الاستطلاع الذي نشره معهد جيوكرتوغرافيا في مطلع الأسبوع أعطى كتلة اليمين المتطرف (الليكود- البيت اليهودي - إسرائيل بيتنا) 41 مقعداً، وكتلة اليسار الصهيوني (العمل-ميرتس) 13 مقعداً. ووفقاً للاستطلاع فإن حزب نفتالي بينت (البيت اليهودي) سينال في الانتخابات المقبلة 16 مقعداً، وحزب اسحق هرتسوغ 8 مقاعد. وحالياً التأييد للمعسكر القومي أكبر بثلاثة مرات من التأييد لمعسكر السلام، والتأييد لحزب الصهيونية الدينية أكبر مرتين من التأييد للحزب الذي أنشأ الدولة.
حتى لو كانت هذه النتائج مبالغاً فيها، وتعكس مزاجاً معيناً في لحظة محددة، فان الصورة التي ترتسم مهمة. هناك حضارة إسرائيلية تتلاشى، وحضارة أخرى تسيطر. وفي الوقت الذي لم يبق فيه شيء تقريباً من إرث ديفيد بن غوريون، فإن إرث الحاخام تسفي يهودا هكوهِن كوك [الأب الروحي لحركة «غوش إيمونيم» الاستيطانية الدينية] نجح إلى حد كبير في السيطرة على دولة إسرائيل.
كيهودي إسرائيلي غير متدين وغير قومي، ليس لدي أي موقف ضد الصهيونية الدينية. على العكس، وبخلاف الأساطير الحضرية المنتشرة وسط تل أبيب، فإن أتباع «مركاز هراف» و»غوش إيمونيم» لم يسرقا شيئاً من أحد. وما فعلاه خلال 49 عاماً كان التعليم، والتجنّد والتجنيد، والانتقال من مركز قوة إلى مركز قوة والسيطرة عليه- وهذا أمر مشروع. لقد عمل طلائع «غوش إيمونيم» وفقاً للأسلوب القديم والجيد دونم، ودونم آخر، وعنزة أخرى. واستطاع هؤلاء تدريجياً أن يقيموا نخبة، وصارت تقريباً نخبة وحيدة. وحولوا معتمري الطاقية المطرزة [التي يعتمرها المتدينون الصهيونيون] إلى القوة المهيمنة الجديدة.
لنأخذ على سبيل المثال صحيفة «هآرتس». مئات من كتاب المقالات الجيدين والمؤهلين كتبوا فيها طوال سنوات. وهناك عشرات المعلقين الجيدين والمؤهلين يكتبون فيها حالياً. لكن كاتب عمود رأي واحد غيّر الواقع فعلاً. وحده يسرائيل هرئيل أسس «عوفرا» وأقام «نكودا» وأسس معهد الاستراتيجيا الصهيونية، وبذل جهداً حقيقياً من أجل أن تنشأ هنا دولة واحدة. وهرئيل ليس وحيداً.
في الجيش الإسرائيلي وفي «الموساد» و»الشاباك»- صهيونية دينية. في سديروت ويروحان ويافا- صهيونية دينية. في الاعلام الجديد وفي النيابة العامة الجديدة وفي الخدمات العامة للدولة- صهيونية دينية. في مركز «الليكود» - صهيونية دينية. حتى في حركات السلام وفي بعض منظمات حقوق الإنسان نرى خريجي الصهيونية الدينية.
في مقابل ذلك، ماذا جرى للجيل الأخير الموجود في الجهة الأخرى من المتراس؟ مَن حل محل المجتمع العمالي الذي اختفى؟ ومن حل محل الحركة الكيبوتسية التي غابت؟ من ملأ الفراغ الذي تركه وراءه التيار العمالي والمشاريع الثقافية وصحف مثل «دافار» و»لمرحاف»؟
هل يعرف الجمهور اليوم رجلاً مثل بيرل كتسنلسون؟ [1887-1944، من الزعماء البارزين للحركة العمالية في إسرائيل، ومن مؤسسي الصهيونية الاشتراكية والهستدروت]، وهل من الممكن أن نلتقي اليوم برجل يواصل نهج لوبا ألياف [1921-2010، عضو كنيست ومن كبار المؤيدين للسلام مع الفلسطينيين]؟ هل ظهر في الفترة الأخيرة عاموس عوز شاب، أو أ. ب يهوشواع شاب، أو شلومو أفينري عمره 30 عاماً ؟
وبينما قامت وتقوم النخبة التي يمثلها بينت بعمل تثقيفي وتنظيمي وسياسي منظم ومنهجي فإن النخبة التي ينتمي إليها هرتسوغ توقفت عن التفكير وعن القيادة وعن التصرف كنخبة، وأصبحت تتسم بالفقر الفكري والكسل وضعف المعنويات. ولذلك وصلت إلى المقاعد الثمانية البائسة التي وصلت إليها، وتحولت إلى أقلية صغيرة متذمرة لا معنى لها. وسلمت الدولة من دون قتال إلى مجموعة ملتزمة ومحنكة من المؤمنين بـ «أرض إسرائيل الكاملة».
هل في الإمكان عكس الاتجاه؟ بالتأكيد. لدى حزب العمل وقت قصير للغاية من أجل إنقاذ نفسه وإعادة تموضعه من جديد. وإذا لم يفعل هذا فوراً فإنه ببساطة سيهلك. لكن المسألة العميقة ليست حزبية. وحده تغير عميق في رؤية العالم الديمقراطي في إسرائيل وأسلوب عمله يستطيع أن يعيده إلى موقع القيادة. وفقط إذا علم المتنورون من المتعصبين أنهم يستطيعون منع المتعصبين من السير بدولة إسرائيل إلى الهلاك.
عن «هآرتس»
-