اختتم مركز مسارات فعاليات مؤتمره "نحو رؤية شاملة لإعادة بناء الوحدة الوطنية"، حيث ناقش وثيقة الوحدة الوطنية، التي تعبر عن خلاصة الجهود والاستنتاجات التي تم التوصل إليها خلال خمس سنوات من الحوار غير الرسمي، ضمن إطار برنامج دعم وتطوير مسار المصالحة الوطنية، وغيرها من الجهود التي بذلتها قوى سياسية وشخصيات مستقلة ومنظمات أهلية ونسوية وشبابية، وذلك بهدف الخروج بتوصيات وآليات عمل؛ من شأنها المساهمة في دعم فرص تحقيق الوحدة الوطنية في إطار إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، وتعزيز فرص مواجهة التحديات التي تعصف بالمشروع الوطني.
وتوزعت أعمال المؤتمر على أربع جلسات، خصصت الأولى لعرض أهم الخلاصات الناجمة بعد سنوات من الحوار والبحث التي استندت إلى الورقة المرجعية لوثيقة الوحدة الوطنية، إضافة إلى تناول البرنامج الوطني ودور الشتات في تحقيق الوحدة. بينما تطرقت الجلسة الثانية إلى المنطلقات والمبادئ ومسارات خطة العمل التي تقترحها الوثيقة. وتناولت الجلسة الثالثة التحديات والفرص أمام تبلور تيار وطني وشعبي داعم لإعادة بناء الوحدة واستعادة مكانة القضية الفلسطينية بصفتها قضية تحرر وطني وديمقراطي. وأخيرًا، كُرّست الجلسة الرابعة لمناقشة إمكانية توفير الظروف لنمو تيار وطني وشعبي قادر على شق مسار إعادة بناء الوحدة وفق الرؤية التي تتضمنها الوثيقة.
وعقد المؤتمر في قاعتي الهلال الأحمر الفلسطيني في مدينتي البيرة وغزة عبر "الفيديو كونفرنس"، وعبر "سكايب" مع بيروت في مقر "مركز عائدون" في مخيم مار الياس، بحضور أكثر من 700 مشارك من السياسيين والأكاديميين والنشطاء والشباب ومؤسسات المجتمع المدني، من مختلف مدن الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48.
وافتتح المؤتمر سعد عبد الهادي، رئيس مجلس إدارة مركز مسارات، حيث أشار إلى أن حالة الانقسام والتيه التي يعاني منها الشعب الفلسطيني تعود إلى وصول الإستراتيجيات المعتمدة لدى طرفي الانقسام إلى طريق مسدود، فطريق المفاوضات الثنائية وكذلك مسار المقاومة بأشكاله قد وصلا إلى طريق مسدود، ويضاف إلى ذلك الدور الذي لعبته الجغرافيا في فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، والذي تعزز بتنفيذ خطة شارون للانسحاب من قطاع غزة.
وقال إن الانتقال من حال إلى حال يتطلب وضوحًا في الرؤية، وما يقوم به مركز مسارات هو بحث عن هذه الرؤية الجامعة لتكون ركيزة للنضال الفلسطيني بكل أشكاله وألوانه ومكوناته، ونحن نؤمن بأن الشعب إذا تمكن من إيجاد طريقه فيمكنه التغلب على الجغرافيا. وبالتالي، فإن طريق الوحدة يبدأ بالشعب صاحب المصلحة الذي لا بد أن يلتقط زمام المبادرة ولا يبقى رهينة لمصالح هذه الجهة أو تلك.
الجلسة الأولى: خلاصات واستنتاجات، والبرنامج الوطني ودور الشتات
وفي الجلسة الأولى التي ترأسها عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة أمان لمكافحة الفساد، الذي أكد على أهمية أن يكون لهذا المؤتمر ولأي مؤتمر هدف، وهدف هذا المؤتمر عرض وثيقة الوحدة الوطنية وكيفية العمل من أجل تبنيها.
