لو انبعث زئيف جابوتنسكي حياً وجاء الى جلسة التأبين في ذكراه في الكنيست، الاسبوع الماضي، لكان من شبه المؤكد سيسارع الى ترك المقر، عائدا الى قبره في جبل هرتسل، ليغطي نفسه بالتراب، ويضع الحجر فوق رأسه ويسأل نفسه وجيرانه: إلى أين وصلنا؟ لقد اختفى ولم يعد البهاء الجابوتنسكي المجيد، الذي حتى اليوم يتحدثون ويكتبون عنه ولم يعد أحد يعرف ما هو بالضبط.
هذا اصطلاح من الماضي، وضعه آريه بابكوف (من أوائل الحركة الجابوتنسكية)، أو أدون شاتس، جد يريف اوفنهايمر، من قادة «السلام الآن»، ولكن بالنسبة لمعظم نواب «الليكود» فان جابوتنسكي اسم لشارع. أما كتابات جابوتنسكي فمن منهم قرأها؟ من يعرفها اليوم؟ ربما بيني بيغن، وواحد أو اثنان من قادة «الليكود».
جابوتنسكي، الذي حلت، الاسبوع الماضي، الذكرى السنوية الـ 76 لوفاته، هو وطني عظيم. ولكن على أي حال لم يتخيل أن يسير ورثته شوطا بعيدا لدرجة التدهور في العلاقات بين واشنطن والقدس مثلا. ماذا اعتقدنا؟ ان يفرغ رئيس الوزراء ماءه فوق الجرف على رئيس الولايات المتحدة العظمى والا ندفع الثمن لقاء ذلك؟ ماذا توقعنا؟
مع نهاية ولايته الثانية كرئيس يأتي اوباما ليتحاسب مع نتنياهو. حسب مبادئ اتفاق المساعدات الامنية للعقد القادم، والذي يتم اعداده هذه الايام، فانه سيترك وراءه على ما يبدو، آلاف العاطلين عن العمل في اسرائيل. هذا ليس عادلا؟ ليس هكذا يتم التصرف؟ وكيف يتم؟ فمن القدس أُرسلت على مدى السنين العصافير لتقضي حاجتها على رأس اوباما. أما الآن فقد جاء دوره ليرد الحرب.
غير أن الجواب الأميركي يناسب الريح التي تهب هناك. فاوباما أو احد من مستشاريه يمس باسرائيل بطريق غير مباشر: فهو يبدل فقط بالتدريج الشواكل الى دولارات. ماذا فعلت؟ اين أجرمت؟ سيقول. فأنا لم أمس بالحجم المالي الحقيقي للمساعدات التي ستعطى لاسرائيل. ولكن كيف مع ذلك تمس بنا؟ واشنطن سمحت في حينه لاسرائيل، في اطار التعويض على تفكيك مشروع طائرة هلفي، ان تبدل 25 في المئة من الدولارات المخصصة للمساعدات الى شواكل. وهكذا وفرت عملا لمئات المصانع الاسرائيلية الصغيرة والمتوسطة، التي لم يزد عدد عامليها أحيانا عن الافراد أو العشرات. والآن سيذهب هذا هباء.
سيكون لاوباما ذريعة استثنائية: أحتاج لأهتم قبل كل شيء بفقراء بلادي. فلماذا نكون ملزمين ان نوفر العمل لآلاف الاسرائيليين عندما تكون شوارعنا مليئة بالعاطلين عن العمل؟ كل أميركي سيشتري هذه «البضاعة». وفي القدس فقط لا يزالون يجدون صعوبة في التصديق بانهم سيتعين عليهم في المستقبل غير البعيد ان يجدوا نحو 3 مليار شيكل آخر لميزانية الدفاع ونحو مليار آخر وحيد ومسكين لسلاح الجو. ويدور الحديث عن مليارات لا توجد اليوم، الا اذا كانوا يخفون عن مواطني اسرائيل مصادر غير منقولة من المال. ربما ميكرونيزيا ستقدمه؟
وكما تصب الوقود على الشعلة جاء البيان في نهاية الاسبوع من «محافل في جهاز الامن» كانت لديها ما تقوله عن بيان اوباما حول انجازات الاتفاق النووي مع ايران. لعل الهجوم على اوباما صحيح ولكنه ليس حكيما وليس في مكانه. كان ممكنا الا يردوا، فقد سبق لحكمائنا أن أوصوا بحكمة الصمت. ولكن مرض الثرثرة لا يمكن علاجه على ما يبدو.