في مثل هذا الشهر قبل ستة أعوام، رحب أمين عام حزب الله بأمير قطر الذي زار جنوب لبنان، ورفع الحزب حينها شعار "شكرا قطر". واستقبل الأمير استقبال الفاتحين، وتم تسليمه مفتاحا رمزيا لجنوب لبنان، ورُفعت أعلام قطر بجانب أعلام حزب الله (في بعض الصور والتسجيلات يظهر علم الحزب مع قطر فقط، وليس علم لبنان). وهذا الشكر لم يكن مقتصراً على الدعم المالي القطري، ولكن كان هناك الدعم السياسي والإعلامي، ودعم حزب الله ضد خصومه المحليين اللبنانيين. كانت قطر وإعلامها منحازين حينها، ولم يكن الإعلام مهنيا تماماً، وما تزال سياسات وإعلام قطر تكتنفهما الأجندات السياسية والانحيازات، ولذلك فإنّ هجوم أنصار النظام السوري، وحزب الله، يجدر أن لا يتذرع بتطبيع قطر مع الإسرائيليين، فعلى هذا الصعيد، لم يتغير شيء.
كان محور ما يسمى "الممانعة" (مقابل محور ما سمي "الاعتدال")، يتكون من سورية وحزب الله وحركة "حماس"، وكانت قطر، وقناة "الجزيرة"، تعتبر من أهم حلفاء أو داعمي أو أعضاء هذا المحور، مع إيران بالطبع، من دون أن تحول القاعدة العسكرية الأميركية في قطر أمام ذلك، أو يحول تطبيع الدوحة مع الإسرائيليين، في التسعينيات، دون ذلك. ولعل من المناسبات التي لا تُنسى في مواقف قطر الإعلامية (قناة "الجزيرة")، يوم شنت حملة ما سمي "كشف المستور" ضد السلطة الفلسطينية، بطريقة فيها الكثير من الملاحظات على مهنية الأداء حينها (انظر مقالاتي في "الغد" بهذا الشأن وخصوصاً 3 آيار (مايو) 2011)). وحينها كانت العلاقات إيجابية جدا مع حزب الله وسورية، وطبعاً "حماس". وقطر ليست بعيدة عن لعبة التحالفات والتجاذبات في "الربيع العربي"، وتحالفها مع الإسلاميين والإخوان المسلمين، تحديداً، وكيف ساعدتهم أمر ليس سرياً تماما، وشبكة الدعم لهم معقدة، ولكن يمكن تتبعها (انظر مقالاتي في "الغد" أيضاً، ومنه "قطر وصناعة الثورة" (9 آب (أغسطس) 2011)، وفي "The National" في 8 آيار (مايو) 2012، بعنوان "Qatar's ties with the Muslim Brotherhood affect entire region").
تكفي نظرات متناثرة وسريعة لتغطية قناة "الجزيرة" الآن، حول سورية، أو حتى الانقلاب في تركيا، أو بشأن نظام عبدالفتاح السيسي في مصر، لتدرك أنّ القناة لا تتوانى بشكل مباشر وصريح حيناً، وبشكل غير مباشر تارة أخرى، في تبني مواقف تعبر عن انحيازات سياسية، تتماشى مع سياسة الدوحة في كثير من الأحيان، وتعبر أيضاً في أحيانٍ أخرى عن أيديولوجيا وانتماءات المذيعين والصحفيين الفكرية والسياسية. فهناك مثلا ابتهاج واضح وانحياز، درجة الاحتفال، بفشل الانقلاب في تركيا، وهناك حملة ضد السيسي.
المِثل يقال عن عزمي بشارة، الذي استُقبل في سورية ومن قبل حزب الله في لبنان، بينما كان عضوا في الكنيست الإسرائيلي، واعتُبر جزءا من منظومة وفكر "الممانعة"، بينما يجري الهجوم عليه الآن بشدة، واتهامه بالتطبيع، وليس دخول عدد من الأشخاص لمؤتمر نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الذي يرأسه بشارة، وتم تنظيمه في تونس، لدراسة حملات المقاطعة للإسرائيليين، وعمليا دراسة كيف يمكن أن تطوّر المقاطعة، وصراخ هؤلاء باتهام قطر بالتطبيع، ليس إلا مثالا على تناقض المواقف.
كان هناك تحالف قطري مع حزب الله ونظام بشار الأسد، ومعهم حركة "حماس" وكثير من القوى القومية والإسلامية، والآن هناك انقسام؛ "قطر" ومعها القيادة الرسمية لحركة "حماس" والإسلاميون، مقابل النظام السوري وحزب الله وطهران، وهؤلاء متحالفون مع موسكو، وهناك جناح في "حماس" يبدو أقرب إليهم.
لا يتوقف الذين يدّعون مواجهة قطر، بدعوى التطبيع والممانعة، عند أنّ قيادة "حماس" موجودة في الدوحة، وأنّ سيطرة "حماس" على غزة تتلقى الدعم القطري والتركي، فهل "حماس" ضد الممانعة؟ ويحاولون الهرب من التنسيق منقطع النظير بين الإسرائيليين والروس، بما في ذلك تنسيق الأداء الروسي في سورية.
المعضلة في كل ما مضى، هي محاولة التذرع بالإمبريالية ومعاداة التطبيع والإسرائيليين، لإسباغ الشرعية على المواقف المختلفة. والحقيقة أنّ ما يحدث هو صراعات سياسية، بين أجندات مختلفة، تدخل فيها الطائفية، والحسابات الحزبية والشخصية، ومصالح أنظمة سياسية. ولكن كما كان الأمر دوماً، تُلقى القضية الفلسطينية في موقد هذه الصراعات، لأنها "العصب النافر" في الضمير العربي.
عن الغد الاردنية