وقدم هاني المصري، مدير عام مركز مسارات، ورقة تناولت أسباب تقديم المركز لوثيقة شاملة للوحدة الوطنية، وشدد على أن إن إنهاء الانقسام يجب أن يترافق مع التشخيص السليم للواقع الفلسطيني، وتقديم علاج مختلف عن ما حدث حتى الآن، يقوم على إعطاء الأولوية للتوصل إلى رؤية شاملة وإستراتيجية سياسية ونضالية، وإلى أسس وقواعد الشراكة قبل إنهاء الانقسام؛ حتى تقوم الوحدة على أسس متينة قابلة للاستمرار، ولا تكون معرضة للانهيار أمام أول اختبار جدي. كما تطرق إلى أبرز القضايا الخلافية التي كانت بمثابة عقبات وقفت في طريق الوحدة الوطنية، مثل تفعيل الإطار القيادي المؤقت، وعقد المجلس التشريعي، وإعادة توحيد المؤسسات الأمنية والمدنية.
وأشار إلى إن عدم انخراط الجماهير الفلسطينية بقوة في الجهود الرامية إلى إنهاء الانقسام يعود إلى تمتع الفصيلين الكبيرين المسؤولين عن الانقسام بقوة وجماهيرية كبيرة وعدم تبلور تيار ثالث قوي قادر على تحريك الشعب ليفرض إرادته بالوحدة على طرفي الانقسام، وإلى تخويف الشعب من الوحدة وتضليله بأن الوحدة تعني للضفة تعميم الحصار والدمار والعدوان والحصار الذي يعيشه قطاع غزة، إضافة إلى غياب القضايا الجوهرية، وخصوصًا لامتعلقة بقضايا شعبنا في أراضي 48 والشتات، وطغيان الثنائية والمصالح والمكاسب.
وتطرق إبراهيم أبراش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر – غزة، في ورقته الموسومة بـ "برنامج وطني إستراتيجي وليس مصالحة طرفي انقسام" إلى أهمية الاتفاق على برنامج وطني إستراتيجي كمرجعية لعمل النظام السياسي الفلسطيني في ظل المتغيرات العربية والدولية المفتوحة على كل الاحتمالات، لاسيما أنه من دون الاتفاق ستستمر حالة التيه التي تمر بها القضية الفلسطينية، وسينزلق النظام السياسي إلى مزيد من التفكك.
وقال: إن أية محاولة لوضع رؤية شاملة للمرحلة القادمة يجب أن تنطلق من تجاوز الوضع الراهن الذي نبحث عن بديل له، أو نسعى لتصحيحه، والبرنامج الوطني ليس برنامج الحكومة وليس مصالحة طرفي الانقسام، إنه برنامج الكل الفلسطيني لمواجهة الاحتلال وإنجاز الاستقلال التام، ويفترض أن يتجاوز ما هو قائم، الأمر الذي يتطلب الانتقال من مفهوم مصالحة طرفي الانقسام – فتح وحماس - إلى الوحدة الوطنية.
ونوه أبراش إلى أهمية الاتفاق على عدد من القضايا من أبرزها، مجلس تأسيسي للإشراف على وضع وتنفيذ البرنامج الوطني، والمصالحة الوطنية ومنظمة التحرير، والدولة والحكومة والسلطة، والمفاوضات والعلاقات الخارجية، إضافة إلى المقاومة واللاجئين والانتخابات.
أما الباحث جابر سليمان من بيروت، فتحدث عن دور الشتات في تحقيق الوحدة الوطنية، وقال إن أي مقاربة لإشكالية التمثيل والمشاركة بالنسبة للاجئي الشتات ينبغي أن تعالج أساسًا دور اللاجئين في الحركة الوطنية الفلسطينية.
