي في الضفة الغربية خلال الأربع سنوات الماضية. المفارقة، في تساوي الرجال والنساء في مواجهة التحديات، لكن تعثر وإعاقة تجربة العضوات تُحال إلى المواقف الأبوية للمجلس إضافة إلى التحديات العامة، بينما يعود تعثُّر تجربة المجالس إلى الخلافات البينية وعدم انسجام المجالس وخبرتها ونقص الموارد، حصراً.
لقد تم إقرار «الكوتا» بدفع وضغط من ائتلاف عريض من الأطر والمراكز والجمعيات النسوية ضمن حملة «النهوض بواقع مشاركة المرأة في الانتخابات»، بالتعاون والتنسيق مع حلفائها في الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني. لقد أفرزت الحملة تبني «الكوتا» القانونية ضمن السياق الاجتماعي المحلي وعلاقات القوة، التي يتحكم في صياغتها مراكز النفوذ في البيئة الثقافية، العشائرية والعقائدية وروابطهما التقليدية، الوصاية والحدود والتحكُّم والسيطرة.
وعليه، لم يكن بإمكان «الكوتا» سوى جسر الفجوة العددية وإيصال النساء للمجالس، ليس أبعد. وكان مقدراً لها أن تحقق إدماج العضوات في إدارة دفة العمل البلدي بشكل كامل، وتهيئة الظروف لتعزيز المشاركة النسوية.
ولم يكن بإمكان «الكوتا» أن تحقق أكثر من ذلك، دون تبني سياسات وآليات تستثمر وجود «الكوتا»، بأن يعتاد المجتمع على وجود العضوات في المجلس وعلى قيامهن بالمهام المُناطة بالمجالس، اعتياد مراجعتهن كمصدر للمعلومات والتمثيل والمرجعية وأخذ القرار، وصولاً الى التسليم بتعدد أدوار النساء. وهذا كله لم يتحقق ضمن الثقافة السائدة حول تقسيم العمل والسياسة الاقصائية المتبعة في معظم المجالس، لإبقاء العضوات خلف الحجب؛ غير مرئيات.
على ضوء التجربة وانطلاقا من خصوصية النساء، يصبح السؤال الجدي التالي مفصلياً، كيف تُستكمل مهمات التحول والتغيير الاجتماعي للوصول الى تطبيق المبادئ النظرية، مجتمع المساواة بين المواطنين..مجتمع التعددية والمشاركة والمساواة والعدالة الاجتماعية..الاجابة السهلة على السؤال في حكم الغيب، ما دام الاستثمار الاجتماعي في الزراعة البعلية، دون جهود وتدخلات أو سياسات، دون رقابة ومعالجة وتصويب، دون استراتيجية التغيير.
بالنتيجة، مشهد مجالس الحكم المحلي يبدو متناقضاً تماما، فبينما تعتبر المجالس بُنى مجتمعية تتعاطى مع احتياجات وضرورات ومسؤوليات تطويرية مختلفة، مهمتها السعي إلى التغيير وتحقيق الرفاه والتطور الخدمي والاجتماعي والثقافي، لكن البُنى تقف في وجه ومواجهة مع الرؤية الحقوقية المعتَمَدة، بل وتعمل على تكريس الثقافة النمطية لإبقاء الحال على حاله، حفاظاً على مصالحها ونفوذها.
تقبُّل مشاركة النساء في مراكز صنع القرار في بيئة العمل المحلي غير جاهز بشكل عام، حيث تقف المرأة في مواجهة البنية الفكرية الرافضة لتلك المشاركة. لذلك فالقانون الذي أجبر الجهات الفكرية التقليدية التعاطي مع شرط مشاركة النساء، ستلتف لممارسة الإقصاء والاستبعاد بطرق أخرى، اقصاء عن المهام أو حصرهن في مهام تتعلق بتقسيم العمل النمطي، لجان المرأة والطفل. وبالنتيجة مجافاة وتجاهل المتغيرات، التطور النوعي على واقع تعليم المرأة بوصول نسبة الخريجات من الجامعات إلى 70%، تطور الخبرات الاجتماعية للنساء التي تفرزها الاتحادات والأطر النسوية والمجتمع المدني، بما يؤكد أن مشكلة الكفاءة المهنية وفقا لمعايير وتخصصات المجالس المحلية قد تم حلها، بينما لا يزال الرأي العام يتحدث عن إشكالية نقص كفاءة المرأة..
التجربة تشير الى أن الآليات التي تم العمل بها لم تحقق أهدافها، فعلى سبيل المثال قامت وزارة الحكم المحلي بتوقيع رؤساء البلديات على ميثاق النوع الاجتماعي، كتدخل يهدف إلى إدماج العضوات وتقوية الالتزام الأخلاقي بمبدأ واستحقاقات الشراكة، لكن التعهدات غير مقدسة إن تم النظر إليها كأنشطة إعلامية دون ربطها بآليات تؤدي إلى الالتزام الفعلي ينجم عن قناعة راسخة.
لقد سجلت العضوات حصيلة تجاربهن، التي تمس الأغلبية، بوضوح، لعب الأدوار الثانوية، تغييب عن المعلومات وتفاصيل العمل، مأخذ استحواذ الرؤساء على القرار واستمرار ممارسة «الكوْلسة» بين الأعضاء وعدم إشراك العضوات في حوارات الخطط والأعمال والمشاريع، احتكار العلاقات العامة مع المجتمع المحلي، علاوة على الصراخ والهزء برأي العضوات.
من يطفئ دور حارسة النار الدائمة، هذا ما يجب وضع المجهر عليه، فما أحوجنا إلى توثيق الانتهاكات في إطار الحكم المحلي، ما يُشبه «ويكيليكس» خاص بالانتهاكات والعنف الصريح والمبطن ضد المرأة، ريثما يحين الاعتراف بالفشل في تحقيق التغيير المنشود لجهة مجتمع المواطنة والتعددية.