وأضاف: هذا يتطلب الإضاءة على مسألتين تتعلقان بالمكانة المركزية لقضية اللاجئين وبالمقاربتين الإنسانية والحقوقية لتلك القضية. ففي المسألة الأولى اهتزت المكانة المركزية لقضية اللاجئين في الفكر السياسي الفلسطيني منذ أوسلو، وشهدت الفترة اللاحقة له محاولات خطيرة لإضعاف الإطار القانوني لحق العودة وتهميش قضية اللاجئين. أما بالنسبة للمسألة الأخرى، فيغلب الجانب الإنساني لمشكلة اللاجئين على جانبها السياسي وتقوم على تحسين شروط الحياة للاجئين، بينما تعتبر المقاربة الحقوقية أن جوهر مشكلة اللاجئين "سياسي/حقوقي"، وتنظر إليهم بوصفهم أصحاب حقوق.
وأوضح سليمان أن تعزيز موقع فلسطينيي الشتات ودورهم في عملية إعادة بناء منظمة التحرير يتطلب إعادة بناء مؤسساتها، وتعزيز المقاربة السياسية الحقوقية للاجئين، والحفاظ على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني وعلى المكانة التمثيلية للمنظمة.
وركز صلاح الخواجا، ممثل حركة المبادرة في القوى الوطنية والإسلامية، على شيخوخة القيادة ومؤسساتها التي باتت غير ذات صلة في الواقع، فبين أهمية توظيف طاقات الشباب في العمل الوطني، وضرورة إشراك الشتات وفلسطينيي 48 في بناء الرؤى والإستراتيجيات.
وذكر الخواجا مساوئ الوضع القائم من تهجير داخلي ومحاولة حبس الفلسطينيين في مدن أشبه بمخيمات "حضارية"، مؤكدًا أن إسرائيل استطاعت عبر الاتفاقات السياسية تنفيذ ما عجزت عنه بقوة السلاح. وهذا الوضع يفرض النزول إلى الشارع الفلسطيني والمشاركة في الحراك الوطني السياسي لتنفيذ إستراتيجية وطنية على الأرض.
ووجه المطران عطا الله حنا مناشدة باسم القدس وأهلها ومقدساتها من أجل تكثيف الحوارات الفلسطينية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، مؤكدًا أن وحدة الشعب ضرورية لمواجهة الاحتلال الذي يسعى إلى تصفية القضية. وأضاف "المسألة أن نكون أو لا نكون، ونحن نريد أن نكون، ونريد أن نناضل ونقاوم، ونسعى من أجل الحرية واستعادة الحقوق والقدس".
وعقب في هذه الجلسة من غزة كل من أحمد يوسف، الأمين العام لمؤسسة "بيت الحكمة"، والناشطة شادية الغول، فأكد يوسف على الحاجة إلى مظلة جامعة، في إشارة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، تلتقي فيها الخطوط، مبينًا في الوقت ذاته أن "حماس" تتمسك بالوحدة في سبيل قضية الوطن، وأنه من غير الصحيح أن الملف الوطني الفلسطيني يسير في مسارين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا، بل هناك إمكانية للالتقاء والتوافق على برنامج وطني وقواسم مشتركة. بينما دعت الغول إلى الاعتراف بخطأ اتفاقية أوسلو، وإعادة النظر في أدوات البرنامج الوطني، إضافة إلى استنهاض جميع أشكال المقاومة، وإعادة النظر بفكرة الحل السلمي المطروح على أساس قرار الأمم المتحدة 242.
الجلسة الثانية: وثيقة الوحدة... من أين وإلى أين، والأسس والمحددات
قدم سلطان ياسين، مبادرة إدارة الأزمات الفنلدية، منسق برنامج دعم الحوار الفلسطيني، عرضًا بيّن فيه من أين جاءت الوثيقة وإلى أين تريد الوصول، إذ أشار إلى أن الوثيقة هي حصيلة عملية حوار غير رسمي انطلق من العام 2010 وحتى العام 2016، شارك فيه مختلف التيارات السياسية والتجمعات الفلسطينية والشباب والمرأة. وأضاف: نتج عن الحوار في مرحلته الأولى (2010-2013) العديد من الوثائق والسياسات وآليات العمل الداعمة والمطورة لاتفاقيات المصالحة التي أبرمت، إيمانًا من إدارة البرنامج بأن تطبيق هذه الاتفاقيات ممكن مع هذه المساهمات.
وبيّن أنّ المرحلة الثانية من الحوار غير الرسمي (2014-2016) انطلقت من قناعة نجمت عن استخلاصات المرحلة الأولى من الحوار، التي كان عنوانها "أنه لا يمكن إنهاء الانقسام دون مضمون أساس سياسي"، وللمساهمة في بناء هذا المضمون عرض جلسات الحوار الوطني "غير الرسمي" التي نفذت في مختلف التجمعات الفلسطينية، بمشاركة 1000 فلسطيني من مختلف التيارات السياسية والفكرية والشباب والمرأة؛ بهدف تحديد القضايا السياسية الرئيسة التي من شأن تجاهلها في المسار الرسمي الحد من فرص الاتفاق.
وفي الإجابة عن سؤال إلى أين؟ أكد ياسين أن هذه الوثيقة تتطلب بناء رأي عام وطني وشعبي يضم كل من يوافق عليها كقاسم مشترك، بحيث يشكل حاضنة للرؤية التي تقترحها، مشيرًا إلى أن هذه ليست مهمة مراكز الأبحاث والتفكير، مؤكدًا على ضرورة العمل على إرساء البنية التحتية اللازمة لبناء موقف شعبي ووطني ضاغط عبر شتى الوسائل السلمية باتجاه توفير الظروف لنمو تيار وطني وشعبي قادر على تحقيق الوحدة.
وعرض خليل شاهين، مدير البرامج في مركز مسارات، المبادئ والمنطلقات الموجّهة لعملية إعادة بناء الوحدة التي استندت إليها الوثيقة، انطلاقًا من الحاجة إلى فترة انتقالية في ضوء تعقيدات الوضع الناجم عن طول فترة الانقسام، بحيث يتم إطلاق حوار وطني شامل ومستدام، ضمن سقف زمني قصير، لا يتوقف إلا عند التوصل إلى توافق وطني على ملفات الرزمة الشاملة، ومن ثم يمكن استكمال الحوار ضمن الإطار القيادي المؤقت بعد التوافق على دوره وتوسيع عضويته، دون المساس بمكانة ودور هيئات منظمة التحرير، مع عدم رهن معالجة مشكلات التجمعات الفلسطينية في الوطن والشتات بالشروع في تنفيذ ما يتفق عليه وفق مبدأ الرزمة الشاملة.
وأوضح أن الرزمة الشاملة خلال الفترة الانتقالية تشمل أربعة ملفات أساسية تتوزع على مستويين، يشمل الأول التوافق على ثلاثة ملفات تطرح على أجندة الحوار الوطني الشامل، وهي: أولا الإستراتيجية السياسية والنضالية (البرنامج السياسي)، وثانيا السلطة والحكومة، وثالثا دور ومهمات الإطار القيادي المؤقت خلال الفترة الانتقالية. أما المستوى الثاني، فيشمل ملف إعادة بناء الشرعية الوطنية على مستوى منظمة التحرير والسلطة، ويطرح على أجندة الإطار القيادي المؤقت، ويتضمن: أولا العقد الاجتماعي (الميثاق الوطني)، وثانيا إعادة بناء مؤسسات المنظمة والمجلس الوطني، وثالثا الانتخابات في الشرط الفلسطيني.
وأضاف شاهين: تسعى الوثيقة إلى بناء رأي عام وطني وشعبي يضم كل من يوافق على هذه الوثيقة كقاسم مشترك، بحيث يشكل حاضنة للرؤية التي تقترحها، قبل الشروع في المرحلة الثانية المتمثلة في حشد الدعم لما تتضمنه هذه الوثيقة في مختلف الأوساط الفلسطينية، السياسية والشعبية والمجتمعية، في الوطن والشتات.
وعقب في هذه الجلسة كل من: خالد الحروب، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعة "نورث ويسترن" – الدوحة عبر "سكايب" من كامبردج في بريطانيا، وماجدة المصري، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، إضافة إلى الكاتب والمحلل السياسي في غزة حسن عبده.
وقال الحروب "هناك زوايا متعددة يمكن النظر من خلالها إلى وثيقة الوحدة الوطنية المطروحة، وسوف أحدد مداخلتي في تقييم هذه الوثيقة من خلال الإجابة عن سؤال ملح في تفكيري، وهو إلى أي مدى يمكن أن تساهم هذه الوثيقة في تفكيك نظام أوسلو الجبروتي وكسر جدران الخزان الذي حشرنا فيه هذا النظام؟ وضمن ما تدعو إليه الوثيقة ويهمني بشكل خاص هنا، هو إعادة النظر في شكل السلطة ودورها ووظائفها، والعمل على التحلل من وظائفها وأدوارها الاقتصادية والأمنية، والفصل بينها وبين منظمة التحرير. وهذا في تقديري نقطة البداية".
بينما أشارت المصري إلى أن الوثيقة بعناصرها الرئيسية التي تم الوصول إليها بمشاركات واسعة قد تشكل مرجعية، مبيّنة أن التحديات التي تصطدم بها جهود إنهاء الانقسام تتمثل بمحدودية وموسمية الحراك والضغط الشعبي وطبيعة الانقسام السياسي والجغرافي المؤسسي.
وأكدت على ضرورة توفر الإرادة السياسية لتنفيذ ما جاء في الاتفاقيات، وهي حاليًا لم تنضج بعد نتيجة الضغوط والحسابات الإقليمية والدولية، ولأنها ما زالت مأسورة لحسابات الربح والخسارة. وطالبت بالتعامل بمرونة مع الرزمة الشاملة، وتحديد الأولويات والخطوات التنفيذية، إذ لم يعد كافيًا ومقبولًا الوقوف عند المطالبة بتنفيذ الاتفاقيات، فهناك قضايا موقع خلاف باتت معروفة، والمطلوب الدخول فيها وتقديم معالجات توافقية عملية قابلة للتنفيذ، وتكثيف الحوار حولها من جميع الأطراف المعنية.
وقال عبدو حتى ندرك أهمية الوثيقة لا بد من الحديث عن حجم المخاطر والتحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني في هذا المرحلة، فهو يعيش حالة من التفكك والتحلل في عملية مستمرة غير متوقفة، وهذه الحالة توفر فرصة لأعدائنا وليست لنا. وأضاف: أنّ النظام السياسي الفلسطيني الحالي قديم وهرم وفشل في مواجهة التحديات والمخاطر التي يواجهها الشعب، لا سيما غياب الإجماع السياسي، واستمرار الانقسام. فلا بد من إعطاء الأولوية لوقف الانهيار في الحالة الفلسطينية. ومن هنا تأتي قيمة الوثيقة التي تتضمن مرحلة انتقالية تشمل تجديد النظام السياسي وإنهاء الانقسام.
الجلسة الثالثة: الفضاء الثالث: الممكنات والمتطلبات
في هذه الجلسة التي ترأسها عمر عسّاف، سكرتير اللجنة اولطنية للدفاع عن حق العودة، قدّم الباحث عبد الجواد عمر ورقة بعنوان "الفضاء الثالث: الجمود في الهرم ومآلات التحولات الباطنية"، موضحًا أن الحديث عن تيّارات سياسية في ظل غياب ثقافة سياسية عامة، وسيطرة محكمة، أو تيّارات سياسيّة تخرج من سياق المجموعات النخبوية الاحتجاجية سابق لأوانه، بل إن نهوض تيار سياسي واضح المعالم سيسّهل إجهاضه في مراحل الولادة المبكّرة.
وأشار إلى أن أنماط العمل الجديد ترتكز على أبعاد باطنية لها تجلّيات ظاهرية، وأن قدرة هذا الجيل على تشكيل بديل سياسي لا يتمثل فقط بخلق قيادات جديدة، بل بابتكار أنماط مغايرة تغني عن التنظيم بمعناه الهرمي- الصلب وتتجه نحو الهلامية- اللامركزية والصلبة في تشكّلها، تخرج من رحم الموروث الاجتماعي المتجذر، وتعيد إنتاج أدوات مواجهة في سياقيها الزماني والمكاني.
وأضاف: بعيدًا عن توصيف الحالة التي تعصف القضية الفلسطينية وإمكانية إحيائها من خلال بناء تيارات سياسية لا تنطلق من الأحزاب والبنى التقليدية الفلسطينية المنقسمة على ذاتها وتبتعد عن قطبي الانقسام، تتعدد العوامل المانعة لقيام تلك التيارات. منوها إلى أنه بالرغم من وجود عوائق أمام تشكّل تيارات سياسية ثالثة إلا أن هناك عوامل مواتية لصعود مثل هذه التيارات، ومن أبرزها الاغتراب بين النخب والمجتمع، والديمغرافيا، والاحتراب على الخلافة، وانحسار الدعم المالي الدولي للسلطة، إضافة إلى توسع وازدهار ثقافة بديلة-تحتية.
وعقب في هذه الجلسة كل من: وفاء عبد الرحمن، مدير مؤسسة فلسطينيات، والإعلامي والباحث مجد كيّال، والباحث والكاتب عياد بطنيجي.
وقالت عبد الرحمن إن افتراض أن الفضاء الثالث سيولد من رحم "النخبة الحالية" بحاجة إلى إعادة نظر، لأن الفضاء موجود، وليس بحاجة إلى ولادة، وهو الفضاء الذي نتحرك فيه وتحتله حراكات شبابية، ومدنية، حزبية وحتى العالم الافتراضي هو جزء من هذا الفضاء. وشددت على ضرورة تعريف النخبة السياسية مقابل الطبقة السياسية التي تتشكل من نخب متنوعة وقد تكون متصارعة أو متحالفة. وأوضحت أن المطلوب تحالف شبابي نسوي بقيادة أفقية لتيار يستند أساسًا على فكرة الوطنية ومجابهة الاحتلال.
أما كيّال، فقال إن الورقة تعمل مع الفضاء الثالث كسلة جامعة لكل ما لا يمكن تعريفه، مشيرًا إلى أن اللامركزية تنطوي على تنظيم أيضا. وانتقد استخدام الورقة بعض المصطلحات لتوصيف حالة التراجع التي تمر بها حركتا "فتح" و"حماس"، مشيرًا إلى أنهما لم تتراجعا لتخلقا فراغًا للفضاء الثالث، فهما ما زالتا نظامين شرسين بدأت قوتهما من الانقسام.
كما أوضح البطنيجي أن دورية الأزمة مرهونة باستقرار النخبة والقيادة السابقة، وتطرق إلى أدوات الحرب وتعلقها بطبيعة السياق والظروف، واعتبر أن مفهوم الفضاء الثالث مفهموم مرتبك مشوش حسب الورقة، وهو يرى أن الفضاء الثالث دائم، ولا يشكل قطيعة منفصلة مع السابق، الذي هو معيار له.
الجلسة الرابعة: آليات العمل .. وماذا بعد؟
وفي هذه الجلسة التي ترأسها صلاح عبد العاطي، مدير مكتب مسارات في غزة، قدم مروان عبد العال، القيادي في الجبهة الشعبية، مداخلة من بيروت عرض فيها ورقته، مشيرًا إلى أن خط الواجب يدعونا إلى العمل على منع حالة الانهيار عبر درء المخاطر المحدقة بالشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، من خلال الفعل الإيجابي القاضي بتجاوز اللغة السائدة، والاستناد إلى قيم عليا ومبادئ إستراتيجية لصيانة السياسة الوطنية العليا، تتضمن إعادة الاعتبار للمشروع الوطني، وتقوم على الوحدة الوطنية وحماية الشخصية الوطنية، وتحقيق المعايير السياسية العليا القائمة على التحررية الوطنية وقيادة كفؤة تحمل رسالة الحرية.
وأوضح أن إستراتيجية العمل لا بد أن تشمل ضرورة خلق إرادة وطنية وشعبية ضاغطة على قوى الدفع السلبي للانقسام، وتأطير قوة إرادة معنوية تستند إلى شخصيات مؤثرة لها سلطة معنوية وازنة وطنيًا وسمعة أخلاقية ونضالية وثقافية تقوم باستخدام القوة الإقناعية للجذب والتأثير، إضافة إلى تشكيل لجنة متابعة عليا فلسطينية "كلنّا فلسطينيون" من أجل الوحدة الوطنية ولن تكون وظيفتها التصادم مع أي طرف، بل هي تيار عام أو كتلة تاريخية يشق طريقه لتوحيد الكل الوطني، مستندا إلى كل مكونات المشروع الوطني الفلسطيني.
أما خالد منصور، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب، فقال إن مهمة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، التي هي في جوهرها جزء من عملية إعادة بناء الحركة الوطنية من جديد وعلى أسس ووفق برنامج جديد، تتطلب تحركًا قويًا وفاعلًا من قبل الجماهير الشعبية للضغط على طرفي الانقسام وعلى مصالحهما، وهذا التحرك الشعبي الضاغط يتطلب وجود قيادة تحمل رؤيا واضحة، ويكون موثوق بها.
واقترح آليات عمل للخروج من هذا الوقع، ترتكز على جسم تنظيمي وقيادة لحملة شعبية، يتم تشكيله (ليس على غرار الأجسام التنظيمية للأحزاب) بل يكون عبارة عن تيار سياسي وشعبي فلسطيني ضاغط، وقادر على فرض إرادة الجماهير الشعبية على طرفي الانقسام، على أن يتسم هذا الجسم بالمرونة ويتسع لكل مناهضي الانقسام، إضافة إلى برنامج وخطة تحرك وعمل يكون ضاغطا على صناع القرار لطرفي الانقسام، بما في ذلك يشمل تنظيم مؤتمرات ومهرجانات ومسيرات واعتصامات.
وعقب في هذه الجلسة كل من الناشطين مريم زقوت وفادي الشيخ يوسف، إضافة إلى علي عامر، منسق حملة وطنيون لإنهاء الانقسام، وأمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية.
وأشار المعقبون إلى مجموعة من الآليات التي يجب العمل عليها، محليًا وعربيًا ودوليًا، مركزين على ضرورة إيجاد قوة ضغط شعبي وسياسي كافيين لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وإلى ضرورة الدخول في الحل مباشرة من أجل إنهاء الانقسام وفق جدول زمني محدد غير مطاط، وإشراك المجتمع ككل في تبني الوثيقة الوطنية، إضافة إلى النزول إلى الشارع وفهم مشاكله.
وأوصى المؤتمر بمتابعة وثيقة الوحدة، وكيفية إقرار اتجاهاتها الأساسية من أوسع قدر ممكن من القوى والمؤسسات والأفراد في جميع أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، لأن أي تحرك لإنهاء الانقسام مهما كانت عظمته وحجم المشاركة الجماهيرية فيه سينتهي إلى لاشيء إذا لم يستند إلى مضمون وطني واقعي ويحفظ الرواية التاريخية والحقوق الوطنية، والعمل من أجل التنسيق والتعاون مع جميع الجهات والمجموعات المنخرطة في العمل من أجل إنجاز الوحدة، وخصوصًا "وطنيون لإنهاء الانقسام" لإيجاد حامل شعبي ووطني.